صدمت أخبار حجز 701 كلغ من الكوكايين كانت على متن سفينة شحن قبالة ميناء وهران في شهر ماي الماضي الرأي العام وصناع القرار على أعلى مستوى، هذه القضية المعروفة لدى الرأي العام الجزائري بشبكة "البوشي" لم تكن في الحقيقة سوى جرس إنذار لتنبيه السلطات الجزائرية لخطورة الوضع ونوعية التهديد الأمني الذي ستتعرض له الجزائر في غضون سنوات قادمة. ضبط هذه الشحنة الضخمة من المسحوق المخدر الأبيض أكد ما كان مطروحا لدى الأجهزة الأمنية الجزائرية، وهو أن الطريق الذي تسلكه مافيا التهريب الدولي يشق طريقه وسط الجزائر. وقد توصلت التحقيقات في قضية 701 كيلوغرام من الكوكايين، التي تم ضبطها الصيف الماضي على متن سفينة قادمة من إسبانيا أو ما أصبح يطلق عليها بقضية "البوشي"، إلى أن الشحنة كانت موجهة إلى أوروبا، حيث كانت ستنقل على دفعات إلى إيطالياوفرنسا بوسائل مختلفة، فيما يوجه إلى التوزيع الداخلي؟؟؟؟؟. وتزايدت الشكوك الآن بعد ضبط شحنة جديدة قدرت ب300 كيلوغرام من الكوكايين في سواحل ولاية سكيكدة، حيث أصبح الخطر يحدق بأمن البلاد، خاصة مع العائد المادي الكبير الذي يجنيه ممارسو هذا النشاط الإجرامي الخطير، وهو ما يحقق لعصابات التهريب هامشا كبيرا من المناورة بسبب الأموال الضخمة المتوفرة من هذا النشاط، التي تمثل 5 مرات عائدات تهريب القنب الهندي. ويشير بعض الخبراء الأمنيين إلى أن مهرب القنب الهندي المتدفق عبر الحدود الغربية الجزائرية يجني 4 ملايير سنتيم بعد استثماره ل1 مليار سنتيم، أي ربح صاف ب4 أضعاف، أما في حال استثمار المبلغ نفسه (1 مليار سنتيم) في تهريب الكوكايين نحو أوروبا فقد يجلب عائدا ماديا يصل إلى 20 ضعفا أي 20 مليار سنتيم، وهو مبلغ ضخم يؤكد أن هذا النشاط الإجرامي الخطير سيستقطب المزيد من الجماعات الإجرامية في الجزائر بسبب الإغراء الذي توفره العائدات المادية. وفي حال ما ثبت تورط كمال شيخي، المدعو "البوشي"، في قضية 701 كيلوغرام كوكايين بقرار محكمة فليس سوى الشجرة التي تغطي الغابة.
مهربو مخدرات 5 نجوم
يكون مهرب المخدرات في أغلب الأحيان أحد الأشخاص الفارين من العدالة، يعيش دوما بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية ولا يستقر في مكان ثابت، بل يحاول دوما تغيير العنوان، ولا يجرؤ على التقرب من المسؤولين. هذه الصورة النمطية لشخص مهرب المخدرات ترسخت في أذهان الجزائريين إلى غاية انفجار فضيحة حجز 701 كيلوغرام من الكوكايين وتوقيف المشتبه فيهم الرئيسيين في القضية، على رأسهم رجل الأعمال كمال شيخي. فقد كشفت التحقيقات في القضية عن أن مهربي المخدرات هم طبقات أو مستويات، ويبدو أن كل التحقيقات في قضايا تهريب المخدرات التي سبق للأجهزة الأمنية الجزائرية معالجتها لا علاقة لها بقضية تهريب 701 كيلوغرام من الكوكايين، لأن الشبكة المسؤولة عن عملية التهريب هذه كانت تنشط في النور تحت الأضواء، بل وكشفت عن أن كمال شيخي تمكن وطبقا للتحقيقات من اختراق بعض الهيئات الحكومية، وبقي إلى غاية اعتقاله أحد "نجوم المجتمع" في العاصمة وضواحيها. هذه القضية كشفت عن وجود نوع جديد من مهربي المخدرات يملكون يخوتا فاخرة وشركات عقارية وضخمة وإمكانيات مالية هائلة تتيح لهم اختراق أعلى طبقات المجتمع والتقرب من دوائر السلطة، ومن الطبيعي بالنسبة لشبكة تسير عمليات تهريب كميات كبيرة من مخدر الكوكايين الأغلى في العالم أن تمتلك إمكانات مالية تسمح لها بالعيش في مستوى طبقة كبار رجال الأعمال، لأن العائد المالي من وراء تهريب الكوكايين يعطي للعصابات إمكانات مالية ضخمة تعجز عن توفيرها حتى بعض الدول. المسكوت عنه أو المنسي في قضيتي "كمال البوشي" وحادثة حجز 300 كلغ من الكوكايين قبالة سواحل ولاية سكيكدة أن العصابات الدولية اتخذت من الجزائر ملاذا لها، ونتحدث هنا عن جماعات إجرامية تمتلك إمكانات مالية ضخمة تتعدى إمكانات بعض الدول، وعن تهديد جديد ستتعرض له الجزائر بسببين اثنين: الأول هو العائد المادي لتجارة تهريب المخدرات والسبب الثاني هو موقع الجزائر الذي يثير شهية العصابات الدولية للتهريب.
حذر تقرير أمني صدر مباشرة بعد ضبط شحنة 701 كلغ من الكوكايين في ميناء وهران وكشف الشبكة المسؤولة عن تهريبه من "خطورة الوضع" ومن تطورات خطيرة في السنوات القادمة على جبهة محاربة تهريب المخدرات. التقرير الأمني السري قدم، حسب مصدر عليم، إنذارا قويا لصناع القرار في الجزائر بعد دراسة تحليلية وعملية بحث قام بها خبراء من جهاز أمني على أعلى مستوى حول خطورة شبكات تهريب الكوكايين. وركز التحقيق أو التقرير على حجم التهديدات الأمنية والخطورة الاقتصادية لشبكات تهريب الكوكايين على الجزائر ككل وأشار، حسب مصدر أمني رفيع، إلى أن نشاط عصابات تهريب الكوكايين المتزايد في الجزائر سيؤدي إلى زيادة استهلاك هذه المخدرات الصلبة، وهو ما يحول الجزائر في غضون سنوات من منطقة عبور إلى منطقة استهلاك لهذا المخدر الخطير، مع ارتفاع الشحنات التي يتم حجزها وتلك التي تفلت من المراقبة، وهو ما تأكد فعلا بعد ضبط 300 كلغ من الكوكايين قذفتها مياه البحر قرب ميناء سكيكدة. التقرير الأمني حذر من خطورة تحول عشرات أو مئات الآلاف من الجزائريين من استهلاك القنب الهندي أو الكيف المغربي إلى الكوكايين وإمكانية تحويل نشاط شبكات التهريب والترويج والاتجار في المخدرات من ترويج القنب الهندي إلى تجارة الكوكايين، وقد تأكد هذا بالفعل في السنوات القليلة الماضية مع زيادة حجم تجارة تهريب ترويج واستهلاك المؤثرات العقلية في الجزائر، حيث تم إغراق الجزائر في السنوات القليلة الماضية بأنواع مختلفة من المخدرات الصلبة والمؤثرات العقلية أغلبها تم تهريبها من وراء الحدود الجنوبية. التهديد الجديد سيؤدي، حسب التقرير الأمني ذاته، إلى تغلغل عصابات التهريب الدولية النيجيرية التي تعمل على تهريب المؤثرات العقلية المصنعة سريا والتي لا يخضع تصنيعها لأي ضوابط، وتعمل أيضا على تهريب مخدر الهيروين الذي يهرب من أفغانستان عبر غرب إفريقيا، وعصابات تهريب الكوكايين الموجودة في كولومبيا، المكسيك، فنزويلا والبرازيل نحو الجزائر، وهو ما يعني أن البلاد أمام تهديد أمني خطير وجدي سيؤدي إلى ظهور أنماط جديدة من الإجرام المنظم مثل السطو المسلح وحجز الرهائن.
تستهدف عصابات إنتاج وتهريب الكوكايين في أمريكا اللاتينية السوق الأوروبية، بسبب الأرباح الهائلة التي تجنيها من وراء بيع هذا المخدر الصلب في أوروبا. مكمن الإشكال بالنسبة لعصابات التهريب الكولومبية والبرازيلية الكبيرة كان دوما في صعوبة نقل وإيصال شحنات الكوكايين إلى غرب أوروبا في الفترة الممتدة من 1995 إلى 2015، وهو ما دفع بالمهربين إلى تغيير طريق التهريب بدلا من نقلها سرا في سفن شحن وطائرات بكميات محدودة إلى بريطانيا، فرنسا، هولندا وإسبانيا. وقد شرعت هذه العصابات في نقل شحنات ضخمة من الكوكايين إلى غرب إفريقيا ونيجيريا تحديدا ثم إلى دول الساحل الإفريقي التي تعاني من انفلات أمني عبر سفن وطائرات نقل، وتخزين هذه الكميات في إفريقيا ومن ثمة نقلها إلى أوروبا. لكن حتى هذا الطريق الجديد كان معقدا بالنسبة لعصابات التهريب، وفي السنوات العشر الأخيرة بدأت عصابات التهريب العالمية أو ما يسمى "كارتلات" الكوكايين في الاستثمار في طريق جديد للتهريب يمر عبر المغرب والجزائر. وحسب المعلومات المتاحة، فإن الجزائر بحكم موقعها الجغرافي تحولت إلى نقطة لقاء بين دول التخزين ودول التسويق، وكذلك بحكم قربها الجغرافي من أوروبا وقرب سواحلها النسبي من دولتين أوروبيتين هما إيطاليا واسبانيا، وهو ما جعل الأجهزة الأمنية تدق ناقوس الخطر من التهديد الذي تشكله الشبكات العابرة للقارات.