طويت صفحة من تاريخ الجزائر بتثبيت الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية، اليوم، وتعيين عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة، ما يعني نهاية فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة التي استمرت 20 سنة. وسيشكل هذا التاريخ نقطة فاصلة في مسار البلاد، إما باتجاه مرحلة ستضع أسس دولة "السيادة الشعبية" وإما ب"الانتكاسة" إلى الوراء من جديد. دخل يوم 9 أفريل الذاكرة الوطنية، باعتباره شاهدا على نهاية مسيرة الرئيس بوتفليقة في الحكم بعد ثورة شعبية أجبرته على الرحيل، وهو الذي كان يريد الاستمرار لعهدة رئاسية خامسة. وكانت أحزاب الموالاة التي أذابت نفسها في ما سُمي خلال كل هذه السنوات في "برنامج الرئيس" هي نفسها من صوّت على شغور منصبه، بعد أن ظلت تحاول يائسة "مراوغة" الجزائريين بالقول إن هذا الرئيس المريض الغائب عن المشهد منذ 7 سنوات يشتغل عقله أحسن من عقول كل الجزائريين، كما كان يردد عمارة بن يونس، وبعد أن كانت ماضية في مسار يُمجّد الرئيس، إلى الدرجة التي يقول فيها عمار غول إنه مستعد لمساندة بوتفليقة حيا أو ميتا، وبعد أن كان أحمد أويحيى ومعاذ بوشارب يسخران من كل من يرفض ترشح الرئيس لعهدة خامسة ويطالب بالتغيير. ولعل هذا المشهد السريالي الذي احتضنه قصر المؤتمرات، أمس، هو أكبر شاهد على العبثية التي طبعت سنوات حكم بوتفليقة بعد مرضه، التي افتقدت فيها السلطة لأدنى المعايير الأخلاقية وأسقطت من التزاماتها حتى مراعاة "الشكل" وظاهر القانون في تسييرها للبلاد، فانتهى الحال بالبلاد أسيرة عند ما بات يُسمى من رجالات النظام أنفسهم ب"القوى غير الدستورية" التي تحكمت في قرارات الرئاسة بما يخوله لها الدستور من صلاحيات إمبراطورية، وتحكمت في الاقتصاد بتقوية من تريد من رجال أعمال وإسقاط كل من لا يدور في الفلك وتسلطت على كل فواعل المجتمع بمنعها الحق في التظاهر والتنظيم، فتحولت السلطة إلى ما يشبه "العصابة" التي تُجيّر كل مؤسسات البلاد لخدمة مصالحها. لكن نهاية عهد بوتفليقة وجماعته المقربين لا تعني بالضرورة أن عصا سحرية ستقلب حال البلاد من سيئ لأفضل. فمخاوف تجديد النظام لنفسه لا تزال تتربص بالبلاد، من حيث إن تطبيق المادة 102 حرفيا سيؤدي لا محالة إلى تنظيم انتخابات رئاسية بعد 3 أشهر بنفس الصيغ السابقة التي كانت فيها الإدارة غير المستقلة هي المسيطرة على الصندوق. وهذا ما تفطن له الحراك الشعبي، فطالب في جُمعته الأخيرة بإزالة "الباءات الثلاثة"، وفي مقدمتهم عبد القادر بن صالح الذي رغم ذلك تم تنصيبه، أمس، رئيسا للدولة، في خطوة بدت "استفزازية" للحراك الشعبي. وكان الجزائريون خلال الجمعة الماضية قد عبّروا بقوة عن رفضهم لما أطلقوا عليهم "الباءات الثلاثة" وفي مقدمتهم عبد القادر بن صالح، لكن إرادتهم المُعبّر عنها لم يتم احترامها، وتواصل تطبيق المادة 102 حرفيا من الدستور دون أي مخرج سياسي يصاحبها بما يخدم مطالب الجزائريين في الوصول إلى تغيير جذري للنظام. وتثير رغبة النظام في الذهاب إلى انتخابات في ظرف 3 أشهر فقط مخاوف كبيرة من إمكانية أن تكون هذه السرعة القصوى رغبة في الالتفاف على مطالب الجزائريين، عبر دفعهم نحو صندوق الانتخابات في ظروف غير ملائمة تماما. وخلال هذه المدة، لا يمكن للرئيس بن صالح أن يستحدث لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات بسبب صلاحياته المحدودة، وهو سبب سيكون كافيا للمعارضة للتشكيك في نزاهة هذه الانتخابات، ناهيك عن أن الإبقاء على حكومة بدوي في ظل الحصانة التي توفرها لها المادة 104 سيُوّلد طوفانا من غياب الثقة، بسبب تجارب المعارضة السابقة مع بدوي في الانتخابات الأخيرة التي اتهم فيها بالتزوير لصالح الرئيس ومحيطه. ويدفع هذا كله إلى الاعتقاد بأن الحراك الشعبي باق وسيتمدد في الأسابيع المقبلة رفضا لهذا الحل الدستوري الذي يهدد بإنتاج نفس النظام، وهو ما سيلقي من جديد العبء على المؤسسة العسكرية التي أصبحت في كل مرة تتدخل لحلحلة الوضع. لكن السؤال الأكبر الذي يصاحب تعيين بن صالح هو عن سبب صمت رئيس أركان الجيش عن هذا الخيار الذي يستحيل أن يكون قد اتُخذ غصبا عنه، علما أن الفريق ڤايد صالح كان قد تعهد من قبل بتحقيق كل مطالب المتظاهرين.