يفضل الكثير من الجزائريين التصدق بالمال لفائدة المحتاجين، لكن بطريقة غير مباشرة ومن دون أن يتعرف ذلك المحتاج على هويتهم، فتجدهم يبحثون عن طرق للتصدق في كل سرية، مع ضمان وصول الصدقات إلى أهلها، كأن يتجه إلى محل لبيع المواد الغذائية ويطلب من التاجر جلب “ كناش لكريدي” كي يسدد جزءا من ديون أحد الزبائن الفقراء. المبادرة أطلقها بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي على صفحات فايسبوك، ولاقت تفاعلا كبيرا من باقي المتابعين، الذين استحسنوا المبادرة وراحوا يجسدونها على أرض الواقع في مختلف المحلات التجارية ونقاط البيع الواقعة داخل الأحياء الشعبية، التي تكثر فيها العائلات الفقيرة والمعوزة. من الفايسبوك أبوبكر، شاب في العقد الثالث من العمر، لجأ هو الآخر إلى أحد المحلات التجارية بحي بلكور الشعبي، وطلب من التاجر أن يمسح البعض من ديون أحد الزبائن المحتاجين. يقول أبو بكر ل “الخبر”: “الفكرة اكتشفتها من منشور لأحد الأصدقاء على صفحته، وأعجبتني كون النقود ستذهب حقا للأشخاص الذين هم بأمس الحاجة إلى الصدقات، ثم لسريتها وعدم الكشف عن هويتي”. وكشف أحد التجار بمحل لبيع المواد الغذائية بحي الحراش الشعبي في العاصمة ل “الخبر”، عن أن: “بعض المواطنين تقدموا له قبيل حلول شهر رمضان وطلبوا منه إخراج دفتر “الكريدي” من أجل تسديد ديون العائلات المحتاجة”. فرحة وتابع: “عندما يعود الزبون إلي من أجل تسديد ديونه، أخبره بأن أحدهم قد سددها، فيتفاجأ ويطلب مني الكشف عن هويته، فأرد عليه بأنني لا أعرفه ولا يقطن بالحي، بل أراد فعل الخير فقط”. لمين، 45 سنة، صاحب محل تجاري لبيع المواد الغذائية ببئر توتة في العاصمة، يرى أن الخطوة التي يقوم بها بعض المواطنين أحسن بكثير من أن يسمح لبعض الشباب وضع حصالة نقود داخل محله لغرض جمع المال لفائدة المرضى، أو من أجل قفة رمضان. يقول لمين ل“الخبر”: “عندما تسدد ديون أحد الزبائن، على الأقل تكون مرتاحا وعلى دراية أن الأموال لم تذهب لغرض آخر. لكن عندما تضع النقود في الحصالات وتتصدق على أشخاص في الشارع لا تعرفهم، فقد تقع في مصيدة النصب والاحتيال... أظن أنها فكرة جيدة وأنجع من باقي طرق التصدق”. يضيف لمين: “بعض المتصدقين يمنحونني النقود ويطلبون مني مسح ديون الزبائن الذين هم بأمس الحاجة، وليس أولئك الذين يقتنون بالدين العطور والفواكه وغيرها من الكماليات”. يحرص الجزائريون على تعزيز قيم التكافل والتعاون في شهر رمضان، ويظهر ذلك جليا في العدد الكبير من مطاعم الرحمة المنتشرة في مختلف شوارع العاصمة، وهي المطاعم التي يقصدها المحسنون من أجل التصدق بمختلف المواد الغذائية المحتاجة في عملية الإفطار. يبحثون عن الأجر بعيدا عن الناس ويصف أحد الباعة من سطيف في حديث معه الفرحة الكبيرة حين يخبر صاحب الدين بتلك اللفتة الطيبة، فينشرح قلبه قبل أن يدخل في سلسلة من الأدعية لصاحب الإحسان، بل ومنهم من يذرف الدموع، غير أن البعض يحاول أن يستفسر عن هوية المحسن وشكله عله يعرفه، لكن صاحب المحل أكد بأنه يرفض تماما أن يدل على المحسن الذي يصر على عدم الكشف عنه رجاء المغفرة والأجر من الله. من جهة أخرى، يقوم بعض المحسنين بالأمر نفسه، لكن بطريقة عكسية؛ حيث يتقدمون إلى أصحاب المحلات ويختارون عائلات معينة أو أشخاصا فقراء يعرفهم أصحاب المحلات، فيطلبون من صاحب المحل أن لا يحرمهم من المواد الغذائية الأساسية، ثم يقومون بدفع المبالغ المالية مسبقا، غير أنهم يختارون غالبا الأرامل واليتامى تفاديا لأي شبهة. فيما يقدم بعض المحسنين مثلا على شراء كميات من اللحم وتقسيمها بشكل متساوٍ، ثم يطلبون من صاحب محل الجزارة أن يختار الفقراء حسب ما يمليه عليه ضميره، فيقدم الكمية مثلا إلى امرأة تتفادى شراء اللحم في رمضان، وتشتري مقابل ذلك كميات قليلة من أجنحة الدجاج، ما يدل على عوزها.