استشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة "الكريدي" لدى التجار الجزائريين، خاصة بائعي المواد الغذائية الضرورية والأجهزة المنزلية الإلكترونية، و"الجزارة"، وإن كانت فئة المستفيدين من المواطنين من "الكريدي" تقتصر على الزبائن الدائمين لهؤلاء التجار، إلا أن الظاهرة أخذت منعرجا خطيرا في ظل تدني المستوى المعيشي وسط شريحة واسعة من المجتمع، حيث يعجز من يستفيد من الكريدي عن سداد ديونه، وهنا تخلق المشاكل، ويتحول الأمر إلى خلاف حاد ينتهي بشجار واعتداء وسب وشتم أو حتى قتل! "لا للكريدي"، "لا تحرجونا بالكريدي".. هي عبارات يعلقها التجار في محلاتهم، لكن أصبحت في ظل سياسة التقشف وغلاء المعيشة مجرد حبر على ورق، حيث لا يعمل بها في الكثير من الأحيان، لأن تجار التجزئة لا يرغبون في فقدان زبائنهم الدائمين. وقد قامت "الشروق" بجولة استطلاعية في العديد من المحلات و"السيبيرات" بحسين داي والقبة والحراش، حيث اكتشفنا فكرة جديدة بات يلجأ إليها تاجر التجزئة، وهي سجلات أسماء الزبائن المستفيدين من "الكريدي" محملة في هواتفهم النقالة، حتى إذا غاب البائع أو صاحب المحل لا يمكن لأي بائع آخر محو اسم من هذه القائمة، وهي حيلة تم الاستغناء فيها عن سجلات الكريدي الورقية. وقال أحد بائعي المواد الغذائية بالتجزئة في حسين داي، إن منح السلع بالقرض لزبائن معروفين تعودوا الشراء من عنده، بات أمرا معتادا في هذه الأيام. وأضاف بلهجة غاضبة: "التاجر يعاني اليوم. لقد أصبح يحرج من جيرانه وأقاربه ويضع نفسه في مشكل هو في غنى عنه". وقال أحد بائعي الأجهزة الإلكترونية بمركز تجاري في القبة، إنه باع ثلاجة إلى أحد جيرانه، ب 3 ملايين سنتيم، منذ شهر، وقد سجل اسمه في هاتفه النقال، لكنه سافر إلى الصحراء حيث يعمل دون أن يسدد دينه، فدخل في خلاف مع زوجته وابنته.
قضايا ضرب وجرح.. والكريدي يفتح باب الاتهام على التجار وأكد أصحاب الجبة السوداء ل "الشروق"، أن الكثير من التجار أصبحوا يجرون إلى المحاكم بسبب الخلاف مع الزبائن عن "الكريدي". وقد قال المحامي سليمان لعلالي، إن سياسة التقشف وضعت التجار في مأزق، وفي دوامة بين إرضاء الزبون والركض لاسترجاع أموالهم، حيث رافع مؤخرا في عدة قضايا فيها تجار متهمون أو ضحايا، والسبب الرئيس هو القرض. وقد عالجت محكمة الحراش مؤخرا قضية تاجر باع أجهزة إلكترونية إلى أحد معارفه ب"الكريدي" وبقي يطارده لاسترجاع ماله، وقد وصل الأمر إلى نشوب شجار حاد بينهما خلف جنحة الضرب والجرح المتبادل بسلاح أبيض. كما قال المحامي قدور حنفي إن الكثير من التجار أصبحوا مهددين بالقتل من طرف زبائنهم الذين تراكمت ديونهم ولم يستطيعوا تسديدها إلا بالتخلص من التاجر.
بولنوار: الكريدي أرهق التجار.. وهواتفهم النقالة أصبحت سجلا مثقلا بأسماء الزبائن في السياق، دعا رئيس الجمعية الجزائرية للتجار، حاج الطاهر بولنوار، الجزائريين إلى عدم إحراج أصحاب محلات البيع بالتجزئة، وقال إن هناك مواد استهلاكية ضرورية وهي التي تستدعي القرض، وإن هناك بعض الزبائن يعملون بعيدا عن عائلاتهم وهم يشترون مؤونة شهر أو شهرين، وهم أحق ب"الكريدي"، لكن أن يصبح غلاء المعيشة حجة للكثير من الزبائن الذين هم ليسوا في حاجة إلى بعض المواد الاستهلاكية وبعض الأجهزة الإلكترونية، كي يضع البائع في حرج، فهذا غير مقبول حسبه.