يرى الوزير والبرلماني الأسبق، عبد السلام علي راشدي، في حوار ل"الخبر"، أنه على الرئيس تبون إثبات حسن نيته في الحوار والتهدئة بإلغاء القوانين المقيدة للحريات وخصوصا قوانين الإعلام والأحزاب فورا، منبها إلى أن الرئيس الجديد يوجد أمام فرصة لاتخاذ إجراءات حاسمة وترك بصمته في التاريخ أو سيضطر لإخلاء مكانه. لماذا لم يواكب رحيل بوتفليقة والمقربين تحولا للنظام؟ ما الذي يجب فعله حسبكم؟ بوتفليقة مثّل الجيل الأخير للثورة الذي أدار شؤون الدولة بالاستناد إلى الشرعية الثورية التي أفضل تسميتها القومية الشعبوية، ورحيله لم يؤد إلى التغيير. وما هو مطلوب ليس تغيير الرجال فقط بل تغيير المنظومة عبر الخروج من الشرعية الشعبوية الوطنو-إسلاموية والتحول إلى الشرعية الديمقراطية، حيث الفرد هو الفاعل السياسي وليس الشعب.
يبدو هذا سؤالا فلسفيا. كيف نحقق ذلك؟ يمر ذلك عبر قطيعة، فالتعددية التي جاءت بعد أحداث أكتوبر 1988 أفرزت أحزابا عديدة شمولية من نمط الحزب الواحد، إنها مستنسخة عنه إذ تتوجه إلى الشعب ككتلة واحدة، مرة تمجد الشعب الجزائري البطل ومرة أخرى الشعب الجزائري المسلم، لا حزب يتوجه إلى الفرد ويحدد إن كان من اليسار، اليمين أو الوسط، في تكريس للوطنية الشعبوية التي هي ميزة الحزب الواحد. ما هي مميزات الوطنية الشعبوية؟ هي تتمظهر في ثلاثة أنواع، أولا: رفض وجود النخب السياسية والاقتصادية وخصوصا المثقفة. ثانيا: رفض الأخذ بالاعتبار تنوع المجتمع وبالتالي التعددية التي تشكل أساس التعددية. ثالثا: ادعاء احتكار تمثيل الشعب. يضاف إلى ذلك وجود زعيم كاريزماتي يخاطب الناس مباشرة، أي أنه ليس في حاجة للوساطة عبر الأحزاب أو الممثلين المنتخبين، وأخيرا الوعود الديماغوجية بحل المشكلات فورا بغض النظر عن القدرات والوسائل اللازمة لحلها (على سبيل المثال، استرداد الأموال المختلسة).
يقترب الحراك الشعبي من بلوغ سنة من عمره، هل تعتقد أنه سيتواصل بالشكل الذي هو عليه أم هو في حاجة لإبداع أساليب جديدة للاستمرار ومواصلة النضال؟ من الميزات الرئيسية للحراك السلمية والتنوع والانتشار عبر الوطن، بعكس الانتفاضات السابقة. فالربيع الأمازيغي والربيع الأسود عاشتهما منطقة القبائل وحدها، وانتفاضة 1988 مست أرجاء الجزائر دون منطقة القبائل، وقد وقفنا منذ اللحظة الأولى للحراك على بروز عناصر جديدة كقبول التنوع الثقافي والوجود الهائل للنساء والعائلات وتواجد فئات تنتمي إلى مختلف الطبقات الاجتماعية والتيارات السياسية جنبا إلى جنب في المسيرات. هل نكتفي بهذا؟ دون شك لا. ومن مصلحة الحراك الاستمرار، فهو مدرسة حقيقية تسهم في ظهور الفرد الفاعل والمواطن المدرك لحقوقه وواجباته، أيضا التغيير سيستغرق بعض الوقت لأنه يدور حول تغيير الدهنيات رهينة الخطاب الشعبوي حاليا. لهذا من الضروري إنشاء أحزاب جديدة بدلا من الأحزاب الحالية المصممة وفق نمط حزب جبهة التحرير الوطني، كما أن المجتمع يحتاج للوساطة لتحقيق تطلعاته وهذا هو دور الأحزاب السياسية ودون وجود طبقة سياسية تمثيلية من المستحيل إقامة نظام ديمقراطي أو تلبية التطلعات الشعبية. علاوة على ذلك، ألا يدل الحراك على عدم وجود طبقة سياسية ذات مصداقية قادرة على أن تتولى الوساطة بين المجتمع والدولة؟
في غياب ممثلين له ألا ترى أن الحراك يواجه خطر الاندثار؟ في غياب وساطة، لا يستطيع الحراك تحقيق طموحاته. وقد سجلنا أنه لا يوجد طلب على النخب من قبل الحراك، لكن مع ذلك يجب اغتنام الفرصة والدينامية التي أتاحها لأخذ زمام المبادرة لإنشاء أحزاب عصرية دون المرور عبر محطة وزارة الداخلية ودون طلب رخصة كما فعل الحراك خلال المظاهرات.
السلطة تعرض إجراء الحوار، هل يجب التجاوب معها؟ الحوار مع من ولأي غرض؟ إذا كانت للنظام نية صادقة لخلق الظروف الملائمة فعليه المبادرة بإلغاء القوانين المقيدة للحريات، خصوصا قوانين الأحزاب الإعلام والتظاهر، وكذلك ينبغي حل الأحزاب الموجودة بدءا بحزب جبهة التحرير الوطني والأحزاب التي تدور في فلكه والمستنسخين عنه، وتحرير المبادرة لكل مواطن لتشكيل حزب دون قيود، وإلغاء وزارات الاتصال والمجاهدين، ألا يمثل وجود أسرة ثورية مساسا بحق المساواة بين المواطنين؟ سيؤدي إلغاء وزارة الشؤون الدينية لتحرير المسجد من سيطرة الدولة وإعادته إلى المصلين. وإذا وجدت مخاوف أمنية، فستكون لدى الدولة دائما وسائل للتعامل معها.
أعلن الرئيس تبون عن تعديل الدستور، ما تعليقك على هذه الخطوة؟ ألا ترى أنها محاولة للبحث عن مشروعية بالنظر لمجريات الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟ الدستور ليس مسألة نصوص أو المواد 7 أو 8 أو 102 بل مسألة عملية. فمثلا لدينا عدة أحكام في الدستور تكرس الحريات الأساسية، لكن في معظم الأحيان تحال هذه الأحكام على نصوص قانونية لتطبيقها والنصوص التطبيقية التي تنبثق عنها غير قانونية وغير دستورية. بالإضافة إلى ذلك، يتم اعتماد هذه القوانين على يد برلمان غير شرعي، وبالتالي إفراغ الدستور من مضمونه.
الرئيس تبون أطلق بعد توليه مهامه سياسة انفتاح على الأجنحة الأخرى في النظام، ألا يعد هذا إقرارا بهشاشة وضعه؟ السؤال المطروح هو هل لديه هامش للمناورة؟ يبدو جليا أنه هش، ومن الواضح أن العصبة التي نصبت الرئيس تبون لم تعد كما كانت، وعليها أن تشتغل مع العصبة التي دعمت مرشحا آخر. من جهة أخرى، يجب أن نحصل من الجيش على التوقف عن التدخل في الشأن السياسي، وسيكون عندئذ أشد قوة، خاصة أن خطر الحرب على حدودنا لم يعد مجرد تخيلات.
على ضوء ما قلتم به سابقا، هل يملك الرئيس الجديد وسائل تنفيذ سياسته؟ نحن هنا أمام مفارقة عجيبة، كون الرئيس لا يملك حزبا سياسيا، وقريبا ؟؟؟؟؟؟وزيره الأول إلى البرلمان لعرض برنامج حكومته، فعلى من سيعتمد؟ من المؤكد أن الأغلبية الحالية فاقدة المصداقية. لكن حتى إن لم يتوفر على مطلق الحرية فبإمكانه المحاولة إذا أراد ذلك، عبر تجسيد 40 أو 50٪ من الإصلاحات الموعودة، وأن يقرر على سبيل الرمزية إلغاء القوانين المقيدة للحريات ولاسيما قانون الأحزاب فورا، لأنه لا توجد سياسة ولا ديمقراطية من دون أحزاب.
ألا ترى أن افتقاده لحزب سياسي قد يدفعه في النهاية لإعادة تجربة الرئيس الأسبق اليمين زروال وينشئ حزبه الخاص به؟ هو أعلن رفضه لذلك، لكنه قد يجبر على التوجه إليه، وسيكون ذلك إعادة استنساخ للفشل. في ظل معطي أن الحراك لم يعد يستسيغ الخطاب الشعبوي. وفي نهاية المطاف، يواجه تبون خيارا وجوديا: إما للحفاظ على الوضع الراهن أو التغيير. إنه من المستحيل الحكم ضد إرادة الشعب الذي يريد التغيير، وهو إما أن يتخذ إجراءات حاسمة ويدخل التاريخ أو أنه سيضطر لإخلاء مكانه وهذا هو ما يقول به علم السياسة والذي يعرفه الرئيس ووزيره الأول.
كيف تابعت المحاكمات الأخيرة لرموز السلطة؟ لم أتوقع حدوث ذلك، ويصعب اتخاذ موقف بالنظر لعدم استقلالية القضاء ولكون النواب العامون خاضعين لسيطرة البوليس السياسي، وفي ظروف صراع وغياب الانسجام داخل الحكم يوصف ذلك بأنه تصفية حسابات مهما كانت أفعال المعنيين الذين أعتقد أن حياتهم السياسية انتهت. من جهة أخرى، لا أعتبر أي سياسي مسجونا معتقلا سياسيا، لأن السياسيين يمكن أن يسرقوا وتتم إدانتهم على ذلك الأساس. اليوم، لدينا رئيس يتمتع بالشرعية حتى لو كان يفتقد للمشروعية، وهو معترف به من قبل شركائنا الأجانب الذين هم على استعداد للعمل معه. من المؤكد أن الافتقار إلى المشروعية يمثل نقطة ضعف كبيرة، لكن لا شيء يمنعه من الاستجابة بشكل إيجابي للتطلعات الشعبية وفي الوقت الحالي لم نلمس منه شيئا منه، باستثناء تغيير المسؤولين. على سبيل المثال التغييرات في إدارتي التلفزيون العمومي والوكالة الوطنية للإشهار، فيما الشعب يتوق لتحرير الفضاء الإعلامي من جميع جوانبه، بدءا برفع الرقابة والمضايقات على الصحفيين.
باشر الرئيس الجديد إجراءات تهدئة من خلال الإفراج عن معتقلين، هل يشكل ذلك بداية تسوية للأزمة في رأيك؟ لقد جرى استعمال المعتقلين كرهائن والمساس بحقوقهم وشرفهم، فآثار السجن تبقى ولا تمحي مدى الحياة، ماذا يمكن أن نقول عن الفتيات والطالبات اللاتي تم الزج بهن في السجن دون رحمة؟ إن نظرة المجتمع لا ترحم في مثل هذا الموقف المهين والمخزي، ثم إنه من الناحية العملية لا يعتبر خروج السجناء تهدئة، لأن معظم المفرج عنهم قضوا فترات عقوبتهم. ولا يصح القول إن تدابير تهدئة اتخذت ومازلنا ننتظر تدابير تهدئة فعلية متمثلة في فتح المجالين السياسي والإعلامي، بدءا من حرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات دون عراقيل مهما كانت طبيعتها.
هناك جلسات للديمقراطيين تنظم قريبا، هل أنتم معنيون بها؟ لست معنيا بها، وموقفي من حل الأحزاب ينسحب أيضا على ما يسمى الأحزاب الديمقراطية، هل وصفهم بالديمقراطيين يعني أن الآخرين غير ديمقراطيين؟ وفي السياق ذاته، هل تقديم الوطنيين والإسلاميين أنفسهم بهذه الصفة يعني أن الآخرين ليسوا كذلك؟ إن الأحزاب التي ظهرت إثر انتفاضة أكتوبر 1988 شكلت على أسس غير صحيحة وبرعاية البوليس السياسي، وهذه الأحزاب ملغمة بالتناقضات وفي حالة من الهشاشة بسبب انقساماتها، لدرجة أنه لا يمكن لها سوى القبول بنتائج ضئيلة إذا شاركت في الانتخابات.