يواجه الجيش الأبيض، منذ بداية انتشار جائحة فيروس كورونا، ضغطا كبيرا في إنقاذ حياة المرضى والعمل على الحد من انتشار الوباء، تضاف إليه متابعة يومية لكل الحالات، خاصة منها تلك التي يعاني أصحابها أمراضا مزمنة أو أولئك الذين وقعت لديهم مضاعفات صحية بسبب العدوى، حيث يقف هؤلاء أمام ثلاثية تحمل المسؤولية ورؤية عشرات المرضى يعانون الخوف من العدوى، إلى جانب إمكانية نقل المرض إلى ذويهم في حال زيارتهم، وهو ما رجع بالسلب على نفسيتهم بعد 3 أشهر من الوقوف وجها لوجه مع الفيروس سريع الانتشار. وضعت العديد من الفرق الطبية من أطباء وعمال شبه طبي إلى جانب إداريين وأعوان أمن في الصفوف الأولى بالمستشفيات لمحاربة هذا الفيروس الذي دخل عنوة وأصبح يشكل خطراً على الصحة العمومية وعلى حياة البشر، حيث لم يجد هؤلاء وسيلة للمواجهة سوى التدخل ومساعدة المرضى وتحمل أي تبعات كانت، حيث تجندوا ومنذ شهر أفريل وإلى غاية الآن للتكفل بالحالات دون الأخذ بعين الاعتبار حياتهم الشخصية والحالة النفسية التي يمكنها أن يخلقها لهم مع تحمل المسؤولية، حيث يعاني الكثير من الأطباء حالة نفسية متعبة، وإن تراجع تأثيرها مع الأيام بعد التحكم في الوباء، حسب ما ذكره بعض من تحدثت "الخبر" معهم، إلا أن أمر متابعتهم نفسيا وأخذ وقت وقسط من الراحة ما بعد الجائحة أصبح ضرورة ملحة جدا، ويتساءل بعضهم عن تاريخ التخلص من كورونا والخلود إلى بعض من الراحة، قائلين "الوباء أثر على حالتنا الجسدية والنفسية وأرهقنا".
أطباء يعيشون في دائرة الشك من الإصابة يوميا وتذكر الدكتورة بن شيهب لامية، طبيبة بمصلحة الاستعجالات الطبية بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، أن أغلب الحالات التي أصيبت بكوفيد 19 تخضع للفحص على مستوى القسم قبل تحويلها إلى وحدة العلاج، حيث لا يعلم وقت وصولها، لذا يتحتم عليهم التجند وأخذ احتياطات الوقاية في كل وقت، خاصة مع المناوبة الليلية، لتؤكد المتحدثة أنه ورغم تراجع الحالات التي تستقبلها مصلحة العلاج إلا أن الوضع الصحي والوبائي يؤثر بشكل كبير عليهم والعمل لا يكون كالعادة ويحتاج إلى تجند ويقظة أكبر. لتضيف الدكتورة أنه يجب المتابعة النفسية للأطباء بعد نهاية الجائحة لأنهم ظلوا لأسابيع يعيشون الخوف ويتأثرون لحالة المرضى أثناء التعامل المباشر معهم، تحديدا مع أولئك الذين تحدث لهم مضاعفات ويعانون ويجب عليهم مساعدتهم أمام ما يمليه واجبهم المهني والضمير الإنساني، يضاف إليه الهاجس الذي يسكنهم دائما من إمكانية تسرب الفيروس إليهم وانتقال العدوى والإصابة، حيث إن أبسط عطسة أو سعال يدخلهم في دائرة الشك، وهو الخوف ذاته الذي يستمر معهم أثناء رجوعهم إلى المنزل، حيث كشفت أنها اختارت المكوث في منزلها بدلا عن الفنادق وأخذت احتياطاتها، إلا أنها تبقى تعيش مع فرضية نقل الفيروس إلى عائلتها الصغيرة والكبيرة، خاصة ممن يعانون منهم أمراضا مزمنة، قائلة "ما يحز في نفسي هو ابتعادي عن أبنائي وتوقيفهم أثناء رغبتهم في احتضاني بعد كل مناوبة ليلية، أبنائي أيضا تأثروا نفسيا من الوباء وأثناء محاولتي الحفاظ عليهم". وتواصل الدكتورة بن شيهب أن الفيروس وإلى جانب تأثيره النفسي خلق مشاكل صحية للأطباء العاملين، من خلال الوضع الدائم للكمامات والقفازات الطبية وألبسة الوقاية الخاصة، إلى جانب استعمالهم المتكرر لمواد التنظيف، وهي الألبسة ذاتها التي تحدث نوعا من عدم الراحة أثناء العمل بها، رغم أهميتها في الوقاية لمدة 24 ساعة، فأصبحوا يعانون أمراض الحساسية، يقابلها ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، كما ذكرت أن الأطباء وفي ظل توقيف العطل الخاصة بهم، يحتاجون إلى وقت لاسترجاع قوتهم. من جهة أخرى، ذكرت الدكتورة عفاف بن سراج الطبيبة في قسم وحدة كوفيد 19 بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، وتعد من الأوائل الذين جندوا لمواجهة الداء منذ أواخر شهر فيفري وظلت تقيم بفندق منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا، ذكرت أن التأثير النفسي الكبير والتراكمات كانا قويين مع بداية الجائحة بسبب الحديث عن قلة الإمكانيات في الجزائر لمواجهة الفيروس من جهة، وهو الأمر الذي تبدد بعد وصولها وتوزيعها على وحدة المكافحة ونقل الفيروس إلى منازلهم وإمكانية الإصابة به في أي لحظة دون علمهم من جهة أخرى، خاصة أن المصلحة التي كانت تعمل بها أول من جندت مع أولى الحالات، حيث كان العالم يصارع الوباء بتسجيل أرقام خيالية. وكشف الدكتورة أن الخوف ظل معهم قبل أن يتم التأقلم مع الوضع وعدم بلوغ حالات الموت، على غرار الدول الأوروبية، وإن ظل التأثر والحسرة، تشير، على مرضى تم فقدانهم وهم لأشخاص مصابين كانوا تحت العلاج في المصلحة ذاتها، مذكرة بأن وضعية القلق النفسي زاد منها غيابهم عن منازلهم واحتضان العائلة التي تساعدهم في التقليص من الضغط، علما أنهم قضوا شهر رمضان وعيد الفطر في الفنادق ولم تكن لهم القدرة على الذهاب إلى أي مكان، واقتصرت يومياتهم ما بين المستشفى والفنادق، لتصرح قائلة: "حتى وإن كانت هناك أيام راحة، إلا أن التفكير يبقى منصبا على المرض الذي لم يتم الانتصار عليه بعد ويحتاج إلى جهدهم". وتستبشر الدكتورة بن سراج ببوادر الانفراج التي يمكن أن تكون بعد رفع الحجر الصحي بتاريخ 14 جوان، حيث تطالب بعطلة للاسترجاع، وهو ما يحتاجونه ما بعد رفع الحجر وتعويضهم بفرق أخرى عن طريق التناوب بعد الإرهاق الذي أصابهم بفعل الريتم السريع والضغط والبعد عن العائلة، موضحة أنها على موعد مع الدراسة وامتحانات، وهو ما زاد من مسؤوليتها تجاه نفسها.