أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردَّى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا”. بين الفينة والفينة، تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بأخبار عن حالات انتحار، وفي كل عام يموت الآلاف من الناس انتحروا بعمليات مختلفة، إما بالحرق، أو الشنق، أو بتناول المواد السامة، أو إطلاق النار أو غير ذلك، وهذه الظاهرة الخطرة التي انتشرت في بلاد العالم وغزت بلاد الإسلام تحتاج منا إلى وقفات وتأملات لبيان الحكم الشرعي فيها والاطلاع على الأسباب والعلاج. لقد دلّت النصوص الشرعية من كتاب الله وسنّة نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم أن الانتحار من أعظم الذنوب عند الله، يقول الحق سبحانه: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}. وورد في السنة، إضافة إلى الحديث الذي صدرنا به مقالتنا، ما أخرجه الشيخان عنه عليه الصّلاة والسّلام أنه قال: “الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار”. فالمنتحر مصيره إلى النار والجنة عليه حرام، ففي الصحيح من حديث جُنْدُبِ بنِ جُنادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كان برجل جراح فقتل نفسه فقال الله بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة”. ولنتساءل الآن: ترى، ما هي الأسباب التي تؤدي بالشخص إلى أن ينتحر؟ لعل أهم الأسباب تكمن في ضعف الإيمان، أو ما يعبر عنه بضعف الوازع الديني، فإن من يُقدم على قتل نفسه مع علمه بحرمة ذلك، دليل على ضعف إيمانه وعدم صبره على البلاء والضراء، فمن كمال الإيمان التحلي بالصبر وعدم الجزع والسخط بسبب ما يعانيه الإنسان من آلام مبرحة، فالشخص عندما تحيط به الهموم والقلق والضيق يقدم على الانتحار، حيث تصبح الحياة لا قيمة لها عنده، ويريد التخلص مما يعانيه، وصدق الله إذ يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}. ومن الأسباب: تراكم الديون والحقوق ومطالبة أصحابها بها، والخوف من عواقب ذلك، وفقدان الوظيفة أو عدم الحصول عليها بعد البحث والانتظار لسنوات عديدة، والبقاء عاطلا بلا عمل، وأيضا الخسائر المالية الكبيرة التي تلحق أصحابها، فتسبب صدمات عنيفة تؤدي في النهاية إلى الانتحار. وبالإضافة إلى ذلك، الأمراض النفسية المزمنة، كحالات الاكتئاب الشديدة، أو انفصام الشخصية، ومن الأسباب خاصة عند الشباب: استعمال المخدرات والمسكرات، فإنها تسبب تلف خلايا المخ، وبالتالي يصبح المدمن عرضة للانتحار في أي وقت، مع ما يرافق ذلك من مشاكل أسرية، تؤدي إلى الطلاق، وتشتت الأسر.ولعل أخطر حالات الانتحار تلك التي تحدث عند أطفال لم يبلغوا الحلم، إما بسبب تقليد الأفلام الكرتونية، أو لعدم احتواء مشاكلهم، واضطراباتهم السلوكية أو لغير ذلك، ومن الأسباب المؤدية إلى الانتحار يمكننا إلحاق قيادة السيارات بطريقة فيها تهور يؤدي إلى عدم السيطرة على السيارة كما يفعله السفهاء. وإذا كانت هذه مجمل الأسباب، فما الحلول لهذه الجريمة الخطرة؟ إن تقوية الوازع الديني لدى الناس وتذكيرهم بالله وتفويض الأمر إليه سبحانه: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُير}، ومن الحلول الاقتصاد في المعيشة والبعد عن الإسراف: {وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين}، ويضاف إلى ما سبق الرجوع إلى كتاب الله وسنّة نبيّه للتداوي بهما، فإن فيهما الشفاء كل الشفاء: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء}. ومن الحلول التي يجب الحث عليها التوعية وبيان خطورة العجلة في قيادة السيارات والالتزام بأنظمة المرور: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وأما بالنسبة للصغار فإبعادهم عن الأفلام والمسلسلات الكرتونية أو التلفزيونية التي تحتوي على العنف أو الانتحار عند الأطفال، واستبدالها بما ينفعهم في دينهم ودنياهم.. والله وليّ التوفيق. * إمام مسجد عمر بن الخطّاب - براقي - الجزائر