قال تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} التّوبة:41. لقد طلب مني كثير من أهل الفضل والإحسان، حكم دفع الزّكاة لأهل الرباط في فلسطين، بعدما ضاقت عليهم السُّبل، وانقطعت عنهم المؤن ونفذ الغذاء والدواء، وهدّمت البيوت والمساجد، وزهقت الأرواح، وتشرّد الأزواج والأبناء، وغاب المعيل... فهل من نَصير وظهير؟ نقولها إعلامًا وفخرًا أنّ الشعب الجزائري لم يتأخّر يومًا عن نصرة فلسطين بالمجاهدين، وبالسلاح وبالمال، وكنّا تحت ظلّ الاستدمار الفرنسي، وبعده، نجمع الزّكاة ونرسل بها إلى فلسطين، دينًا وعقيدة وتقرّبًا لله. وهناك بطاقات أرشفية تدلّ على هذه الاشتراكات من أبائنا وأمهاتنا لأهل فلسطين، ممّا لا يدع شكًّا أنّ هذا السلوك ليس بغريب ولا جديد عنّا ولله الحمد. وحتّى يطمئن أهل البذل والإحسان فيما يقدّمونه تقرّبًا للرّحمن من زكاة وصدقات أموالهم لأهل الشّهادة والسنان، بأرض الرّباط أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى سيّد الثقلين، أمانة رسول الله وعهد سيّدنا عمر ووصية صلاح الدّين. وإليكم هذه البشارات: البشارة الأولى: حديث السيّدة ميمونة بنت سعد رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: "أرض المَنشر والمحشر إِيتوهُ، فصَلّوا فيه، فإنّ الصّلاةَ فيه كألف صلاة". قالت: أرأيتَ مَن لم يطِقْ أن يتحمّلَ إليه فلم يأتيه؟ قال: "فليُهدِ إليهِ زَيْتًا يُسرَجَ فيه، فإنّ مَن أهدى له كانَ كمَن صلّى فيه"، ورواه أبو داود مختصرًا: قالت: (قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، فقال: "إيتوه فصَلّوا فيه. وكانت البلاد إذ ذاك حربًا، فإن لم تأتوه وتُصلّوا فيه فابْعَثوا بزيت يُسْرَج في قناديله". والبشارة الثانية: عن زيد بن خالد الجهني: أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "مَن جَهَّزَ غَازِيًا في سَبيلِ اللهِ فقَدْ غَزَا، وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا" رواه البخاري. لقد حدّد المولى تبارك وتعالى، الأصناف الثمانية المستحقة للزّكاة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التّوبة:60. ووجدنا من بين الأصناف الثمانية المستحقّة لمصرف الزّكاة سهم (وفي سبيل الله). وقد حملها أغلب المفسّرين على الجهاد في سبيل، ابتداء، وعلى أبواب البرّ والعمل الخيري بشكل عام. قال الإمام القرطبي: (قوله تعالى {وَفِي سَبِيلِ اللهِ} وهم الغزاة، وموضع الرباط، يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا أغنياء أو فقراء، وهذا قول أكثر العلماء، وهو تحصيل مذهب مالك رحمه الله). الخلاصة: يجوز دفع أموال الزّكاة إلى إخواننا في فلسطين، وبالأخص المرابطين في بيت المقدس، وأهل غزة، وهذا باعتبار وقوفهم على الثغور المباشرة على من يتعدّون عليهم من أحفاد القردة والخنازير. ويستحب دفع هذه الأموال عن طريق المؤسسات الموثوقة، والمرخّصة من الجهات الرسمية، ومن ذلك على سبيل المثال: جمعية 'البركة' الجزائرية برئاسة الشّيخ أحمد الإبراهيمي. وجمعية 'الأيادي البيضاء' برئاسة الأستاذ بوزيد شناف. و'جمعية العلماء المسلمين الجزائريين' برئاسة الشّيخ البروفيسور عبد الرزاق قسوم. وجمعية 'الإرشاد والإصلاح' برئاسة الأستاذ نصر الدين حزام. أو بأيّ طريقة يراها المنفق أيسر له وأوثق، المهم أن تصل الأمانة إلى أهلها. ويجوز دفع جميع أموال الزّكاة لصنف واحد عند جمهور العلماء، كما يجوز الاقتصاد على الثمن منها، باعتبار أنّ كلّ صنف يمثّل واحد من ثمانية 01/08. وأخيرًا، نسأل الله عزّ وجلّ القبول والتّوفيق لإخواننا في فلسطين، وأن يؤجر المنفق والسّاعي لذلك. *أستاذ الشريعة والقانون جامعة وهران