فقدت الجامعة الجزائرية أحد أكثر المنتسبين إليها عطاء وإنتاجا في مجال التراث اللامادي الجزائري والوهراني على وجه الخصوص. فقد رحل البروفيسور حاج ملياني، ليلة الخميس إلى الجمعة، في مستشفى حي النجمة عن عمر ناهز 70 سنة، بعد عجز جسده عن مقاومة فيروس "كوفيد 19" الذي أصابه. حيث أقام في هذا المستشفى أسبوعا واحدا، ليباغته المنون ليلا. وهو الذي كان يعالج من بعض الأمراض المزمنة. وكان المرحوم من أكثر الناس التزاما بتدابير الوقاية من هذا الوباء، فلم يكن تنزع "الكمامة" ويعتذر عن المصافحة باليد، وينصح الناس بالالتزام بما يلتزم به، إلى أن الفيروس اللعين وجد طريقه إلى رئتيه اللتين توقفتا عن استنشاق الهواء ليلة أمس الأول. وأحدث رحيل البروفيسور حاج ملياني فجيعة بين أصدقائه وزملائه الجامعيين، الذين قلت لقاءاتهم به بعد منع مسيرات الحراك الشعبي التي لم يكن يفوت أية جمعة وثلاثاء منذ انطلاقه في 22 فيفري 2019 ولم يكن المرحوم مناضلا في الساعات الأخيرة، حيث بدأ العمل الميداني في سبعينيات القرن الماضي، بتنشيط الساحة الثقافية في وهران، من خلال إشرافه على المنتدى السينمائي "سيني بوب"، وكان أيضا من أوائل المبادرين لإصدار المجلة الأدبية "أصوات متنوعة" التي كانت تهتم بالشعر. وكان فاعلا أساسيا في كل المبادرات الفكرية والثقافية التي انبثقت في مدينته وهران. وفي الجامعة التي التحق بها طالبا في نهاية السبعينيات، كان من المؤسسين الأوائل لنقابة "المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي" (كناس) ثم انسحب منها عندما تحولت إلى مجرد تنظيم "مهني" يجري وراء الراتب والسكن. ولد المرحوم حاج ملياني، في شهر مارس 1951 في حي سيدي الهواري العتيق بمدينة وهران، تابع دراسته كاملة في مدينته، من الابتدائي إلى الجامعي، إلى أن نال شهادة الدكتوراه في الأدب من جامعة باريس 13 في فرنسا سنة 1997. ويعتبر الراحل "مرجعا" في مجالات الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية، فبالإضافة إلى إسهاماته، سواء الكتب التي أصدرها أو المقالات التي ساهم بها في المجلات العلمية المتخصصة في الأدب، فإنه ساهم أيضا كفاعل في العديد من المنتديات الهيئات المتخصصة وكذا المجالس العلمية في الجامعات الجزائرية والأجنبية. وامتدت أعماله إلى التراث اللامادي الجزائري، فكان أول من أصدر مرجعا عليما يعني بأغنية "الراي" سنة 2006 بالتعاون مع الباحث الجزائري المغترب بوزيان داودي تحت عنوان "مغامرة أغنية الراي" والذي يعتبر المرجع الأول في هذا المجال. واهتم حاج ملياني أيضا بحبه الفني الأول لسينما، بكتاباته وأعماله النقدية، وقد تم تعيينه محافظا لمهرجان وهران لفيلم العربي في إحدى دوراته في وهران. وصب اهتمامه في السنوات الأخيرة على الأدب الجزائري المكتوب باللغة العربية. وكان يحضر عملا أكاديميا في هذا المجال. واهتم أيضا بالمسرح، الأنثروبولجيا الثقافية، التراث الشعبي وغيرها من المجالات التي ترك آثارا مكتوبة بخصوصها.