تحل، اليوم، الذكرى الثلاثون لإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثالث ماي يوما عالميا لحرية الصحافة. ويذكر التاريخ أن الإعلان كان وراءه ستون صحفيا من إفريقيا وتم تبنيه في ويندهوك بناميبيا في 3 ماي 1991، ودعا إلى استحداث هذا اليوم الذي شهد حينها ميلاد التعددية الإعلامية في الجزائر. يأتي اليوم العالمي لحرية الصحافة في الجزائر بعد أيام من مصادقة غرفتي البرلمان على نص القانون العضوي المتعلق بالإعلام في نسخته الجديدة لسنة 2023، تطابقا مع أحكام دستور أول نوفمبر 2020، وبعد تمرير القانون العضوي تحسبا لمناقشة والتصويت على القوانين المتفرعة المتعلقة بالنشاط السمعي البصري والصحافة الورقية والإلكترونية. وفي هذا الجانب، تبرز أهمية ما تضمنه المشروع إجمالا من تدابير تماشيا مع مضمون وروح الدستور الجديد، لاسيما ما تعلق منه بدور الهيئات الجديدة المخولة بتنظيم القطاع والتي يفترض أن تتشكل من المهنيين وأن تضطلع بدور الرقابة والتنظيم والحرص على المهنية وفقا لمبدأ الحرية والمسؤولية. تحل ثلاثينية اليوم العالمي لحرية التعبير أيضا مع تطورات ومتغيرات جيوسياسية دولية وإقليمية جعلت الحكومة تطرح حزمة من النصوص التشريعية المتعلقة بمهن الصحافة دون اعتراض أو تعطيل ونجحت في إقناع التنظيمات المهنية الممثلة بالنقابات الصحفية والنواب على المصادقة عليها رغم ما رافقها من تباين في وجهات النظر مع نواب في المعارضة. وصنع القانون ذاته الجدل في الغرفة العليا للبرلمان، حيث سارع مجلس الأمة إلى إسقاط تعديل المادة 22 منه، اقترحها نواب المجلس الشعبي الوطني، تفرض على وزارة الاتصال الرد على طلبات اعتماد مراسلي الصحف الأجنبية بالجزائر في أجل لا يتجاوز 30 يوما من تاريخ إيداع الطلب، ليصل الأمر إلى طرح المسألة على التبادل النيابي في اللجنة متساوية الأعضاء للفصل في مصير المادة . في مثل هذه المناسبات ترفض الجزائر رفضا مطلقا التصنيفات الصادرة عن المنظمات غير الحكومية الدولية بخصوص ظروف الممارسة الصحفية وحرية التعبير والصحافة، داعية إلى القيام بواجب التصدي إلى التهجمات الخارجية على مؤسسات الدولة ورموزها بنية التشويه وزرع الشك في سياسات الحكومة. وبالحديث عن المهنية والاحترافية، فإن أغلب الوسائط والعناوين العاملة في المشهد الإعلامي تظل بحاجة إلى ضبط، لاسيما في الشق المتصل بوسائل الإعلام الإلكترونية والمنصات الرقمية التي أضحت بديلا غير آمن ويعول عليها. وفي هذا السياق أثبتت التجارب والممارسة أن البديل الإلكتروني وحتى السمعي البصري لا يخلو من الأخبار الكاذبة والمضللة التي أضحت تشكل خطرا على السلم الاجتماعي والأمن القومي بسبب وقوعها بين أيدي دخلاء على المهنة لا يميزون بين الغث والسمين ولا يخضعون للرقابة الذاتية والتمحيص الآني للأخبار، بل صارت وسائل إعلام حديثة تطرح نفسها كبيدل تسارع إلى ترويج أخبار دون تحديد مصدرها وآثارها والجهات الصانعة لها والمستفيدة منها. ومع اقتراب عرض ومناقشة مشروع قانون الصحافة المكتوبة والإلكترونية، ومشروع القانون الجديد للسمعي البصري، تبقى الآمال معقودة على تأسيس سياسة إعلامية وطنية شاملة لترقية الخدمة الإعلامية داخليا وخارجيا وتكييفها مع الرهانات الجديدة. فقد تضمن مشروع القانون إنشاء هيئات بتسميات جديدة لها علاقة بتنظيم قطاع الإعلام وهي سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية وكذلك السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري وإنشاء مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي، وهي الهيئة التي لم تتشكل رغم أن المشرع الجزائري في المادة 40 من القانون العضوي 12-05 المتعلق بالإعلام نص على إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة كسلطة ضبط في قطاع الإعلام، كما نص في نفس المادة على تمتع سلطة الضبط بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي لكنها لم تتشكل رغم مرور 10 سنوات على تشريعها وآن الأوان لاستحداثها . وتتعلق مهام سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، حسب التشريع الجديد، أساسا بضمان التعددية الإعلامية ومنع التأثير المالي والسياسي أو الإيديولوجي لنفس المالك والسهر على ولوج المواطن إلى المعلومة عبر كامل التراب الوطني وعلى جودة الرسائل الإعلامية، وهو مطلب المهنيين بكل توجهاتهم. وبعد التصويت على القانون العضوي المتعلق بالإعلام، يرى متابعون أنه من الضروري استكمال المسار التشريعي بالجانب التنفيذي المتمثل في وضع ميثاق شرف أخلاقيات المهنة والتوافق على أعضاء سلطات الضبط ومجلس آداب وأخلاقيات المهنة حتى تكون مشاريع القوانين متكاملة لتفادى الأخطاء التي وقعت فيها التشريعات السابقة التي عطلت عمل المجلس الأعلى للإعلام في 1993 وكذا استعادة دور صندوق دعم الصحافة، خاصة أن السلطة الوصية لم تلتزم بإصدار قوانين الإشهار وسبر الآراء، في ظل مخاوف من استمرار المشرع في تجاهل إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والمجلس الأعلى للآداب وأخلاقيات المهنة مثلما حدث مع القانون 05/12 .