تتمسك الجزائر، منذ الانقلاب على الرئيس محمد بازوم الشهر الماضي، بموقفها الرافض للتدخل الخارجي في النيجر بالموازاة مع انتقادها العملية الانقلابية تماشيا مع موقفها المبدئي المناهض للانقلابات العسكرية في القارة الإفريقية. منذ السادس والعشرين من جويلية الماضي، تاريخ الإطاحة بمحمد بازوم من طرف ضباط المجلس العسكري الذي أمسك بالسلطة في نيامي، أصدرت الجزائر 4 تحذيرات من عواقب أي تدخل عسكري خارجي، سواء الذي لوحت به فرنسا لحظة شروع عسكر نيامي في تنفيذ الانقلاب أو ما تلاه من خيارات غير دبلوماسية أعلنتها ورتبت لها طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إكواس". في أحدث موقف من أي عملية عسكرية إقليمية ضد القادة الجدد في النيجر، اعتبرت الجزائر أن أي تدخل "عنف سيدخل المنطقة في عنف لا يمكن التنبؤ بعواقبه الوخيمة". وفيما وضعت مجموعة "إكواس" خطة وضبطت تاريخا للاجتياح العسكري المحتمل لأرض النيجر، قالت الجزائر إنها على قناعة بأن "الحل التفاوضي السياسي لا يزال ممكنا لاستعادة النظام الدستوري والديمقراطي في النيجر". وقبيل تعرض نيامي لأي هجوم من طرف القوات المتأهبة التابعة لغرب إفريقيا، سارعت الجزائر إلى الاعتراض على هذه الخطوة، حيث قال بيان الخارجية "إن الجزائر تأسف بشدة لإعطاء الأسبقية للجوء إلى العنف عوض مسار الحل السياسي والتفاوضي الذي يسمح باستعادة النظام الدستوري والديمقراطي بشكل سلمي في هذا البلد الشقيق والجار" . ومنذ اللحظات الأولى لعزل الرئيس بازوم تبذل الجزائر جهودا كبيرة لتغليب الحل السلمي تفاديا لتداعيات وخيمة على أمن المنطقة، فقد جددت التذكير في آخر بيان للجهاز الدبلوماسي بأنها "تظل فعليا على قناعة قوية بأن هذا الحل السياسي التفاوضي لا يزال ممكنا وبأن السبل التي يمكن أن تؤدي إليه لم تُسلك كلها بعد وبأن كل فرصه لم تُسْتَنْفَد بعد". واستدلت الخارجية الجزائرية على رفضها التدخل العسكري ب"تاريخ المنطقة الذي يشهد بصفة قطعية أن التدخلات العسكرية قد جلبت المزيد من المشاكل بدلا من الحلول وأنها شكلت عوامل إضافية لتغذية الصدامات والانقسامات عوض نشر الأمن والاستقرار". وقالت إن دعوتها تأتي "قبل أن يتم ارتكاب ما يتعذر إصلاحه وقبل دخول المنطقة في دوامة عنف لا يمكن التنبؤ بعواقبها الوخيمة". يأتي هذا الموقف المتجدد بعدما أعرب رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مطلع الشهر الجاري، تزامنا مع نهاية المهلة التي حددتها "إكواس" لقادة الانقلاب في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه، عن "رفضه التام والقطعي للتدخل العسكري" في هذا البلد. وأوضح رئيس الجمهورية، خلال لقائه الدوري مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية يوم 5 أوت الماضي، أن "الجزائر مع العودة إلى الشرعية الدستورية في النيجر وهي على استعداد لمساعدة النيجريين بما استطاعت إذا ما طلبوا ذلك من أجل لمّ شملهم".
تحذير من التجربة الليبية في النيجر القيادة العليا في البلاد لم تتردد منذ تنفيذ العملية الانقلابية في التحذير من أن أي تدخل عسكري لا ينجر عنه إلا المشاكل، فالرئيس تبون استدل في أول تصريح له عقب الانقلاب بما جرى في ليبيا وسوريا، مشيرا إلى أن "المشاكل مطروحة والأمور متشعبة". وبعد أن شدد على أن "التدخل العسكري لا يحل أي مشكل وأن الأمور لا تحل إلا بالمنطق"، حذر من أي عمل يؤدي إلى "إشعال الساحل بأكمله". ورغم تأكيد "استعداد الجيش الوطني الشعبي لأي طارئ بالحدود الجنوبية ووقوفه بالمرصاد لكل من يقترب بالتراب الوطني"، كما جاء على لسان الرئيس تبون، إلا أن تحذيرات الجزائر لا تزال استباقية من أن تنزلق النيجر إلى العنف، وهو ما عبرت عنه جميع بيانات الخارجية، إذ ستتحول منطقة الساحل إلى بؤرة توتر وساحة قتال إقليمي غير محسوب العواقب، خاصة في ظل توسع الدعم الشعبي والإقليمي للانقلابيين في النيجر. وقبيل إشعال المنطقة من طرف قوات "إكواس" التي تتهمها نخب وشعوب إفريقية بأنها "أداة في يد باريس"، لاتزال الجزائر تدعو لتضافر الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حل للأزمة في النيجر. فقبيل اجتماع قادة أركان جيوش المنظمة الإقليمية الخميس الماضي كان رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنڤريحة، في المؤتمر ال11 للأمن الدولي بالعاصمة الروسية موسكو، قد حذر هو الآخر من "من أن أي تدخل أجنبي في النيجر سيفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة". ورافع شنڤريحة من أجل "العودة إلى المنطق الدستوري الوطني في أقرب الآجال بعيدا عن التدخلات الأجنبية التي ستفرز المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة". ودعا قائد الأركان بذات المناسبة المجتمع الدولي إلى "دعم الدول الإفريقية ومساعدتها لتطوير حلول ذاتية وشاملة للتكفل السيادي بمشاكلها بعيدا عن التدخلات الأجنبية ومحاولة صناعة عدم الاستقرار"، مبرزا أن الجزائر "تسعى للمساهمة في حل النزاعات بالطرق السلمية وفق مقاربة واقعية واستشرافية تقوم على ثلاثية الأمن والسلم والتنمية". ولدى زيارته إلى واشنطن الأسبوع الماضي، تحاور وزير الخارجية أحمد عطاف مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن حول الأوضاع في من النيجر "حيث أكدا على توافق مواقف البلدين ومساعيهما الرامية إلى تفضيل حلول سلمية لهذه الأزمات بما يجنب المنطقة مخاطر الخيار العسكري". في حوار نشرته "واشنطن بوست"، برر عطاف الموقف الجزائري بالقول: "لا يوجد أي مثال على أن التدخل العسكري في مثل هذه الحالات نجح، على العكس من ذلك، لدينا في جوارنا مثال ليبيا الذي أثبت أن التدخل كان كارثيا على المنطقة بأسرها ونحن ندفع الثمن. أولئك الذين نفذوا التدخل الأجنبي غادروا وتركونا مع هذه المأساة، وهذه الأزمة بين أيدينا". ويجزم عطاف في جميع تصريحاته بفشل استعمال القوة مبرزا بأن "دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا نفسها غير واثقة من أن التدخل العسكري لديه فرصة معقولة للنجاح..". ويرتكز الموقف الجزائري على محاذير أمنية وإنسانية وخيمة ستغرق منطقة الساحل الإفريقي فيها، حيث خاطب مجموعة "إكواس" بالقول: "يمكنك أن تبدأ تدخلا عسكريا، لكنك لا تعرف أبدا كيف سينتهي".