تتوسع دائرة الرفض لأي تدخل عسكري في النيجر بنفس وتيرة الشعور المناهض لفرنسا ولمجموعة غرب إفريقيا، فلغة التهديد والحشد العسكري، التي لوحت بها منظمة "إكواس" بدعم فرنسي، تواجه ممانعة كبيرة من نخب وشعوب المنطقة، ولم تعد تقتصر على أنصار المجلس العسكري الانقلابي في نيامي، بل وصلت أول أمس إلى عقر دار الرئيس النيجيري الذي تترأس بلاده منظمة "إكواس" وتمثل قوتها العسكرية الضاربة. موجة الرفض للحسم العسكري في النيجر لم تقتصر على العواصم المنفلتة من فرنسا (باماكو، واغادوغو ونيامي) بل امتدت إلى الجارة الجنوبية واستقرت بإحدى كبرى المدن النيجيرية، فقد شهدت محافظة كانو مظاهرة مناهضة للتدخل العسكري المحتمل ضد قادة العملية الانقلابية التي أطاحت بالرئيس محمد بازوم الشهر الماضي، وهي التهديدات التي تلوح بها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إكواس"، وتتهمها الجماهير المتظاهرة بأنها "أداة في يد فرنسا الاستعمارية". وفي تناغم مع موقف مجلس الشيوخ النيجيري الذي عبر عن رفضه لطلب تقدم به الرئيس بولا أحمد تينوبو للموافقة على نشر قوات نيجيرية في جمهورية النيجر، ساندت الجماهير في ولاية كانو هذا الموقف، وغزت الشوارع رفضا للخيار العسكري، وشهدت المدينة التي تعتبر القلب الاقتصادي لنيجيريا والثقافي لغرب إفريقيا تجمعا لمئات المتظاهرين، رافعين علم النيجر للتعبير عن تضامنهم مع أشقائهم، ورفضهم القاطع للخيار الذي تستعد "إكواس" لتنفيذه. واللافت في الحركة الجماهيرية في نيجيريا تجانسها مع نظيرتها في النيجر من حيث بعض الشعارات، فقد ردد المتظاهرون في كانو هتافات ضد "الغرب" وضد دول "إكواس"، ودعوا القوى الخارجية إلى "احترام سيادة النيجر وتجنيبه مآسي الحرب"، كما لم تخل هذه الحركة، حسب وسائل إعلام محلية، من شعارات تنادي ب "العدالة لأبناء القارة"، وهي أصوات تتناغم مع موقف الجزائر التي كانت سباقة لرفض التدخل العسكري والتحذير من عواقبه الوخيمة على المنطقة، وأضحى من ثم محل إجماع لدى شعوب القارة السمراء. تتوجه "إكواس" إلى الحل العسكري متجاهلة كل الدعوات لتغليب الخيار التفاوضي والدبلوماسي مع قادة المجلس العسكري المنقلب على الرئيس محمد بازوم، فبعدما قررت المجموعة وضع قوات احتياط في حالة تأهب عقب اجتماعها يوم الخميس الماضي، تعزز خيار اللجوء إلى القوة مرة أخرى بعدما أعلنت عن "إعداد خطط لتدخل عسكري" سيتم ضبطها خلال الاجتماع الجديد لقادة جيوش غرب القارة الأسبوع المقبل. وتزايدت المخاوف من دخول المنطقة نحو المجهول بعدما قال متحدث باسم "إكواس" إن قادة جيوش غرب إفريقيا سيجتمعون الأسبوع المقبل لإعداد خطط لتدخل عسكري وشيك، وهو التدخل الذي سيحظى بدعم فرنسي محتمل حسبما أكدته وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا قبل يومين. وفي شأن متصل، حل بالعاصمة النيجري نيامي وفد من شيوخ وعلماء من نيجيريا، التقوا برئيس المجلس العسكري الجنرال عبد الرحمن تياني. وبعد أن رفض المجلس العسكري استقبال وفد من "إكواس" في وقت سابق، طلب قائد الانقلاب الجنرال تياني، حسبما نقلته وسائل إعلام محلية، من الزعماء الدينيين السعي لرفع عقوبات مجموعة دول غرب إفريقيا على النيجر، والتي يعتبرها القادة الجدد في نيامي غير إنسانية، ومنها قطع التيار الكهربائي بقرار من الرئيس النيجيري تينوبو. وبحسب ما ذكرته وكالة الأنباء النيجيرية، فإن وفد الوساطة كان قد اجتمع مع رئيس مجموعة "إكواس" بولا تينوبو في العاصمة أبوجا، قبيل انتقاله إلى نيامي للقاء القادة الجدد، ومنهم رئيس الوزراء علي الأمين الزيني في إطار التوسط بين الجانبين.