اعتبر يوكي جون، سفير جمهورية كوريا بالجزائر، في لقاء مع الصحافة، حضره مسؤولو الوكالات الحكومية، أن الجزائر تعدّ أهم شريك إستراتيجي لسيول في إفريقيا، وأن الجانب الكوري على استعداد تام لتقاسم روابط النمو المتبادل والرخاء مع أمة دينامية، مشيرا إلى أن الترابط البيني يحفز نموا مشتركا ورخاء مبنيا على قاعدة رابح-رابح. اللقاء الذي نظم بفندق الأوراسي حضره مسؤولو الوكالات الحكومية، على غرار مسؤول الوكالة الكورية للتعاون الدولي "كويكا" الجزائر "جانغ بونغي"، ومسؤول الوكالة الكورية لترقية التجارة والاستثمار "كوترا" "بارك مينجوم"، فضلا عن المدير العام للمعهد الكوري للصناعة والتكنولوجية البيئية "كيونغ سي"، كان فرصة لإبراز الرؤية الكورية للشراكة الجزائرية الكورية الجنوبية، وسبل تفعيلها ودعمها، لاسيما أن جمهورية كوريا تعتبر الجزائر الشريك الرئيسي لها في القارة السمراء. وأكد السفير الكوري في مداخلة له "منذ نحو ثلاثة عقود، استطاعت كوريا والجزائر إرساء وتطوير علاقات ترتكز على الاحترام المتبادل وعلى الصداقة، وقد سمحت الزيارات المتبادلة لقيادات البلدين خلال العشريتين الماضيتين، في المساهمة في دعم شراكتنا الإستراتيجية، وروابط تشمل التجارة والمنشآت القاعدية، لاسيما تلك المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، والمبادلات الثقافية التي تجعل العلاقات تتجاوز بعد المبادلات الاقتصادية، إلى جانب المؤسسات التي تقيم شراكات متعدّدة الأوجه والأشكال. وتمت الإشارة إلى البعد التجاري، حيث يقدّر حجم المبادلات التجارية البينية بنحو 3.6 مليار دولار، منها 3.1 مليار دولار صادرات جزائرية إلى جمهورية كوريا، مع تسجيل فائض في الميزان التجاري لصالح الجزائر، مع الملاحظة أن الجزء الأكبر من الصادرات الجزائرية هي عبارة عن محروقات، لاسيما النفط. ونبّه الدبلوماسي الكوري إلى أنه منذ "إقامة الشراكة الإستراتيجية في 2006، شهدنا نموا معتبرا في سياق دينامية المبادلات، وأشكال عدة للتعاون للمؤسسات الكورية التي تساهم بنشاط وفعالية في قطاعات عدة في الجزائر، ما يبرز الالتزام المشترك لتحقيق النمو والتنمية، كما يتم تقاسم الخبرة والتجربة الكورية مع النظراء الجزائريين، علما أنه يتم إحصاء نحو 30 شركة كورية في الجزائر.
في نفس السياق، شدّد يوكي جون، سفير جمهورية كوريا بالجزائر، على تبني منظور الجزائر الجديدة، معتبرا بأن قدرات توسيع الشراكة والتعاون البيني يظل كبيرا ومعتبرا، لاسيما في قطاعات ومجالات مفتاحية، على غرار التجارة وتطوير نظام التخليص الجمركي الإلكتروني والأمن الغذائي، علما أن الجزائر وكوريا اعتمدتا اتفاقيات بمعية الوكالة الكورية للتعاون الدولي والجمارك الجزائرية لتجسيد مشروع الشباك الوحيد للجمارك، والذي يعدّ مشروعا يندرج ضمن مسار "التحول الرقمي" للنظام الجمركي الجزائري، القائم على النظام المعلوماتي الجديد للجمارك الجزائرية، والذي يسمح بالتخفيف ونزع الصبغة المادية عن الإجراءات الجمركية المطلوبة على مستوى الحدود وضمان الشفافية، واعتماد نظام التخليص الجمركي الإلكتروني، والذي يتوقع أن يكون عمليا في 2024. من جانب آخر، ذكّر السفير الكوري ببعض مشاريع الشراكة القائمة، على غرار تلك المتعلقة بمشروع "تربية المائيات"، حيث يعتمد الجانبان مشاريع شراكة في مجال تربية سمك الجمبري بالمياه العذبة بولاية ورڤلة، ولكن أيضا بمياه البحر بولاية سكيكدة، بالإضافة إلى إنشاء وحدة لصناعة أعلاف تربية المائيات بولاية ورڤلة.
"كويكا" وقصة نجاح
نبّه جانغ بونغي، مسؤول مكتب الجزائر للوكالة الكورية للتعاون الدولي "كويكا"، إلى أنه "في تاريخ الاقتصاد العالمي؛ فإن كوريا هي تقريبا البلد الوحيد الذي كان في مصف الدول النامية، ونجح في أن يرتقي إلى مصاف الدول المتطورة؛ رغم أن البلد يفتقر إلى الموارد وواجه صعوبات كثيرة؛ ومنذ الانضمام إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في 1996، فإن كوريا معترف بها كعضو من البلدان المتقدمة النمو، وأصبحت عضوا في لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية". وتعدّ الوكالة الكورية للتعاون الدولي "كويكا" وكالة حكومية، أنشئت عام 1991 بهدف تنفيذ وتقديم المنح والمساعدات التي تقدمها كوريا على الصعيد الدولي، وأوضح جانغ بونغي أنه منذ الزيارة عالية المستوى التي تمت في 2006 إلى الجزائر، باشرت الوكالة في إطلاق عدّة مشاريع لتحويل التكنولوجيا لإنتاج بذور البطاطا، وتربية سمك الجمبري، فضلا عن المشروع المدير للمدينة الجديدة للتكنولوجيات العلمية، ومؤخرا مشروع الشباك الوحيد للجمارك للتحول الرقمي. كما اقترحت الوكالة برامج بورصات "ماستر" في كوريا، وبرامج متخصصة دورية سنوية لفائدة 40 إلى 70 جزائريا في مختلف المجالات، وقد تم إحصاء نحو 1000 عون وموظف جزائري استفاد من دورات تكوين بكوريا، وأبرز المتدخل أهمية مشروع إنتاج بذور البطاطا، حيث أقامت الوكالة معهد بحث في تيارت، وتم استقدام خبراء كوريين إلى الجزائر، مع توفير دورات تكوين لتحويل التكنولوجيا، وتكلل المشروع بالنجاح، حيث عرفت واردات الجزائر انخفاضا بمعدل 40 إلى 50 مليون دولار سنويا، علما أن واردات الجزائر كانت تقدّر بنحو 100 مليون دولار، فيما أعلنت الجزائر بلوغها الاكتفاء الذاتي في 2020. وتعمل "كويكا" منذ 2018 مع الجمارك الجزائرية للمرحلة الأولى من رقمنة الجمارك "يونيباس"، وشرع في 2023 في المرحلة الثانية "الشباك الوحيد".
معهد "كيتي"
بالمقابل، تعكف "كيتي" أو المعهد الكوري للصناعة والتكنولوجيات البيئية، التي تعدّ مؤسسة شبه حكومية أنشئت في 2009 تحت وصاية وزارة البيئة الكورية، على اعتماد برامج تعاون وشراكة. فمثلا، فإن مركز التعاون للصناعة البيئية كوريا الجزائر الذي تديره "كيتي" منذ 2014 تقوم بتنظيم تظاهرات حكومية مشتركة، وتطوير مشاريع تعاون وشراكة، ودعم إقامة مؤسسات كورية متخصصة في المجال البيئي في الجزائر، بينما تتعاون وزارة البيئة الكورية مع الحكومة الجزائرية عبر مذكرة تفاهم في مجال التزوّد بالمياه الصالحة للشرب والتطهير ومعالجة النفايات، فضلا عن الطاقات المتجدّدة. وتطور "كيتي" مشاريع تعاون مع الوكالة الوطنية للنفايات، مع مشروع جديد لتقليص نسبة انبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، من خلال احتجاز واحتراق غاز الميثان المنبعث من مراكز ردم النفايات للعمل على مواجهة التغيرات المناخية.
برامج "كوترا" للتعاون
من جانبه، استعرض مدير "كوترا" أو الوكالة الكورية للتجارة وترقية الاستثمار، "بارك مينجون"، وهي منظمة حكومية تأسست في 1962، ولديها مكتب بالجزائر، المساعي الرامية إلى ترقية المبادلات التجارية ودعم الاستثمارات، حيث تقوم "كوترا" بدعم تطوير الصناعة والإنتاج الوطني في الجزائر، لاسيما من خلال خدمة "جيساوحة" الذي يتيح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الكورية بتوسيع حضورها بالسوق الجزائري، خاصة مع توفير قطع الغيار والتجهيزات وصناعة الأدوية والمضافات الكيميائية، كما لا تقتصر مؤسسات كورية بالبعد التجاري، من خلال التحضير لشراكات قدّرت قيمتها هذه السنة بنحو 25 مليون دولار. وتعتمد "كوترا" مقاربة فاعلة لدعم التصنيع في الجزائر، من خلال برنامج "شراكة التصنيع الجزائر الكورية"، لتحديد المؤسسات الجزائرية التي ترغب في التزوّد بالمواد وقطع الغيار والتجهيزات الكورية، وإقامة علاقات مع المنتجين الكوريين المناسبين، ويتم العمل على تنظيم لقاءات أعمال بالتنسيق مع الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية والغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة. في نفس السياق، فإن البرنامج الكوري الدولي للزراعة "كوبيا" بمعية أكاديمية العلوم الفلاحية الكورية، تعمل على إيفاد خبراء في التكنولوجيات الفلاحية، وأقامت "كوبيا" مركزا بالجزائر منذ 2010 الذي قام باعتماد 10 مشاريع بقيمة فاقت 3 مليون دولار، مساهمة في تنمية المناطق الريفية والزراعة في الجزائر. وتعتمد "كوبيا" برامج ومشاريع، على غرار مشروع 018-2021 لتطوير وتحويل التكنولوجيا في زراعة الفراولة، وإدخال عدّة أصناف، ومشروع تطوير أصناف الشعير المناسبة للأرض الجزائرية، فضلا عن زراعة البطاطا الحلوة في الصحراء. وفي 2023، تعكف "كوبيا" على تطوير تكنولوجيات تدخل في تحسين إنتاجية أصناف القمح.