لم تحظ لحد الساعة الأرقام التي تقدمها مصالح الدرك والشرطة حول المخدرات والمهلوسات، بأي قراءة نفسية أو اجتماعية، إلا أنه في المقابل ما يميّزها هو تجاوزها بنسبة كبيرة للحد الذي كانت تعدّه المصالح الأمنية قبل سنوات، والتي كانت تتويجا للخطط الأمنية والوقائية بفضل الترصّد لكل أشكال الإجرام وتفعيل المصالح المستحدثة، على رأسها فرقة البحث والتحري. فسنة 2023 سجلت تزايدا رهيبا في كمية المحجوزات رغم الحرب التي تخوضها السلطات ضد بارونات المهلوسات والمخدرات ومراهنة الجمعيات المدنية والمختصون على الحملات التحسيسية لكبح جماح المدّ الذي يشهده الإدمان على"التاكسي" و"الصاروخ" و"الحمراء" وغيرها. من أبرز القضايا التي رسمت مشهد الجريمة لهذه السنة وتصدّرت عناوين الصحف اليومية ومختلف وسائل الإعلام، تلك المتعلقة بعملية إحباط إحدى أكبر محاولات إغراق الجزائر بالحبوب المهلوسة تعدّت كميتها المليون و600 ألف كبسولة من المؤثرات العقلية قادمة من بلد مجاور. وهي العملية التي كانت أيدي الإجرام تحضّر لها والجزائريون يستعدّون لحلول شهر رمضان الفضيل، عبر خطة ممنهجة كانت ستشمل ولايات عنابةووهران وورقلة والجزائر العاصمة، تصدّت لها المصلحة المركزية لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات لدى المديرية العامة للأمن الوطني. ويعدّ العقل المدبّر لهذا المخطط الإجرامي حسب روبورتاج للمديرية العامة للأمن الوطني، واحدا من أخطر بارونات المتاجرة بالمخدرات والمؤثرات العقلية، يدعى "ش. شعيب" والمكنى ب "زقابوج" أو "الحاج"، الهارب بفرنسا والصادرة في حقه 5 مذكرات توقيف دولية. وحسب نفس المصدر، تضمنت خطة محاولة إغراق البلاد بالسموم، عدة مراحل لاقتناء ونقل وإخفاء والترويج لهذه البضاعة السامة، بدأت ب "إرسال صهريج زفت تجرّه شاحنة إلى ولاية تمنراست، أين يتولى شخص آخر يدعى "سعيد" مهمة شحن الصهريج بالمؤثرات العقلية"، في حين ''تم اختيار شخص آخر معتاد على الإجرام، لنقل الصهريج إلى العاصمة يدعى "س. محمد". لكن كانت نهاية هذه العملية بموقف السيارات لمطار هواري بومدين، أين التقى أفراد العصابة على الساعة الثانية صباحا لاستلام مستحقاتهم المالية، ليتم توقيف الجناة الذين كانوا محل رصد ومتابعة. وفي ذات التوقيت بأولاد شبل، تم اقتحام المستودع الذي أخفي داخله الصهريج، ليتم اكتشاف كمية مهولة من المؤثرات العقلية أجنبية المنشأ والمعروفة ب "الصاروخ". وسبقت هذه العملية بأيام قليلة أخرى مشابهة، تمثلت في إطاحة فرقة مكافحة الاتجار غير الشرعي بالمخدرات والمؤثرات العقلية بمقاطعة الشرطة القضائية الأولى لأمن العاصمة، بشبكة دولية لتهريب المهلوسات وتبييض الأموال وحجز أكثر من 28 ألف قرص من المهلوسات بميناء الجزائر. وتستوقفنا خلال هذه السنة أيضا، عمليات أخرى ضخمة أحبطتها الجهات الأمنية، لا سيما مفارز مشتركة للجيش الوطني الشعبي التي أفشلت، بالتنسيق مع مختلف مصالح الأمن، محاولة إدخال 13 قنطارا و32 كيلوغراما من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب، فيما تم ضبط 348758 قرص مهلوس، مع توقيف 70 تاجر مخدرات خلال الفترة الممتدة من 29 نوفمبر إلى 5 ديسمبر 2023، حسب حصيلة عملياتية لوزارة الدفاع الوطني. وبالوادي، وبالضبط في شهر سبتمبر، وضعت الكتيبة الإقليمية للدرك الوطني بالرقيبة، حدا لمحاولة تمرير شحنة معتبرة من المواد المهلوسة تقدّر ب 52800 قرص مهلوس مموّهة ومخبأة بإحكام داخل المركبة على مستوى الطريق الوطني رقم 48 الرابط بين ولايتي الوادي والمغير. أما في قسنطينة، فضبطت الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية سيدي مبروك التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بأمن الولاية، 59 ألف و970 كبسولة من المؤثرات العقلية وتوقيف ثلاثة أشخاص مشتبه فيهم خلال شهر أفريل2023.
بارونات مخدرات سقطوا خلال سنة 2023
وخلال سنة 2023، برز اسمي كل من المدعو "ش. شعيب"، المكنى الحاج زقابوج، ومحمد جحا المدعو "ميمو" ضمن قائمة أخطر بارونات المخدرات الذين دوّخوا المصالح الأمنية لسنوات طويلة. فالحاج "زقابوج" الهارب بفرنسا، هو نفسه العقل المدبّر لمحاولة إغراق الجزائر بمليون و200 ألف كبسولة من المؤثرات العقلية عشية شهر رمضان الماضي، والذي صدرت في حقه خمس مذكرات توقيف دولية. هذا الأخير سقط بعد عمل استعلاماتي عالي المستوى للمصلحة المركزية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، دام أكثر من ثلاثة أشهر، وذلك بعد إحباط واحدة من أكبر عمليات تهريب المخدرات الصلبة تقدّر ب 79 كلغ و400غ من مادة الكوكايين، مع توقيف 16 شخصا مشتبه فيهم، ينحدرون من الجزائر العاصمة والبليدة. كما أسفرت عمليات تفتيش منازل المشتبه بهم، عن ضبط كمية أخرى من مادة الكوكايين يقدّر وزنها ب 5 كلغ و680غ ومبلغ مالي قدّرب 2 مليار و176 مليون سنتيم ببلدية بوروبة بالجزائر العاصمة. أما الصيد الثمين لمصالح الأمن هذه السنة، فكان يوم الخميس 15 جوان، حيث ألقت شرطة وهران القبض على محمد جحا المدعو "ميمو"، 41 سنة، أكبر بارون مخدرات بمدينة مرسيليا الفرنسية. ويعتبر محمد جحا "ميمو" من أكبر أهداف الديوان الفرنسي لمحاربة المخدرات منذ سنوات، لضلوعه في عدة عمليات متاجرة مخدرات بمرسيليا وحرب عصابات، أسفرت عن اغتيال 13 شابا في تصفيات جسدية منذ بداية السنة الجارية بمرسيليا. ولدى هذا البارون الفرانكو- جزائري والمولود في ولاية بجاية سنة 1981، عدة أحكام ثقيلة في فرنسا، فهو مدان ب 10 سنوات سجنا في عام 2019 بتهمة غسل الأموال، وبالسجن لمدة 30 عامًا في ماي الماضي من قبل محكمة الجنايات في إيكس إن بروفانس في مارسيليا، لتورّطه في عمليات اغتيال في إطار عمليات تصفية الحسابات التي باتت مارسيليا مسرحا لها منذ سنوات بين شبكات الاتجار بالمخدرات. المخدرات محور ملتقى ومع استفحال ظاهرة تجارة المخدرات والمهلوسات وتعاطيهما بشكل كبير بين فئة الشباب خاصة، ثمة مساع تبذلها السلطات الجزائرية للحد منها، من خلال تنظيم ملتقى موسوم بعنوان "مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية والوقاية منها" بمجلس قضاء الجزائر هذه السنة، تضمّن شرحا لأحكام القانون رقم 05-23 والمتعلّق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية. الملتقى كان فرصة لمناقشة التعديلات الأخيرة التي أدخلت على القانون 05-23 المؤرخ في 7 ماي 2023 المعدّل والمتمّم للقانون رقم 04-18 والمتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتجار غير المشروعين بهما، حيث ثمّن مختصون القانون الجديد، لكنهم في الوقت نفسه تساءلوا عن بعض الثغرات التي يمكن أن تؤثر سلبا في تفعليه، كمبدأ السرية في علاج المستهلكين، إضافة إلى إشكالية المخدرات الرقمية التي لم يتطرق إليها هذا القانون الجديد رغم انتشارها داخل المجتمع. كما تم التطرق في هذا الملتقى، للتأثيرات السلبية لتناول المخدرات ما بين العنف بكل أشكاله وضعف القدرات العقلية والمشاكل الاجتماعية والمهنية وتلف الجهاز العصبي… كما أشار إلى أسباب انجذاب الشباب إلى المخدرات والتي تكون في أغلبها بدافع الفضول والتجريب والبحث عن الإثارة أو الضغوطات الاجتماعية، وكذلك النماذج الثقافية، كالأفلام والأغاني والمسلسلات.