ضاعف قرار مجلس الأمن الدولي، القاضي بوقف فوري لإطلاق النار في غزة من العزلة الدولية التي أصابت الكيان الصهيوني بعد أن سقط قناعها انكشفت مخططاتها الهادفة إلى إبادة سكان القطاع في حرب تطهير عرقي همجية وتهجيرهم قسرا من أرضهم تحسبا لاحتلالها، إذ كان وقع القرار كالصاعقة على الكيان، خاصة بعد أن تحاشت واشنطن حليفتها الاستراتيجية من استخدام ورقة "الفيتو"، بل اكتفت بالامتناع عن التصويت، وهو ما فسره مراقبون أنه تخلّ من واشنطن عن حكومة نتنياهو المتطرفة. بدا واضحا التخبط الذي ميز الكيان الصهيوني في التعاطي مع قرار مجلس الأمن الدولي، حيث انهالت الانتقادات من المسؤولين في الكيان على الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومنع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الوفد الذي كان من المقرر أن يزور واشنطن للبحث في ملف رفح من مغادرة تل أبيب. وصوّتت 14 دولة لصالح القرار 2827 بينما امتنعت أمريكا عن التصويت، وهذا بعد أكثر من 171 يوما من المجازر الصهيونية التي حصدت أكثر من 32 ألف شهيد فلسطيني أغلبهم أطفال ونساء. وكان الصهاينة يمنّون النفس أن تفشل واشنطن هذا القرار، كما أسقطت من قبل أربعة قرارات سابقة في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، إلا أن الضغط الدولي والتبدّل الجذري في الرأي العام العالمي، ومخاوف الرئيس جو بايدن من انقلاب الأمريكيين عليه في الانتخابات الرئاسية في حال استمر على دعمه المطلق للمجازر الصهيونية، دفعه إلى تغليب مصالحه الانتخابية على حساب مصالح نتنياهو وحكومته المتطرفة. فالقرار يمثّل تحولا تاريخيا في تعامل الأممالمتحدة مع الكيان الصهيوني، إذ ينتظر أن يبدأ العمل الآن على إلزام هذا الكيان على تنفيذ القرار وفرض العقوبات عليه في حال رفض الإنصياع للقرار. كما أحدث القرار زلزالا داخل حكومة الطوارئ الصهيونية التي أعلن الوزير جدعون ساعر استقالته منها، موازاة مع مطالب شعبية باستقالته بعد فشله في إعادة الأسرى وتحميله مسؤولية أكبر إخفاق عسكري في تاريخ الكيان. وتشير المعطيات إلى أن ما دفع أمريكا إلى عدم استخدام "الفيتو" في مجلس الأمن، هو أنها ضاقت ذرعا بنتنياهو الذي يريد اجتياح رفح، فقط من أجل استمرار الحرب وارتكاب مزيدا من المجازر دون محاسبة، إذ أصبح جليّا أن دعم الكيان في هذه المرحلة يعدّ تواطؤا صريحا في هذه المجازر، ولو أن الأسلحة التي يستخدمها جيش الاحتلال لتقتيل الفلسطينيين مصدرها الولاياتالمتحدة والبلدان الغربية. ففي هذا السياق، بدأت مطالب الجماهير في هذه البلدان تضغط على حكوماتها لوقف تصدير السلاح للكيان. لاشك أن هذه الإخفاقات الدبلوماسية والسياسية التي تلاحق حكومة نتنياهو، وكذا الفشل الذريع في تحقيق "أهداف" الحرب الوحشية على قطاع غزة وعلى رأسها استرجاع الأسرى، يضاف إليها الخسائر الفادحة التي تكبّدتها المقاومة في الجنود والعتاد لهذا الجيش المصنف ضمن الأقوى في المنطقة، كلها تمهّد لانهيار وشيك لهذه الحكومة، والتعجيل في تنصيب أخرى تحاول استعادة التعاطف الدولي المتلاشي والتسريع في مفاوضات مع حماس.