بفرض حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف أولوية الجنسية الفرنسية على الكفاءة في التعيين في المناصب، فإن زين الدين زيدان الذي جلب لفرنسا كأس العالم عام 98، لن يحق له تدريب المنتخب الفرنسي، ورشيدة داتي التي تقلدت وزارة العدل في وقت سابق سيمنع عليها ذلك في حكومة بارديلا إذا فازت بالتشريعيات. فرنسا توجد في مفترق الطرق وحالة الخوف والاحتقان بها توجد في مستوى غير مسبوق في عهد الجمهورية الخامسة. هل تخلع فرنسا ثوب الانفتاح والتعددية وتسقط شعار الجمهورية "حرية، مساواة، أخوة "، بمناسبة الانتخابات التشريعية المسبقة التي ستجري اليوم بكامل التراب الفرنسي؟ استطلاعات الرأي تعطي أسبقية لأول مرة لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف للفوز بالمرتبة الأولى، حتى وإن لم يتبين إن كانت كافية له للحصول على الأغلبية في البرلمان لتشكيل حكومته، أم ستكون نتيجتها انسدادا آخر عن الانسداد السابق؟ لقد أعادت هذه الانتخابات الأجواء التي عرفتها فرنسا عام 97 عندما استطاع حزب الجبهة الوطنية برئاسة ماري لوبان الأب لأول مرة العبور إلى الدور الثاني في الرئاسيات لمنافسة الرئيس جاك شيراك، وكان على أبواب قصر الإليزي، لولا الهبة الشعبية التي حالت سدا مانعا لذلك، واليوم يوجد ورثة ماري لوبان، المظلي الذي مارس التعذيب ضد الجزائريين إبان الثورة التحريرية، أمام بوابة الدخول إلى قصر ماتنيون، حيث مقر الحكومة الفرنسية، في حال تمكنه من الفوز بأغلبية في الانتخابات التشريعية أمام خصومه من تيار اليسار المرشح الثاني وحزب الأغلبية السابقة في المرتبة الثالثة. ولا يحبس الفرنسيون أنفاسهم من نتيجة هذه الانتخابات لوحدهم فقط، بل كل أوروبا وإفريقيا، لأنها قد تكون زلزالا يدخل "بلاد الأنوار" في نفق مظلم، لوجود خطر حقيقي من سقوط الحكم في يد حزب، ليس فقط عديم الخبرة والممارسة في تسيير شؤون الدولة، ولكنه أيضا حزب يحمل جذورا فاشية ورثها عن الجنرال بيتان، وله مواقف عنصرية متطرفة إزاء المهاجرين من العرب والأفارقة والمسلمين. والأخطر من ذلك، أن مجرد ترشيح استطلاعات الرأي حزب مارين لوبان وبارديلا للفوز بالمرتبة الأولى، حتى بدأت أصوات العنصرية تطفو إلى السطح وتعلن عن نفسها جهارا نهارا، وبدأت معها قوائم الممنوعات تتضاعف وتتراجع معها حقوق المواطنة في دولة ظلت تقدم نفسها للعالم على أنها متعددة الأعراق والأديان والثقافات. فلم يعد من منح فرنسا كأس العالم، زين الدين زيدان، ذو الأصول الجزائرية، من منظور سياسة حزب بارديلا ومارين لوبان، يجوز له تدريب منتخب فرنسا، لأنه منصب حساس من وجهة نظرها، ولم يعد لمزدوجي الجنسية نفس الحقوق والواجبات، بعدما أضحت الأولوية في مناصب المسؤولية لصاحب الجنسية الفرنسية الواحدة فقط، ما يعني إسقاط شعار الجمهورية "حرية، مساواة، أخوة" بالضربة القاضية. فهل ستخطو فرنسا العميقة خطوة في المجهول، في هذه الانتخابات، وتتحمل تبعات ذلك علانية داخليا وخارجيا ؟