مازالت الدول الغربية تتابع بترقب مآلات وتطورات الأحداث في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد ودخول قوات المعارضة إلى العاصمة دمشق، إذ لا يزال الوضع غامضا فيما يتعلق بالمستقبل القريب، في ظل عدم وضوح الإطار السياسي للمعارضة بصورة كافية، وكذا مشروعها المقبل بعد سقوط النظام. استبقت المعارضة السورية المخاوف الغربية، بخطوة غير متوقعة على الصعيد السياسي، عندما طلبت من رئيس الحكومة السورية التي كانت تتبع الأسد، الاستمرار في تصريف الأعمال وأداء عملها بصورة تضمن تسيير الخدمات والشأن العام، إلى غاية توفير ظرف يساعد على انتقال سلس للسلطة، وبغض النظر عما إذا كان هذا الخيار السياسي المفاجئ، جزءا من ترتيبات متفق عليها، أم أنه خطوة ذاتية قام بها الجسم السياسي للمعارضة، فإنها بكل الأحوال، ساعدت على تهدئة الوضع، وتوفير الأمن ومنع التخريب أو المساس بالمنشآت العامة. وإذا كانت هذه الخطوة وحزمة قرارات وجهتها ما يعرف بغرفة العمليات العسكرية التابعة للمعارضة، بشأن ضبط سلوك المسلحين ومنع أي تغيير أو مساس بالممتلكات، ومنع التعاطي مع جنود الجيش والشرطة السورية الحكومية، في حال تسليمهم أسلحتهم، قد ساهمت في تغيير المواقف على الصعيد الداخلي، ووفرت حالة من الطمأنينة السلمية والأهلية، فإن هذه الخطوة تؤشر في المقابل على وجود توافقات وتوجه نحو استيعاب سياسي داخلي، وتحييد مبكر لكل انتقام أو شحن سياسي أو طائفي، وبالتالي تفويت الفرصة على أي محاولة لاحتكاك داخلي. وفي السياق، قال رئيس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، هادي البحرة، إنه: "لن يكون هناك جرائم أو مخالفات كبيرة"، ورد على سؤال بشأن القلق في الشارع العربي والشارع السوري من تكرار تجربة ليبيا بعد انتصار الثورة السورية: "نبدد هذا القلق بالمشهد على أرض الواقع، فكل شيء شفاف، والإعلام يتابع الخطوات التي صارت أولاً بأول وكيف تبدلت حياة الناس في المدن التي تحررت نحو الأحسن". وما عبرت عنه وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إذ قالت: "ينبغي ألا تسقط البلاد الآن في أيدي متطرفين آخرين، بغض النظر عن الهيئة التي يظهرون بها"، يترجم وجود مواقف مسبقة لدى القوى الغربية، بما فيها واشنطن، تجاه بروز المتشددين، وبخاصة الوجه الأبرز للمجموعات المسلحة، أحمد الشرع، المعروف باسم محمد الجولاني، وتصنيفه من قبل واشنطن والدول الغربية على أساس أنه "إرهابي"، منذ كان يقود تنظيم جبهة النصرة، الموالية للقاعدة، فإن تحولاته السياسية في إطار "هيئة تحرير الشام"، وتخليه عن موالاة القاعدة منذ عام 2017، ثم اندماجه ضمن مجموعة من الفصائل، وإقامة إطار سياسي وخدمي للمعارضة السورية، ونجاحه في قيادة عملية إسقاط بشار الأسد، قد تدفع واشنطن والدول الغربية إلى مراجعة موقفها والتعامل مع الواقع السوري الجديد، ضمن فواعله الأساسية، بمن فيهم الجولاني، خاصة وأن تجارب سابقة في حالة طالبان تعزز هذه الإمكانية. بيد أنه ما زاد من غموض الموقف والصورة لدى القوى الغربية، التي لم تستطع حتى الآن صياغة موقف واضح من المرحلة المقبلة، ما يفرض عليها ترقب المآلات والتطورات، هو ما يرتبط أساسا بموقع القضية الفلسطينية ومسألة الجولان المحتل والكيان الصهيوني، في مشروع المجموعات التي سيطرت على دمشق، وهي مسألة بالغة الحساسية، ومحدد رئيسي بالنسبة للغرب من سوريا ما بعد الأسد.