لم تلق الإجراءات الجديدية التي اتخذها صندوق التأمينات الاجتماعية الخاصة بدفع تعويضات الأدوية عن طريق الحساب الجاري البريدي أو البنكي منذ بداية العمل بها، النجاح المنتظر، بل أصبحت تثير قلق العديد من المؤمّنين بسبب التأخر الذي تعرفه عملية الدفع، الأمر الذي أدى بالعديد منهم إلى المطالبة بالعودة إلى النظام القديم الذي كان حسبهم ارحم واهون بالنسبة إليهم. في حين ارجعت مصالح البريد أسباب هذا التأخر إلى طريقة التعامل المفروضة من طرف الصندوق الذي نفى أن يكون المتسبب في هذا التأخير. شرع الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية الخاص بالعمال الأجراء رسميا منذ شهر أفريل الماضي، بمقتضى اتفاقية أبرمها مع بريد الجزائر في العمل بالإجراءات الجديدة الخاصة بتعويضات الأدوية قصد تخليص المواطنين المعنيين من الطوابير اللامتناهية وساعات الانتظار الطويلة التي حولت مراكز دفع هذه التعويضات طيلة السنوات الماضية إلى مكان يثير القلق والاستياء وحتى العراك نظراً للاكتظاظ والضغط الكبير الذي تعرفه هذه المراكز طيلة اليوم. وبقتضى الاتفاقية المبرمة بين الصندوق وبريد الجزائر، تحولت عملية الحصول على التعويضات التي كان يتلقاها المؤمن نقدا وفي اليوم الذي يقدم فيه وصفته على مستوى شبابيك مركز التأمينات الاجتماعية إلى الدفع عن طريق الحساب الجاري البريدي أو البنكي، إلا أنه وبعد أشهر من انطلاق العملية رسميا، يبدو أن ساعات الانتظار التي كان يشكو منها المؤمنون، قد تحولت إلى شهور، الأمر الذي جعل العديد منهم يطالب بالعودة إلى النظام القديم لأنه أهون وارحم مما يعيشونه اليوم. والغريب في الأمر هو أن هؤلاء المؤمنين لا يعرفون إلى من يتوجهون للاستفسار لأن كل طرف يلقي بالكرة إلى الطرف الآخر. الطوابير أهون من الانتظار بأحد مراكز العاصمة، حيث انتقلت "المساء"، سجلنا آراء بعض المواطنين الذين جاءوا للاستفسار عن سبب التأخر في دفع مستحقاتهم من تعويضات الأدوية رغم احترام كل الإجراءات التي طلبت منهم، وقد وجدنا سيدة في حالة قلق وهي تحتج قائلة "لقد انتظرت شهرين دون أن أتلقى سنتيما من هذه التعويضات،وأنا مصابة بمرض مزمن"، وتضيف السيدة التي سارعت إلى إخراج رزمة من الوثائق لتبرر ما تقوله "إنني أعاني كثيرا، إمكانياتي المادية لا تسمح لي بشراء الأدوية في وقتها، لقد كنت قبل هذا الإجراء الجديد أتحصل على تعويضي في اليوم نفسه واشتري الدواء، أما الآن فعلي الانتظار حتى ولو كنت في حالة يرثى لها و طريحة الفراش". مواطن آخر متقدم في السن كان يمشي بصعوبة علمنا أنه متقاعد حضر إلى مركز التأمينات الاجتماعية ليسأل عن التأخر في دفع تعويضاته رغم مرور شهرين تقريبا عن تاريخ وضع وصفاته الطبية لدى المركز "أنا متقاعد منذ أكثر من 10 سنوات، اعتدت على هذا المركز الذي أصبح طيلة سنوات مكانا اقضي فيه اسعد لحظات أيامي كونه المصدر الذي استرجع منه المبالغ التي ادفعها لشراء أدويتي إلا أن الأمر لم يعد كذلك بعد التغييرات التي أدخلت في نظام دفع هذه التعويضات. هذه المبالغ رغم بساطتها إلا أنها كانت تسمح لي وللعديد من أمثالي من المتقاعدين وذوي المداخيل الضعيفة بتغطية الاحتياجات اليومية في آخر الشهر". وقد اجمع كل من التقيناهم على أن النظام القديم أهون بالنسبة إليهم والانتظار لساعات طويلة بل وليوم كامل، والحصول على التعويضات في حينها أهون من الانتظار لأشهر طويلة ثم الوقوف في طوابير بمكاتب البريد. التعويضات تحول إلى مصالح البريد في ظرف أقصاه 8 أيام رغبة منا في الإجابة على تساؤلات العديد من المؤمّنين المتمردين على مكاتب البريد بالعاصمة كما هو الحال بمراكز الدفع التابعة للصندوق الوطني للتعويضات الاجتماعية الخاصة بالعمال الأجراء ولمعرفة أسباب هذه التأخرات المسجلة في تعويض الأدوية حاولنا معرفة رأي بعض المسؤولين بهذه المصالح إلا أننا فوجئنا بمطالبتنا في كل مرة بإحضار رخصة من الإدارة الوصية الأمر الذي عطل عملنا وأخره هو الآخر. وفي آخر المطاف، تمكنا من الحصول على إجابة على تساؤلاتنا من مصدر موثوق بإحدى وكالات الصندوق بالعاصمة الذي أكّد لنا أن التعويضات الخاصة بالأدوية تحول إلى مصالح البريد في أجل أقصاه ثمانية أيام من تاريخ تسليم المؤمّن وصفته لمصالح الصندوق نافيا أن يكون هذا الأخير هو المتسبب في التأخر الذي فاق في بعض الحالات الثلاثة أشهر كون العمل بالأجراء الجديد بدأ في بعض المدن كالعاصمة سنة 2006. وأوضح نفس المصدر أن مدة الثمانية أيام تخص الحالات العادية حيث اعترف بطول وقت الإجراءات عندما يقتضي الأمر إجراء مراقبة طبية. وأضاف المصدر أن العملية تجري في ظروف عادية رغم بعض العراقيل البسيطة التي ظهرت في البداية والتي تمّ إزالتها وهي مشاكل عادية تظهر عند بداية أي إجراء جديد. في حين لم يستبعد المصدر تسجيل بعض التأخر بالنسبة لأصحاب الحسابات البنكية التي تستلزم مرور ملفات تعويضاتهم على لجنة خاصة على مستوى الخزينة العمومية قبل تحويلها إلى الحساب الجاري. البريد يشكو رزم الأوراق ولبريد الجزائر الطرف الثاني المعني بالموضوع ما يقوله في هذا الملف حيث قدم مدير مركز الصكوك البريدية بالعاصمة السيد عابد عمراني في لقاء مع "المساء" جملة من الأسباب التي تعيق السير الحسن لهذه العملية التي أحدثت من أجل تسهيل دفع المستحقات من تعويضات الأدوية للمواطنين وبالتالي لإراحتهم من الطوابير والانتظار لساعات طويلة وذكر أهمها مشكل تعامل الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية بطريقة لا تسمح بإنجاح العملية بالصفة المرغوب فيها. وقال محدثنا إن الصندوق يرسل تعويضات الأدوية على شكل رزم من الأوراق بدلا من أن تكون على شكل أقراص مضغوطة أو مرنة تسهل العمل للطرفين وتعجل بوصول التعويضات لأصحابها، متسائلا إن كان يعقل أن يقوم أعوان البريد بتصنيف ملفات التعويض التي يرسلها الصندوق لتحويلها إلى الحساب الجاري، من المفروض أن ينجز هذا العمل قبل وصوله إلينا. وأشار مدير مركز الصكوك بالعاصمة أن مصالحه قدمت اقتراحاتها للصندوق وطالبته بالتعامل عن طريق الأقراص المضغوطة أو المرنة وقد قوبل الاقتراح بالإيجاب. و إضافة إلى ذلك، لاحظ المتحدث عددا من العوائق التي تتسبب هي الأخرى في التأخر المسجل لوصول التعويضات إلى حساب أصحابها واصفا إياها بالتنظيمية، نذكر من بينها تزامن وصول التعويضات في الفترة التي يتلقى فيها الملايين من الموظفين العموميين والعمال رواتبهم عبر الحسابات البريدية ما يفسر الضغط الكبير الذي تعرفه مصالح البريد. واستطرد مسؤول مركز الصكوك البريدية للعاصمة بالقول "في ظروف كهذه نفضل منح الأولوية للأجور، أما التعويضات فعليها بالانتظار". و حسب نفس المصدر فإن الاتصالات بين الكناس ومركز الصكوك البريدية متواصلة لتسوية العديد من النقاط التي ستسمح بحل المشاكل التي تعرقل السير الحسن لتعويضات الأدوية بصفة نهائية، وفي انتظار ذلك يبقى عدد هائل من المؤمّنين يترقبون الإفراج عن تعويضاتهم التي لم تصلهم منذ أشهر.