عرض وزير الطاقة والمناجم، السيد يوسف يوسفي، أمس، مشروع القانون المتضمن قانون المناجم على نواب المجلس الشعبي الوطني. وشرع هؤلاء في المناقشة التي تراوحت بين الإشادة بمضمون النص الجديد باعتباره ضروريا لسد النقائص ومعالجة الاختلالات، وتوجيه الانتقادات التي تمحورت حول عدم الاستقرار التشريعي في الجزائر ومدى القدرة على تحقيق الأهداف المسطرة في عرض الأسباب. وفي عرضه لأهم أهداف مشروع قانون المناجم أمام النواب، أكد السيد يوسفي أنه جاء ليعدل القانون المؤرخ في 2001 من أجل تمكين القطاع المنجمي من المساهمة بفعالية في تطوير الاقتصاد الوطني وخلق مناصب العمل وخلق الثروة. وأشار إلى أنه يسعى إلى جعل هذا القطاع مصدرا هاما للثروة وجالبا للإيرادات بالعملة الصعبة ومصدرا للتشغيل لاسيما في المناطق النائية والمحرومة. وبهذا فإن المشروع يهدف إلى جعل النشاط المنجمي قطبا للتنمية،كما قال الوزير الذي عبر عن أمله في حال المصادقة عليه أن يؤثر بصفة مباشرة في الاقتصاد الوطني وأن يساهم في تنمية البلاد. ومكن العرض الذي قدمه السيد يوسفي من توضيح الأحكام الجديدة التي يتضمنها مشروع القانون. فبموجبه يمكن أن تصنف مواقع معدنية أو متحجرة كمواقع استراتيجية لاسيما المواقع المعدنية المشعة ومكامن المواد المعدنية أو المتحجرة الضخمة التي تسمح بإنشاء إيرادات تفاضلية. ويسمح الترخيص المنجمي لصاحبه داخل حدود المساحة الممنوحة له بممارسة النشاطات المنجمية. وتخضع ممارسة النشاطات المنجمية لنظامين، الأول عام يتيح لكل شركة تخضع للقانون الجزائري وتتمتع بقدرات تقنية ومالية كافية ممارسة نشاطات بحث واستغلال المواد المعدنية غير الاستراتيجية، والثاني خاص يطبق على نشاطات البحث والاستغلال للمواد المصنفة استراتيجية، حيث يتم منح التراخيص المنجمية خصيصا للمؤسسات العمومية. لكن يمكن لهذه الأخيرة إبرام تعاقد مع الغير بشرط ألا تقل نسبة مشاركتها عن 51 بالمائة من حجم الشراكة. ويتضمن القانون 194 مادة يعول عليها لإنعاش هذا القطاع الذي عرف ركودا في السنوات الأخيرة بالرغم من الاحتياطات الهامة للجزائر التي تبقى غير مستغلة. في هذا الإطار، نص على إعادة هيكلة الوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية مكلفة بتسيير السجل المنجمي وتسيير ومتابعة السندات المنجمية، والوكالة الوطنية للجيولوجيا والمراقبة المنجمية المكلفة بتسيير المنشآت الجيولوجية والمراقبة الادارية والتقنية للنشاطات المنجمية، من أجل تنسيق أحسن وتجنب التداخلات في مهام كل وكالة. كما تضمن امتيازات جبائية وضريبية منها إعفاء نشاطات المنشآت الجيولوجية والتنقيب والاستكشاف المنجميين من الرسم على القيمة المضافة المتعلقة بالتجهيزات والمواد والمنتوجات الموجهة مباشرة وبصفة دائمة للاستعمال في إطار النشاطات. وتعفى من ذات الرسم الخدمات المقدمة بما فيها الدراسات وعمليات الكراء المنجزة في إطار هذه النشاطات إلى جانب الإعفاء من الحقوق والرسوم والاتاوات الجمركية المفروضة على عملية استيراد التجهيزات والمواد والمنتجات الموجهة مباشرة وبصفة دائمة للاستعمال في إطار هذه النشاطات. وتم إدراج نظام جبائي خاص بنشاطات التنقيب والاستكشاف المنجميين. ويأخذ القانون الجديد بجدية الانشغالات الخاصة بالبيئة ولذا تم ربط أحكامه بتلك المتعلقة بالتشريع الخاص بالبيئة في إطار التنمية المستدامة مع أخذ مرحلة مابعد النشاط بعين الاعتبار. وفي التقرير التمهيدي لمشروع القانون والذي تضمن 57 تعديلا، تمت الإشارة إلى أن القطاع المنجمي بالجزائر يحتاج إلى تكفل أمثل يمكنه من مسايرة التحولات الاقتصادية الجارية. وذكر مقرر لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية والتجارة والصناعة والتخطيط، أن قانون 2001 سمح بفتح مجال الاستثمار المنجمي أمام الخواص الوطنيين والأجانب من خلال التسهيلات الممنوحة، "غير أن الممارسة الميدانية في ظل تطبيق القانون أظهرت عدة نقائص حالت دون تحقيق الأهداف المنشودة"، بل إنه اعتبر أن نتائجه كانت سلبية إذ "أفضى إلى تراجع الاستثمار في هذا المجال وركود الانتاج الوطني للمواد المنجمية". وضع فرض استبدال الاطار التشريعي، مثلما جاء في التقرير التمهيدي الذي اعتبر أن القانون الجديد يسمح بخلق الظروف المواتية لاعادة بعث وإنعاش القطاع واستغلال أفضل للاحتياطات الموجودة واكتشاف أخرى جديدة من خلال إشراك الدولة بما يسمح بالاستجابة للحاجيات الداخلية ورفع حجم الصادرات. ولتحقيق ذلك، أوصت اللجنة بالمحافظة على الثروة المنجمية من خلال استغلال مسؤول وعقلاني والاستثمار في الموارد البشرية وتعزيز آليات الرقابة على الأنشطة المنجمية والصرامة في تطبيق القوانين واحترام البيئة، إضافة إلى استشارة المنتخبين المحليين وممثلي الجمعيات المعنية عند منح التراخيص المنجمية وتعزيز الجباية المحلية لفائدة البلديات التي يتواجد بها النشاط المنجمي. وسمح فتح النقاش للنواب بالتعبير عن انشغالات مختلفة لاسيما مدى قدرة القانون الجديد على تحقيق الأهداف المسطرة والتي كانت ذاتها الموجودة في القانون السابق. إذ اعتبر البعض ان المشكلة ليست في القانون ولكن في التسيير. وقال نائب عن التجمع الجزائري إن تراجع قطاع المناجم راجع للاهتمام الكبير الموجه للمحروقات، وقال إن السياسة السابقة التي كانت تهدف لخوصصته "فاشلة" بالرغم من مردودية القطاع، مذكرا بالشراكات التي تمت مع شركة استرالية في مجال الذهب وكذا الشراكة مع ارسيلور ميتال في مجال الحديد والصلب. وهما المثالان اللذان تكررا في حديث النواب للاستدلال على الاختلال الكبير في القانون السابق، مما جعل البعض يقول إن الاستثمارات الأجنبية كان هدفها نهب الثروات الجزائرية فقط، إذا تحفظ أحد نواب جبهة التحرير الوطني في تحديد رأية من القانون الجديد مذكرا بأن البرلمان ناقش وصادق على القانون السابق الذي يتم اليوم انتقاده. كما أن مسألة استغلال منجم غار جبيلات بتندوف طرحت بشدة خلال النقاش، مثلها مثل استغلال احتياطات الذهب الهامة في الاهقار، وكذا قضية "الزئبق الاحمر" التي وصفها احد النواب ب«اللغز"، فضلا عن التساؤل حول أسباب عدم استغلال مناجم الرخام وإسقاط المرجان من القانون رغم انه من الأحجار الكريمة، كما أشارت إليه نائب من تكتل الجزائر الخضراء التي دعت مثل بعض زملائها إلى ضرورة إعداد خارطة منجمية للاحتياطات الجزائرية. وتساءلت نائب عن جبهة القوى الاشتراكية عن دواعي برمجة هذا القانون في هذا الوقت المتميز بأحداث سياسية هامة، مشيرة إلى أنه كان لابد من تقديم تقييم لما تم إنجازه في القانون السابق، مشيرة إلى عدم وجود أي ضمان بأن القانون الجديد سيحقق أهدافه، كما قالت إن التغيير في التشريعات ليس جالبا للاستثمارات الأجنبية. وأعابت على القانون الجديد إبعاد الدور الرقابي للدولة. كما أشارت إلى أن المستفيد الأول من القانون هو المستثمر وتساءلت عن مدى القدرة على فرض التدابير المتعلقة بحماية البيئة. ودافع عدد من نواب جبهة التحرير الوطني عن مضمون القانون، مشيرين إلى أنه سيمسح بالاستغلال العقلاني لثروات الجزائر المنجمية ووضح حد للفوضى التي كان يعرفها القطاع، معتبرين أنه ركز على الفرد وتكوين الموارد البشرية وأنه يدعم الاقتصاد الوطني ويمكن من خلق مناصب عمل، داعين إلى توسيع دور شرطة المناجم لاسيما في منح التراخيص. كما اعتبروا ان القانون جاء في وقته ليضع حدا لتجاوزات المستثمرين الأجانب. وبعد أن وجه نائب من حزب العمال انتقادات لاذعة للقانون السابق، مذكرا برفض الحزب له، والذي أدى إلى تراجع عدد المناجم الكبيرة من 60 إلى 5 فقط، وبعد أن طالب بمحاسبة من كانوا وراء هذا القانون، حيا الارادة السياسية والوزير الحالي لما وصفه ب«التصحيح" وإعادة الاعتبار لدور الدولة في هذا القطاع الاستراتيجي.