عندما تطأ الأقدام المنطقة البترولية لحاسي مسعود، فإن لوحات الاتجاه تتحول من حروف إلى أرقام لا يفهمها إلا أهل الاختصاص من مهنيي القطاع الذين ينتشرون فوق مساحة صحراوية شاسعة، لا يمكن فيها رؤية سوى كثبان الرمال وأعمدة الكهرباء وآبار النفط والكوابل. هؤلاء يعملون في ظروف طبيعية جد قاسية خاصة في فصل الصيف، لكنهم يعلمون مدى أهمية المهام الموكلة إليهم وهم يستخرجون من بواطن الأرض المصدر الوحيد للمداخيل المالية في الجزائر. وتزامن وجودنا في المنطقة مع الجدل الدائر حول قرار الجزائر استغلال احتياطاتها من المحروقات غير التقليدية أو الغاز الصخري كما يسمى، والذي أثار جملة من التساؤلات حول القدرات الجزائرية في هذا المجال، وكذا آثار هذا الاستغلال على المحيط، وهناك كانت لنا محاولات للاقتراب أكثر من الحقيقة مع من يعملون في الميدان. «الورشة 29" حيث توجد البئر أم دي زاد 663 التابعة للمؤسسة الوطنية للتنقيب "اينافور"، عيّنة تتحدث عن الصعوبات والتحديات التي يرفعها كل يوم عمال وإطارات جزائرية من شركة سوناطراك ومختلف فروعها. هنا حيث كانت لنا زيارة رفقة وفد صحفي اطّلعنا على التطور الذي يعرفه القطاع ومدى تحكم مهنييه في مختلف تقنيات العمل. ويتعلق الأمر خصوصا بالحفر الأفقي الذي يعد إحدى التقنيات الهامة المعوّل عليها لرفع إنتاجية آبار النفط والغاز بحاسي مسعود، باعتبارها المنطقة التي تزود الجزائر بأكبر كمية من المحروقات، كما أنها تقنية تستخدم في عمليات استخراج الغاز الصخري. وكان وزير الطاقة والمناجم السيد يوسف يوسفي، قد أشار مؤخرا إلى أن عدم اللجوء إلى هذه التقنية بحاسي مسعود بالذات يعني استخراج ربع القدرات التي تتوفر عليها فقط من المحروقات. ويشير مسؤولو الورشة في هذه البئر التي تبعد عن حاسي مسعود بمسافة 14 كلم، أن ما يقومون به ليس جديدا بالرغم من أن عملية الحفر الأفقي هنا بدأت منذ 20 يوما فقط وبتكلفة تبلغ 8 ملايين دولار، وهو ما يشرحه السيد نور الدين بوتمجات، مسؤول الحفر حين يقول إن الحفر الأفقي يتم اللجوء إليه لتحسين مردودية البئر، وإنه يختلف عن الحفر العمودي، مضيفا بأن هذه التقنية مطبّقة في الجزائر منذ 20 سنة، بل إن العمال الجزائريين حاليا يتحكمون فيها "تماما" وهم ينجزونها بالتعاون مع شركات عالمية مثل "هاليبرتون" و«شلوم بيرجر"، وهناك العديد من الآبار المحفورة أفقيا. فالبئر قديمة، إذ تم الشروع في استغلالها خلال الخمسينيات من القرن الماضي، لكن إنتاجها عرف تراجعا مع الوقت، و«نحاول اليوم أن نرفع إنتاجيتها بهذه التقنية"، كما أوضح. وهل من أضرار على البيئة؟ سؤال يجيب عنه مسؤولو الورشة بالنفي القاطع، مشيرين إلى أن طريقة جمع النفايات الناتجة عن عملية الحفر تتم بأخذ كل الاحتياطات الرامية لحماية البيئة بعين الاعتبار، ويتم التخلص منها بالاستعانة بشركات خدمات تعمل في هذا المجال، والأكيد كما قال هؤلاء هو العمل على منع أي تسرب من شأنه الإضرار بالمحيط وبالمياه الجوفية خصوصا. وتحت درجة حرارة تقارب الخمسين يتواجد عمال "اينافور" في الورشة ال29 ومن بينهم ثلاث نساء شد وجودهن وسط هذا "المحيط الذكوري" انتباهنا. وتساءلنا عن ظروف عملهن في ميدان الحفر الذي اعتقدنا أنه مازال حكرا على الرجال. لكن فاطمة الزهراء غربي ونورية بلعالية من سعيدة، ونسيمة بن مهدي من بجاية، أكدن أن المرأة الجزائرية اقتحمت كل المجالات بلا استثناء. وبعزيمة كبيرة حدثتنا فاطمة الزهراء ونورية عن التحدي الذي رفعتاه منذ انضمامهما إلى العمل في مجال الحفر سنة 2006، رغم الصعوبات التي واجهتاها وعلى رأسها عدم تقبل الرجل تلقي أوامر من امرأة. تقول فاطمة الزهراء "في الأول واجهتنا صعوبات من طرف بعض العمال الذين لم يتقبلوا فكرة أن تكون امرأة مسؤولة عنهم، ونحن بحكم عملنا نضطر إلى التدرج من منصب مراقب عام للنشاطات إلى مهندس، ووصل الأمر بأحد العمال إلى مغادرة العمل لأنه رفض تلقي الأوامر منّي.. لكن اعترف اليوم بأن الأمور تغيرت ووجود عدد هام من العمال ذوي المستويات الدراسية العالية ساهم في تغيّر العقليات". لكن تصر نورية، على الاضافة بأن تقبل وجودهن في هذه الورشة ناتج أيضا عن فرضهن لأنفسهن في هذا الوسط وإثبات قدراتهن على أداء عملهن بكل جدارة لتكن جديرات بثقة المسؤولين. وهو ما أكده مسؤولهن المباشر الذي أبدى رضاه عن أدائهن في الورشة، مشيرا إلى أن المؤسسة الوطنية للتنقيب تتميز بكونها توظف عددا معتبرا من النساء اللواتي يعملن بدون أي تمييز مع زملائهن. وإذا كان الحفر الأفقي يمارس منذ سنوات، فإن تقنية تكسير الصخور ليست لصيقة بالمحروقات غير التقليدية كما يعتقد. ذلك ما كشف عنه هشام شرفي، الرئيس المدير العام لمؤسسة تنشيط الآبار، الذي أوضح بأن المؤسسة التي يسيّرها قامت لحد الآن بتطبيق هذه التقنية على مستوى أكثر من 100 بئر في مناطق عدة ولزبائن مختلفين من بينها 50 بئرا لفائدة شركة سوناطراك وذلك منذ بداية استخدامها في 2007، ودون تسجيل أي حوادث أو أضرار على المحيط أو العمال. هي تقنية أجنبية بامتياز، لكنها اليوم وبفضل تحويل التكنولوجيا لاسيما من الشريك "بيكر هيوغس" جزائرية بنسبة تقارب المائة بالمائة، حسب المتحدث الذي أوضح بأنه في الوقت الراهن حوالي 98 بالمائة من عمال الشركة يتحكمون في هذه التقنية، وفي فريق عمل يتكون من 15 فردا لا نجد ضمنهم إلا عاملا واحدا أجنبيا. ويشير في ذات السياق إلى أن آخر عملية تكسير تمت في مارس الماضي، بنجاح رغم أنها استخدمت طريقة جديدة هي "التكسير على مستوى ثلاث طبقات" وهي أكثر تعقيدا، مشيرا إلى أن كل عملية جديدة تمكن من اكتساب خبرات جديدة. وبالنسبة لمسؤول المؤسسة فإن عملية التنشيط ضرورية لاستغلال الغاز الصخري ليس للاختلاف في طبيعة المحروقات التقليدية وغير التقليدية ولكن نظرا لاختلاف مكان تواجدها. فالثانية يتم استخراجها من مصدرها وليس من الآبار التي تتجمع فيها مثل الأولى، وهو ما يعني أن الفرق بين الاثنين هو تقنية الاستخراج فقط. وفي هذا الصدد أكد السيد هشام شرفي، أنه لا يوجد "أدنى شك" في أن الخبراء والعمال الجزائريين "جاهزون اليوم للعمل على استخراج الغاز الصخري".