تزخر الجزائر بالعديد من الثقافات التي تميز كل ولاية، ولإبراز هذه العادات التي تمثل جانبا من التراث الوطني، نظم قصر الثقافة مفدي زكريا تظاهرة فن الطبخ الجزائري لإحياء التراث الوطني الذي يعكس هويتنا الحضارية، وكان جناح قسنطينة ضمن الموائد التي جمعت حشدا من الزوار الذين أثارهم فضول تذوق لذة الطبخ بالولاية. خلال زيارة «المساء» للمعرض كانت محطتنا الأولى جناح السيدة صوراية سليماني، التي رتبت فوق طاولتها بعض الأكلات التي تتميز بها المنطقة، إلى جانب الحلويات التي كانت تفوح من أغلبيتها رائحة المكسرات والعسل، لاطفت بها شهية الزوار الذين جذبهم دفء هذه المأكولات وطيبة أريج المائدة. استهلت صوراية حديثها بعرضها لنا أهم الوصفات التي تطبع المائدة القسنطينة دون غيرها، وكان أول طبق قدمته «الجاري» أو المعروف لدينا ب«الشوربة بالفريك». وأشارت أن الفرق بين هذين الطبقين أن الجاري يحضر بعنصر أساسي وبكمية كبيرة وهي الكزبرة والكرافس. والمعروف أن الشوربة هي حساء الخضار إلا أن الجاري القسنطيني يخلو من الخضار على غرار البطاطا والكوسة والجزر وإنما تحضر فقط من البصل واللحم والطماطم. إلى جانب أطباق أخرى، تحضرها العائلة القسنطينية خلال الأعياد التي تعد بكميات كبيرة تجمع كل أفراد العائلة في أجواء احتفالية تتعاون كل نسوة البيت في تحضيرها وتقديمها بأحسن طريقة ممكنة. ومن بين هذه الأطباق قدمت لنا السيدة سليماني شخشوخة الظفر، تريدة الكسكاس، شباح السفرة ولقمة الباي، وهذه الأخيرة هي من أرقى الأطباق بالنسبة للسكان المحليين وهو ما يعكسه اسمها الذي بات يحمل معنى عميقا لتمييز هذه الأكلة وتوضيح مدى روعتها، خاصة وأنها كانت تحضر للبايات، وهذا الطبق يجمع بين مذاقي الحلو والمالح وهو ما يعطيه تلك اللذة، ويحضر أساسا من اللحم المفروم والجوز مرقه يكون حلوا بعد إضافة العسل والسكر. كما تضاف إليه توابل القرفة والزعفران. وحسب المتحدثة، فإن أهم ما يميز المطبخ القسنطيني هو بهار الفلفل الأسود، حيث أكدت أن معظم أكلات المنطقة يضاف لها هذا التابل الذي يعد أساسيا لاستكمال روعة الطبق، حيث أن الملح والفلفل الأسود هما اللذان يعطيان المذاق الكافي لمائدة قسنطينة، وأضافت المتحدثة أنه لا داعي لإضافة توابل أخرى لتلذذ الأكلة؛ فروعتها تكمن في هذه البساطة. من جهة أخرى، يتميز البيت القسنطيني بتعدد أشكال الحلويات التي تحضر أغلبيتها أساسا من الجوز فقط أو الجوز واللوز ومن هذه الحلويات طمينة اللوز وطمينة الغرس، إلى جانب حلوة البراج التي وصفتها بلذيذة الطعم. وكشفت لنا المتحدثة عن بعض أسرار هذه الحلوى حيث قالت: إن السر يكمن في التحضير الجيد للغرس أو حشو البراج وهي بإضافة الجلجلان المحمص والمطحون على شكل غبرة دقيقة جدا تضاف إلى عجينة التمر وإضافة القرفة والقرنفل والورد المقطر والزهر المقطر». وهناك حلوى المقروط والغريبية، ويبقى خبز الدار والشريك وهي أصناف الخبز المحضرة من الدقيق الصافي فقط وتشتهر بها مدينة الجسور، تتميز «القعدة» القسنطينية بالأواني النحاسية، حيث توضع على الطاولة أو المائدة النحاسية مختلف الأطباق فوق هذه الصينيات من النحاس الأصفر، وأكبرها حجما تسمى ب«السْني»، وفوق كل مائدة مهما كان الموعد سواء الفطور الغذاء أو العشاء أو القهوة، يوضع المرش وهو آنية نحاسية تشبه القارورة وفيها فتحة صغيرة عند الفوهة وتملأ بماء الزهر وترش بها القعدة لتعطير الأجواء، إلى جانب ذلك توضع السكرّية وحاملة المناشف، وتقدم الأطباق في طقم من الأواني المتشابهة تنظم فوق المائدة على شكل هلال وتكون بذلك الحلويات والأطباق في مركز المائدة على شكل نجمة كبيرة وذلك على شكل العلم الجزائري.