ألقت الولاياتالمتحدة بكل ثقلها العسكري في العراق، تحت غطاء دحر مقاتلي الدولة الإسلامية الذين بسطوا سيطرتهم على عدة محافظات في غرب وشمال هذا البلد وأخلطوا كل الحسابات في مشهد عراقي مضطرب. وقد تعمد الرئيس الامريكي باراك اوباما، انتهاج تكتيك المرحلية في التعاطي مع مستجدات الأوضاع في العراق بدأها بعمليات انتقائية محدودة ضد مواقع التنظيم المتطرف بطائرات دون طيار، ثم إرسال أكثر من 300 خبير عسكري في مرحلة ثانية، وها هو اليوم يؤكد انه قرر تبني استراتيجية "طويلة الأمد" ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". ويبدو أن الرئيس الأمريكي لا يريد الزج بقوات بلاده في هذه المهمة وفضّل توكيل القوات النظامية العراقية وقوات البشمركة الكردية بتنفيذها، وأكد أنه سيقدم لهما كل الدعم الذي يستحقانه لخوض معاركهم ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. وثمّن الرئيس اوباما الهجوم المشترك الذي قادته وحدات عراقية وكردية ضد عناصر التنظيم في محيط سد الموصل، وتمكنت من استعادته بعد معارك مهدت لها مقنبلات أمريكية. وقال انه بإمكانهما تحقيق نتائج ملموسة في حال توحدت قواتهما على أرض المعركة . واكد في سياق هذا الابتهاج بتبنيه لاستراتيجية طويلة الأمد لقلب موازين المواجهة ضد الدولة الإسلامية، بما فيها تقديم الدعم اللازم للوزير الأول الجديد حيدر العبادي. وكانت الولاياتالمتحدة أول من مهد الطريق للقوى الغربية التي سارت في فلكها وسارعت الى اتخاذ إجراءات عملية من اجل القيام بعمليات عسكرية ضد مقاتلي الدولة الإسلامية من خلال شحنات أسلحة متطورة سلمتها تباعا للقوات الكردية. ومكنت هذه الترسانة من الأسلحة من إلحاق أول انتكاسة عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية بعد الزحف المتواصل لمقاتليها على مختلف محافظات غرب وشمال العراق، بعد أن تمكنت القوات الكردية والعراقية من دحرها في سد الموصل الذي شكلت سيطرتها عليه أكبر تهديد للسلطات المركزية في بغداد، كونه أكبر سد لتوليد الطاقة الكهربائية في كل العراق. وتواصل القوات الكردية عملية "تنظيف" محيط السد لليوم الثالث على التوالي تحت تغطية جوية ضمنتها طائرات حربية أمريكية التي قصفت مواقع التنظيم ومنصات إطلاق الصواريخ التي استولت عليها في زحفها على ثكنات الجيش العراقي. ويبدو أن الانتصار العسكري الذي حققته القوات الكردية والعراقية المشتركة شجعها لمواصلة زحفها ووجهت وجهتها منذ أمس، باتجاه مدينة تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين، في محاولة أخرى لطرد مقاتلي الدولة الإسلامية منها. وتعد تكريت مدينة استراتيجية استولى عليها التنظيم المسلح كونها تقع على بعد 160 كلم فقط عن العاصمة بغداد، وشكل سقوطها اكبر انتكاسة للقوات العراقية التي فر جنودها من مواقعهم تاركين أسلحتهم للتنظيم المتطرف. كما فتح الجيش العراقي بدعم من مليشيات سنّية مسلحة جبهة قتال جديدة في محافظة الانبار في غرب العراق، في محاولة لاستعادة السيطرة عليها ضمن مهمة يؤكد العارفون بخبايا الحرب في العراق أنها ستكون شاقة وحاسمة أيضا في تحديد مستقبل التنظيم المسلح الذي ولد من العدم، واستقوى فجأة ليتحول إلى دولة داخل دولة.