يعتبر ميناء دلس من أقدم وأجمل موانئ ولاية بومرداس، حيث يعرف بموقعه المتميز واستقطابه لأغلبية سكان مدينة دلس الساحلية، الذين اتخذوا من الصيد حرفتهم ومصدر رزقهم الوحيد، إلى جانب بعض الحرف التقليدية الصغيرة. ويطالب الصيادون، السلطات المعنية، بالإسراع في توسيعه والتكفل بمشاكله العالقة لجعله في المستوى اللائق به وتطلعات مستعمليه. يعرف صيادو" دلس" المدينة الساحلية الصغيرة الواقعة في الجهة الغربية لولاية بومرداس، باحترافيتهم وقدرتهم الفائقة في مجال الصيد والتعامل مع البحر وما يخبئه من مفاجآت لهؤلاء. ميناء دلس الذي يعتبر أقدم موانئ الولاية، إذ يعود تاريخ إنشائه إلى عهد الاستعمار، هو خير دليل على تميز صيادي هذه المدينة السياحية الجميلة، التي تسحر كل من يزورها بمناظرها الطبيعية الخلابة التي جمعت بين خضرة الجبال التي تطل من بعيد وزرقة البحر والتي زادها جمالا كرم ورحب صدر سكانها. وفي جولة خفيفة قادتنا إلى الميناء، حاولنا الاطلاع ولوفي لمحة قصيرة على يوميات هؤلاء الصيادين الذين يبقى البحر مصدر رزقهم الوحيد، إذ اتخذوا من الصيد حرفتهم توارثوها عن الآباء والأجداد.. إنها معركة حقيقة يخوضها هؤلاء يوميا مع البحر وهدفهم الوحيد هو جلب أكبر قدر ممكن من السمك وبشتى الوسائل إلى السوق. ويؤكد احد الصيادين الذين وجدناهم عائدين من رحلة صيد في يوم حار، أن الصيد لا يزال مصدر الرزق الوحيد لسكان مدينة دلس إلى جانب بعض الحرف التقليدية الصغيرة "لقد اعتنقت هذا العمل الذي ورثه أبي عن جدي ليصبح منذ سن ال 16 حرفتي وهوايتي المفضلة"، يضيف هذا الصياد الذي ترقى على مدى سنوات من صياد بسيط إلى "رايس". إن الخطر موجود في كل مكان في البحر وخارج البحر - يستطرد هذا الصياد - ففي البحر كل شيء يبقى واردا وعلى الصياد التحلي بالحذر لأن البحر كما هو كريم وسخي نجده مخادعا قد يحدث المأساة. أما خارج البحر فحدث ولا حرج، يضيف هذا الصياد، الذي لم يخف أن الصيادين يعانون من العديد من المشاكل، فبعض أصحاب قوارب الصيد يستغلون المستخدمين ولا يعطونهم حقوقهم، وعلى الخصوص، لا يصرحون بهم في الضمان الاجتماعي، والنتيجة هي أن مئات الصيادين غير مؤمنين ولا حق لهم في تعويض الدواء، إضافة إلى هذا، الأجر يعتبر زهيدا باستثناء البعض الذين يصل أجرهم من 30 ال40 ألف دينار شهريا. ويرى صياد آخر أن حقيقة مردود الصيادين في هذا الميناء في تدهور مستمر، نظرا لانخفاض كمية السمك، ويرجع المتحدث ذلك إلى نقص الوسائل وحالة الإهمال الذي آل إليها الميناء، ليضيف، ويزيد الطينة بلة، انعدام الصيانة والنظافة بالميناء وغياب الرقابة من طرف الجهات المعنية منذ سنوات مضت. وقد لاحظنا بميناء دلس، أكوام الأوساخ المترامية هنا وهنا، والتي شوهت منظر ذلك المرفق الجميل، إلا أن ما أثار انتباهنا هو تواجد عدد معتبر من الأطفال، قيل لنا أنهم يحضرون يوميا إلى الميناء لينتظروا ولساعات عودة الصيادين الذين غادروا الميناء في ساعة مبكرة، علهم يفوزون ولو بكمية من السمك ،إما لغرض إعادة بيعه أوأخذه إلى البيت وتحضير وجبة سمك، لا تسمح إمكانيات عائلاتهم بتوفيره بسبب غلاء أسعاره بالسوق الوطنية التي لم تعد في متناول الجميع. وتبقى مسألة توسيع الميناء أهم مطلب لدى الصيادين، الذين ينتظرون منذ سنوات تجسيد هذا المشروع، الذي تجسد بالموانئ الأخرى التابعة لولاية بومرداس كميناء زموري، إذ لم يعرف أي توسيع منذ تدشينه في عهد الاستعمار ولا يتسع لثلاثة أنشطة على التوالي، باعتباره يجمع بين مختلف الأنشطة الصيد البحري والتجاري وحراس السواحل، وهذا ما يؤثر على مردودية الإنتاج، إضافة إلى استغلال جزء من الميناء من طرف شركة تصدير بقايا الحديد، رغم احتجاجات الصيادين المتكررة لتخصيص الميناء للصيد فقط، باعتبار ضيق مساحته وأرضيته المهترئة، بفعل مشروع مرفأ القوس بدلس الذي يعتبر من أهم نقاط الصيد البحري على مستوى الولاية، خاصة وأن الصيادين تطوعوا لإنجازه، إلا أن الأمواج أتت على العمل الذي كلفهم خسائر جسيمة. وقد تساءل من حاورناهم بميناء دلس، عن أسباب سياسة اللامبالاة وعدم الاهتمام إزاء هذا المرفق الجميل، وطالبوا مرة أخرى السلطات المعنية، خاصة الولائية منها، بالإسراع في التكفل بمشاكل الميناء وجعله في تطلعات مستعمليه وفي مستوى المكانة التي يستحقها. ولم تكن رغبة الصيادين تقتصر على التحدث عن المشاكل فقط، بل راح بنا أحد "الرياس" عبر صوت الأمواج إلى رحلتهم مع الشبكة والسمك التي بدؤوها على الساعة الخامسة صباحا، وبابتسامة عريضة قال وهو يتأمل في قاربه الكبير " لقد كانت خرجتنا مثمرة وكنا نتوقع ذلك لأن الطقس الجميل يعتبر مؤشرا على الصيد الوافر "... أما الانطباع الذي غادرنا به ميناء دلس، فهو أن مصارعة أمواج البحر والبحث عن مصدر الرزق والتوترات والتخوف التي ترافق الصياد طيلة رحلته، تختفي بمجرد عودته إلى اليابسة ومعه أكياس السمك الذي تنسيه معاناته مع الشبكة وترسم البسمة على وجهه.