السرعة التي تم بها إبرام الاتفاق القاضي بإقامة الدرع الصاروخي الأمريكي على الأراضي البولونية يدعو إلى أكثر من تساؤل، خاصة بعد اندلاع الأزمة المسلحة بالقوقاز والتي دخلت فيها روسيا بكل ثقلها العسكري. لقد كشفت هذه الأزمة على أن صراع القطبية لم يختف وإن بدا كذلك منذ تفكك الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينيات، وفتح المجال أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية باعتبارها القوة الكبرى الوحيدة لتفرض منطقها الأمني والاقتصادي على العالم وليخترق نفوذها مناطق لم تكن لتطالها لولا المشاكل التي عاشها السوفيات وأدت إلى ما أدت إليه من استقلال العديد من الجمهوريات التي أصبحت أشواكا في خاصرة روسيا. وقد وجدت أمريكا ضالتها في هذه الجمهوريات لتبرير ما سماه الملاحظون بأنه "انتهاك لحدود روسيا القومية" وتسميه الدول التي تؤيده شراكة أمنية مع القوة العظمى اليوم تحسبا لأي تقلب في العلاقات الدولية أو ظهور عوامل من شأنها أن ترهن استقلال بعض أو كل الجمهوريات المنفصلة عن الاتحاد السوفياتي. فبالنسبة لهذه الجمهوريات يعد هذا التعاون الأمني إجراءً استباقيا وبالنسبة لأمريكا تأمين موطئ قدم أو جبهة متقدمة تحمي بها مصالحها الاستراتيجية في أبعد نقطة من العالم تحت ذريعة الخوف ومنهج التخويف.