تكرس الصراع الأمريكي الروسي على خلفية الأحداث المتسارعة في منطقة القوقاز وتوسع رقعتها إلى دول أخرى مثل بولونيا وأوكرانيا وحتى دول البلطيق التي تريد جميعها طي صفحة تاريخها الشيوعي والخروج من السيطرة الروسية إلى منطقة الولاء للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتأكدت حقيقة هذا الصراع رغم تصريحات مسؤولي البلدين على عدم رغبتهم تأجيج علاقاتهما بسبب اختلاف مقارباتهما لما يجري فيما كان يعرف بدول المعسكر الشيوعي السابق. وتسعى موسكو لأن تبقي على سيطرة ولو معنوية بطبعة تاريخية على مجموعة الدول المستقلة التي كانت تسير في ركب دولة الاتحاد السوفياتي المنهارة بينما تريد الولاياتالمتحدة كسر هذه الهيمنة ومد نفوذها إلى غاية الحدود الروسية. ولم يكن من محض الصدفة أن توقع واشنطن وفارصوفيا على معاهدة إقامة درع صاروخي فوق الأراضي البولونية تزامنا مع المواجهات العسكرية بين القوات الروسية والجورجية ضمن صراع السيادة على جمهورية اوسيتيا الجنوبية. وقال الرئيس الأمريكي جورج بوش أمس أن علاقة متوترة مع روسيا لا تخدم المصالح الامريكية من منطلق ان الحرب الباردة قد انتهت وان زمن الدول التابعة ومناطق النفوذ أصبحت في حكم الماضي. ولكن الرئيس الأمريكي وهو يسعى إلى تأكيد انتهاء فترة الحرب الباردة إلا انه كان في الواقع يؤكد من حيث لا يدري على عودة الصراع ولكن بطرق وآليات مغايرة عندما أرسل وزيرته للخارجية كوندوليزا رايس إلى العاصمة الجورجية بهدف الإطلاع عن كثب على حقيقة ما جرى في منطقة القوقاز ولكن ضمن رسالة أمريكية مبطنة باتجاه روسيا لتحذيرها من مخاطر تكرار عملية الرد العسكري الروسي على عمليات القصف الجورجية لمدن جمهورية اوسيتيا الجنوبية. وذهب الرئيس الأمريكي إلى حد استعمال لغة التهديد والوعيد ضد السلطات الروسية وقال أن العنف والتخويف لم تعد أساليب مقبولة للتعامل الدولي وما على روسيا إلا اتخاذ القرار الذي تراه مناسبا إذا كانت تريد انتهاج السبيل الذي تنتهجه الأمم المسؤولة. ولم يتأخر الرئيس الروسي ديمتري ميديفيدف في الرد على تهديدات نظيره الأمريكي وأكد أن موسكو لا تريد من جهتها تأزيم علاقاتها مع الدول الغربية.دون أن يفوت فرصة استقباله للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ليؤكد أيضا أن العلاقات مع الغرب لن تعرف الاستقرار بعد توقيع بولونياوالولاياتالمتحدة على اتفاقية لإقامة درع صاروخي فوق أراضيها وهو ما اعتبرته موسكو بمثابة تهديد مباشر لأمنها القومي. ولم يخف مسوؤولون عسكريون روس تذمرهم من الخطوة الامريكية والقبول البولوني وأكدوا أن بولونيا بمثل هذا التصرف تكون قد جعلت نفسها هدفا محتملا لضربات روسية مستقبلية وخاصة لعناصر هذا الدرع. وقال اناتولي نوغوفوستين نائب قائد هيئة الأركان للجيوش الروسية أن الولاياتالمتحدة من خلال هذا الدرع إنما أرادت حماية أمنها ولكن بولوينا بقبولها نشر هذا الدرع تكون قد عرضت نفسها لضربات عسكرية. ولم يخف المسؤول العسكري الروسي أن المذهب العسكري الروسي يسمح باستعمال السلاح النووي في بعض الحالات المحددة في تلميح إلى أن الدرع الصاروخي الأمريكي على حدود بلاده يمكن أن يكون هدفا لضربات نووية.