تشهد مصلحة جوازات السفر بمختلف الدوائر الإدارية للعاصمة ضغطا كبيرا، في الأسابيع الأخيرة للسنة الجارية، كون العديد من المواطنين يرغبون في تجديد جوازاتهم منتهية الصلاحية، والحصول على جواز سفر بيومتري جديد بطابع جبائي قيمته 2000 دينار، وليس 6 آلاف دينار المقرر العمل به بداية من السنة الداخلة، الأمر الذي خلق فوضى عارمة داخل المصالح وخارجها، تمتد إلى ساعات متأخرة من النهار، حيث لم يتمكن العمال وأعوان الأمن من التحكم في الأعداد الكبيرة من المواطنين الذين فضل بعضهم المبيت أمام مقرات الدوائر من أجل حجز مكان يسمح لهم بإيداع ملف أو عدة ملفات قبل حلول العام الجديد. لم يسبق لمصالح جواز السفر بمختلف الدوائر الإدارية للعاصمة، أن عرفت زحمة وفوضى كتلك التي تعيشها في الأيام الأخيرة من السنة الحالية، فرغم أن أغلبية المواطنين لا يسافرون إلا نادرا، وربما لا يستعملون جواز سفرهم طيلة فترة صلاحيته التي تدوم 10 سنوات، إلا أن عددا كبيرا منهم تنقلوا إلى المصلحة لتجديده أو الحصول عليه لأول مرة، مفضلين قضاء ساعات طويلة أمام الدوائر الإدارية. التسجيل ليلا في الدوائر وب 100 دينار في الدار البيضاء ... وهو ما لاحظناه في الدائرة الإدارية للدار البيضاء، التي تعتبر من أكثر الدوائر إقبالا، حيث لم تستوعب مصلحة جواز السفر العدد الكبير من المواطنين الذين عبر بعضهم ل"المساء"، عن انتقادهم للظروف التي يتم فيها تسجيل أسماء الراغبين في إيداع ملفاتهم، حيث ذكرت سيدة وجدناها في عين المكان، أنها تحصلت بصعوبة على الرقم الذي حجزت به مكانا لها، بفضل زوجها الذي قدم على الساعة الثالثة صباحا لتسجيلها، قبل أن تلتحق هي صباحا بالمصلحة، مشيرة إلى أن عملية تسجيل الأسماء على القائمة يقوم بها أحد شباب الحي مقابل 100 دج لكل واحد، إلى غاية تسجيل 150 شخص، حيث استغل الأخير الفرصة للمبيت أمام الدائرة وتسجيل كل المتوافدين عليها في وقت مبكر، في الوقت الذي يتمكن بعض المحظوظين من إيداع ملفاتهم وإتمام إجراءات الحصول على جواز السفر دون متاعب بفضل "المعريفة"، يقول أحد الشباب الذي ذكر لنا أنه التحق بمقر الدائرة على الساعة الثانية صباحا، وفاز بتذكرة عبارة عن قصاصة ورقية تحمل رقما يسمح له بإيداع ملفه، بعد أن تعذر على الكثيرين الوصول إلى مبتغاهم، حينما اختلط الحابل بالنابل وعمت الفوضى، خاصة بعد أن حاول البعض الدخول والقفز من فوق الجدار الحديدي للمصلحة التي لم تسع العدد الكبير من المتوافدين عليها من كل الفئات والأعمار، وحسب أحد أعوان الأمن، فإن التوافد يبدأ من منتصف الليل ويمتد إلى بزوغ الفجر، حيث تسجل قائمة المعنيين الذين اعتبر بعضهم أن ما يحدث "إهانة للمواطن"، كون المصالح المعنية لم تتخذ الإجراءات اللازمة لاستقبال الراغبين في الحصول على جواز سفر بيومتري أو استحداث طريقة لأخذ موعد عن طريق الأنترنت، عوض التنقل إلى مقر الدائرة ليلا. مواطنون يتساءلون.. لمَ لا الأنترنت في تحديد المواعيد؟ نفس المشهد تكرر بدائرة حسين داي الإدارية، حيث وجدنا مصلحة جوازات السفر تعج بالمواطنين، خاصة النساء اللواتي احتجت أغلبيتهن على حجز الأماكن باكرا، حيث قالت إحداهن ل"المساء": "التحقت بالدائرة على الساعة السابعة صباحا، لأنني أقطن في حي قاريدي بالقبة، غير أنني وجدت الأرقام الموزعة لحجز الأدوار انتهت"، الأمر الذي أثار غضبها، مؤكدة أمام الأعوان أنه لا يوجد من ينقلها إلى الدائرة في ساعات مبكرة، في الوقت الذي أكدت زميلتها أنها اضطرت إلى المبيت عند أقاربها بحسين داي لتتمكن من إيداع ملفها، بينما ذكر لنا كهل كان مرفوقا بزوجته، أنه لم يجد أية صعوبة في إيداع ملفه، لأنه التحق بمصلحة جوازات السفر قبل شهر من الآن وتجنب الضغط الحالي بمصلحة جواز السفر بدائرة حسين داي التي يقصدها المعنيون على الساعة ال5 صباحا لإيداع ملفاتهم، وهذا عكس ما كان معمولا به في السابق، قائلا: "كنا نتحصل على الموعد بالهاتف عوض المبيت خارج البيت للحصول على جواز السفر، خاصة أن هناك أشخاصا لا يقطنون ببلدية حسين داي ويصعب عليهم الالتحاق مبكرا بالدائرة". كما أفادت شابة أخرى بأنها ظفرت بمكان للانتظار بعد أن ناب عنها والدها الذي حجز لها مكانا في وقت مبكر، بينما التحقت هي على الساعة الثامنة صباحا لإتمام باقي الإجراءات والحصول على جوازها البيومتري لأول مرة، ودفع مبلغ 2000 دينار عوض 6 آلاف دينار التي يبدأ العمل بها في جانفي المقبل، والتي جعلت عددا من الراغبين في الحصول على جواز السفر بدائرة بئر مراد رايس يقتنون الطابع الجبائي قبل إيداع الملف، رغم أن عددا منهم لم يتمكنوا من الفوز بمكان في القائمة التي دوّنت فيها أسماء ال 270 شخص، حسبما ذكر أحد الأعوان ل«المساء" التي لاحظت تكرر مشهد الزحمة والقلق عند الراغبين في الحصول على جواز سفرهم، بعد أن قضوا عدة ساعات من الصباح الباكر إلى آخر النهار دون تناول وجبة الفطور، مثلما حدث لبعض النساء اللواتي كن مرفقات بأبنائهن الصغار، مما زاد من الفوضى، فمعظمهن يوكّل أحد أقاربهن ليدوّن اسمهن باكرا على القائمة، ليحضرن على الساعة الثامنة صباحا، بينما هناك من يمضي الليلة أمام الدائرة، حتى يتمكن من تدوين اسمه وإيداع ملف جواز السفر الخاص به، وهو ما شكل مفاجأة بالنسبة لبعض الذين ظنوا أنهم أتوا مبكرا ليجدوا القائمة أقفلت وأن عليهم انتظار يوم آخر لتدوين أسمائهم بالقرب من مقرات الدوائر التي بمجرد أن تفتح أبوابها على الساعة الثامنة صباحا، يتدافع المواطنون لدخول القاعة المخصصة لاستقبال ملفات جوازات السفر، حيث تجند أعوان الأمن والشرطة لإجبار الجميع على احترام ترتيب القائمة التي رفض البعض الاعتراف بها، لأنها ليست وثيقة رسمية وأعدت من طرف شخص ليس له علاقة بالمصلحة، وأن من حق كل مواطن أن يودع ملفه بشكل عاد دون دفع مقابل مالي حتى وإن كان رمزيا، حيث تساءل الكثير ممن تحدثنا إليهم عن سبب عدم منح المواعيد عن طريق الأنترنت أو حتى الهاتف، مثلما كان معمولا به في السابق، خاصة أن هذه الطريقة تقضي على الفوضى والمتاعب والمحسوبية. إقبال كبير وتجهيزات جديدة لم تستخدم بعد وفي تعليقه على ما يحدث، أوضح رئيس مصلحة جوازات السفر بالدائرة الإدارية للدار البيضاء، السيد منصوري جلول ل"المساء"، أن الإقبال الكبير على استخراج جواز السفر البيومتري راجع إلى ارتفاع قيمة الطابع الجبائي من 2000 دج إلى 6000 دج، مشيرا إلى أن القائمة المعدة ليلا بادر بها المواطنون لتنظيم أنفسهم، حيث هناك من يعين أحد أقاربه لينوب عنه ويحجز المكان ليلا". وخلافا لما صرح به المواطنون، ذكر المتحدث أن مصالحه لا تأخذ بهذه القائمة "نحن لا دخل لنا في ذلك، لأن عملنا يبدأ على الساعة الثامنة صباحا ولا نأخذ بعين الاعتبار الأسماء المدونة في القائمة ليلا"، بينما ذكر مسؤول الأمن بالدائرة أن المواطنين يتحملون مسؤولية القائمة المعدة وأن لمصالحه معلومات عن الشاب الذي يقوم بتدوين الأسماء مقابل 100 دينار، وأنها أبلغت مصالح الشرطة للنظر في هذه المسألة. وبخصوص الملفات المودعة، أشار رئيس المصلحة أنه يتم تسجيل 150 شخص في القائمة، تمنح لهم قسيمات تحمل رقما واحدا، لكن كل شخص يودع من 3 إلى 5 ملفات دفعة واحدة، فالأغلبية يودعون ملفات لإعداد جواز سفر لأبنائهم، ولأول مرة يكون عدد جوازات السفر المطلوبة للأطفال بهذا الحجم، حيث يتم استلام أكثر من 350 ملف في اليوم الواحد، بينما لا تتناسب الوسائل المستعملة مع عدد الراغبين في الحصول على جواز سفر جديد، منها ما تعلق بأخذ الصور والبصمات التي تم تدعيمها بآلات جديدة لمواجهة الضغط، "لكن لم يتم بعد تشغيلها بسبب مشكل تقني"، حسب السيد منصوري الذي أكد أن مصلحته تعمل طيلة اليوم إلى غاية إتمام جميع الإجراءات. في حين رفض رئيس مصلحة جوازات السفر بدائرة حسين داي استقبالنا لتقديم توضيحات عن ظروف إعداد جواز السفر البيومتري والإقبال الكبير المسجل مؤخرا، الذي أرجعه المدير العام للعصرنة بوزارة الداخلية والجماعات المحلية؛ عبد الرزاق هني، للإجراء الوارد في قانون المالية لسنة 2015 والقاضي برفع قيمة الطابع الجبائي، حيث انتقلت قدرات إنتاج جواز السفر البيومتري إلى 20 ألف وحدة يوميا، بعد أن تم تشغيل تجهيزات جديدة لمواجهة الإقبال الكبير الذي سيشهد ابتداء من الفاتح جانفي القادم لتجديد جواز السفر الكلاسيكي، الذي تنتهي صلاحيته ابتداء من 25 نوفمبر 2015، كما أعلنت الوزارة عن مناقصة لتزويد مجمل دوائر الوطن بمحطات إضافية، لتخفيف ضغط الطلب المتزايد على جواز السفر البيومتري، فضلا عن دراسة إمكانية طلب إرفاق ملف جواز السفر بصورة بيومترية بالنسبة للأطفال من دون 12 سنة، بدلاً من تنقلهم من أجل الصورة.