ينتظر أن يتم اليوم، نشر أكثر من عشرة آلاف عسكري فرنسي في محيط المناطق الاستراتيجية والحساسة في العاصمة باريس، وكل مناطق البلاد ضمن أول إجراء عملي تتخذه السلطات الفرنسية لمنع تكرار أحداث أدمى أسبوع تعرفه فرنسا منذ عقود. وقرر الرئيس الفرنسي أمس، نشر هذا التعداد العسكري الإضافي ضمن قرار استباقي لمنع تنفيذ عمليات مسلحة ضد أهداف حساسة أو ضد الجالية اليهودية المتواجدة في هذا البلد. وتم اتخاذ هذا القرار مباشرة بعد انتهاء المسيرة الاستعراضية التي شهدتها العاصمة باريس ظهيرة الأحد، وعودة المشاركين فيها من حيث أتوا، حيث وجدت السلطات الفرنسية نفسها أمام رهان حاسم لإيجاد آليات منع تكرار أعنف عملية مسلحة تشهدها فرنسا. ويبدو أن باريس بدأت تراهن على الشق الأمني لكسب رهانها ضد خلايا متطرفة "نائمة" تسود التوقعات بأنها لن تتوانى في تكرار ما تعرضت له صحيفة "شارلي ايبدو" الساخرة والمتجر اليهودي نهاية الأسبوع الماضي، وخلّفت مقتل 17 شخصا. ويأتي ذلك بعد أن سربت مصالح أمنية فرنسية وجود قائمة اسمية لقرابة 1500 فرنسي سافروا الى العراق وسوريا من أجل " الجهاد" وتلقي تدريبات عسكرية وعاد غالبيتهم العظمى الى فرنسا. وضمن هذا الخيار الأمني فقد أعلنت السلطات الفرنسية التعبئة العامة في صفوف أجهزتها الأمنية وقوات جيشها وتم بمقتضاها تفعيل مخطط "فيجي بيرات" الخاص بمحاربة الإرهاب لضمان حماية مشددة للمرافق العمومية والحساسة لتفادي استهدافها بعمليات إرهابية جديدة. والمفارقة أن التعزيزات الأمنية تم نشرها من حول أماكن العبادة ومدارس الجالية اليهودية دون غيرها من أماكن العبادة الإسلامية رغم ان تقارير إعلامية أكدت تعرض مساجد لعمليات إطلاق نار وحرق في عدد من المدن الفرنسية. وكشف وزير الداخلية الفرنسي برنارد كازنوف، تجنيد قرابة 5 آلاف شرطي ودركي لحماية 717 مدرسة ومكان تعبّد الجالية اليهودية. وتغاضت السلطات الفرنسية عن ضمان حماية للمساجد رغم النداءات المنادية بعدم الخلط بين الدين الإسلامي والجالية المسلمة في هذا البلد وبين التطرف، وتصاعد كراهية المسلمين التي لم تعد أمرا مقتصرا على فرنسا بعد أن انتقلت عدواها الى مختلف الدول الأوروبية الأخرى التي تنظر مجتمعاتها الى المسلمين وفق نظرة نمطية على أنهم إرهابيون بالفطرة وبسبب دينهم. واعترف وزير الدفاع جون ايف لودريان، بعد الاجتماع الأمني الطارئ الذي ترأسه الرئيس فرانسوا هولاند، أنها المرة الأولى التي يتم فيها إعلان التعبئة في أوساط قوات الجيش داخل الإقليم الفرنسي، مبررا ذلك بحجم التهديدات التي مازالت قائمة. وجاءت هذه القرارات في سياق الاعتقاد السائد لدى السلطات الفرنسية بوجود خلايا إرهابية "نائمة" جعلت الوزير الأول مانويل فالس، يؤكد أن الملاحقة والتحريات الأمنية مازالت متواصلة من أجل تفكيك هذه الخلايا وتحييد عناصرها. وزادت هذه التصريحات في طغيان هاجس الخوف على الفرنسيين الذين زاد الاقتناع لديهم وسط الحملة التي تشنها مختلف وسائل الإعلام المحلية، أنهم أصبحوا فعلا مهددين في حياتهم رغم أن الوزير الأول الفرنسي، لم يؤكد بشكل قطعي وجود متواطئين مع الأخوين كواشي، اللذين نفذا الهجوم على صحيفة "شارلي ايبدو". ولكنه أصر على الإبقاء على ما اسماها ب«روح الحادي عشر جانفي"، تيمنا بالحادي عشر سبتمبر 2001 الذي عرف تفجير مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك، وكان بداية لجعل المسلمين في قلب مواجهة متجددة مع الغرب المسيحي رغم التظاهر بتفادي الدخول في متاهة صراع الحضارات والأديان.