أوقع هجوم مسلح نفذه ملثمون برشاشات كلاشنكوف وقاذف صورايخ، على مقر الصحيفة الأسبوعية الفرنسية شارلي إيبدو الساخرة في باريس 12 قتيلا على الأقل في هجوم غير مسبوق، صنف أنه الاعتداء الأكثر دموية في فرنسا منذ 40 عاما على الأقل. عاشت العاصمة الفرنسية باريس، حادثا غير مسبوق، بعدما تحول الشارع الذي تقع فيه مكاتب الأسبوعية إلى "بحيرات من الدماء" بعد الاعتداء الإرهابي الذي استهدف هذه الصحيفة وخلف مقتل 12 شخصا بينهم أشهر رسامي الكاريكاتور في الصحيفة وهم شارب وكابو وولينسكي وتينوس، كما قضى في الحادث شرطيان اثنان كانا مكلفين بتأمين المقر. وبدت تفاصيل الحادث غامضة نوعا ما، باستثناء بعض تسجيلات فيديو التقطها شهود. وتفيد المعلومات المتوفرة أن الاعتداء قد وقع في حدود 11 ونصف بتوقيت فرنسا، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن شاهد عيان: "قرابة الساعة 11,30 اقتحم رجلان يحملان كلاشنكوف وقاذفة صواريخ مقر صحيفة شارلي إيبدو الساخرة في الدائرة الحادية عشرة من باريس وحصل تبادل إطلاق نار مع قوات الأمن"، لكن شهود عيان آخرين، ذكروا أن الحادث نفذه ما لا يقل عن 5 أشخاص. وتظهر بعض المشاهد التي تم التقاطها، بشكل واضح منفذين اثنين، كانا بلباس أسود ملثمين، غادرا مسرح الجريمة حاملين معهما رشاشات كلاشنكوف، في سيارة من نوع "سيتروان سي 3" سوداء اللون كانت مركونة في الشارع، ولم يظهر عليهما الارتباك تماما، إلى درجة أن أحدهما قد واصل القتل، حتى طال أحد المصابين الذي كان ملقى على الرصيف، حيث تقدم منه أحد المعتدين وأطلق عليه رصاصة على الرأس أردته قتيلا، وكان واضحا بحسب تسجيلات الفيديو سماع هتاف رجل "الله أكبر الله أكبر" بين عدة عيارات نارية، وعبارة أخرى "لقد انتقمنا للرسول ". وعقب الحادث، تنقل فرانسوا هولاند إلى مسرح الجريمة وقال إن "هذا الهجوم إرهابى لا شك في ذلك" و"عمل وحشي استثنائي" متعهدا بملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة، في حين أعلن قصر الإليزيه عن اجتماع أزمة، وقد قرر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس رفع مستوى الإنذار في باريس وضواحيها إلى الحد الأقصى. جمعيات مسيحية ويهودية راسلت "هولاند" سابقا لوقف استفزازاتها للمسلمين الصحيفة هوجمت من قبل بالمولوتوف ومسجد باريس تابعها قضائيا في الوقت الذي أحصى تقرير الاتحاد الدولي للصحفيين 135 قتيلا من الإعلاميين طوال سنة 2014، سقطوا جميعا في البلدان الساخنة، خاصة في آسيا والمحيط الهادي، ولم يسجل ضمنهم سوى تسعة أوروبيين فقط، بدأ العام الحالي أسودا على الصحافة الفرنسية التي شهدت زوال أمس، أكبر فاجعة في تاريخها بعد الهجوم الإجرامي الذي خلف 12 قتيلا، ووأضح بأن القتلة يعرفون المكان وصور وأسماء الإعلاميين، حيث هلك في الهجوم كل الإعلاميين الذين تم تهديدهم منذ سنوات، خاصة أن الصحيفة كانت سباقة أوروبيا في إعادة نشر الرسومات الكاريكاتورية الدانماركية التي هزت الأوساط الإعلامية والدينية بالخصوص عام 2006.
الفيديو الذي أعاد الصحيفة إلى الواجهة؟ منذ بضعة أسابيع، ظهر رسام الكاريكاتير الفرنسي الذي يشتغل في هذه الأسبوعية وضحية العمل الإجرامي، المدعو شارب، وهو يرتدي لباسا لا يختلف عن لباس الراحل معمر القذافي وراح يقدم نفسه على أنه يسمى عبد القادر بو شرموطة وبأنه كان كافرا يصاحب النساء ويعاقر الخمرة، ولكنه أخيرا عاد إلى رشده وأصبح من أكبر الصالحين في البلاد، يشعر بالراحة والاطمئنان بعد أن اعتنق الدين الإسلامي، حيث صار يتمتع بقطع الرؤوس وذبح الأطفال والنساء إضافة إلى تطرقه للجنس بالخصوص، وبالرغم من التحذيرات وموجة الغضب على الصحيفة التي كانت تشير بإساءتها للإسلام وليس للإسلاميين، وجاءت هذه التحذيرات من جمعيات فرنسية إلا أن الصحيفة المحسوبة على الإعلام الساخر، جعلت موضوعها المزمن هو الإسلام، ومن دون توقف من رساميها الكاريكاتيريين وجميعهم في الستينات والسبعينات من العمر مثل تيغنو وكابي، واهتم شارب وهو من مواليد 1959 الذي كان ضمن المقتولين نهار أمس، في المدة الأخيرة بتقديم بشكل دائم رسومات يصوّر فيها النبي صلى الله وسلم يردّ على أسئلة محرجة حسب الرسام، تتعلق بزواجه من عائشة وهي طفلة، وتعدد الزوجات وتحريم الخنزير، ولكن بطريقة فضيعة، لا يمكن حتى التحدث عنها، وبالرغم من المراسلات العديدة من جمعيات يهودية ومسيحية فرنسية رأت بأن الصحيفة الأسبوعية بالغت في عدائها للمسلمين واستفزازهم، وهي تعرض الإعلاميين جميعا للخطر وتنشر الفتنة في المجتمع الفرنسي، إلا أن الرئيس فرانسوا هولاند وعد بدراسة ذلك، ثم اكتفى بتوفير الحماية للجريدة فقط.
الصحيفة هوجمت بالمولوتوف قبل أربع سنوات بعد مرور عشر سنوات، منذ نشر الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، في الصحيفة الدانماركية جيلاندس بوستن، التي تعود أولى نشرياتها إلى سبتمبر من عام 2005، قبل أن تعيد صحف نرويجية بداية 2006 نشر هذه الرسومات، وكانت شارلي إيبدو أولى الصحف خارج الدول الاسكندنافية من أوربا التي أعادت نشر هذه الرسومات الساخرة والإباحية أيضا، ثم حملت المشعل وحدها، حيث واجه الموقع الخاص بالجريدة في نوفمبر من عام 2011 قرصنة نسفته، ووضعت مكانه صورة مكةالمكرمة وكتابة لا إله إلا الله، لكن بائعي الصحف في فرنسا أكدوا أن الصحيفة التي هوجمت بالمولوتوف، عرفت رواجا بعد ذلك من المفضوليين .. وهي الصحيفة التي ظهرت للوجود في عام 1969 وعانت دائما من المشاكل المادية التي أدت إلى هجرة أقلامها، ولكنها منذ أربع سنوات عادت للأضواء وجعلت الإسلام هو موضوعها الأول، وعندما هوجمت بالمولوتوف تلقت زيارة وزير داخلية نيكولا ساركوزي كلود غييون لمقرها وتضامن الوزير الأول واستعداد رئيس بلدية باريس لأجل مساعدتها في إيجاد مقر جديد للصحيفة،.يذكر أن الصحيفة سجلت في فيفري 2006 رقما قياسيا في السحب لم تحققه من قبل ولا من بعد عندما أعادت نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم حيث باعت حينها بعد طبعتين قرابة النصف مليون نسخة، وهي التي لم يزد سحبها في أحسن أحوالها عن 50 ألف نسخة، وكان مسجد باريس وجمعيات مسلمي فرنسا ورابطة العالم الإسلامي قد تابعوا الصحيفة عام 2007 بتهمة الإساءة للدين الإسلامي.
محللون يقولون إن فرنسا تجني ثمار مساهمتها في إسقاط أنظمة حاربت الإرهاب "أنت تدفعين ثمن سياستك الخرقاء في الوطن العربي" يجزم متابعون للملف الأمني والاستراتيجي أن الاعتداء عل مقر شارلي إيبدو، هو نتاج طبيعي لسياسة فرنسا القائمة على "إسقاط الأنظمة" التي كانت تحارب الإرهاب، وذكروا أن يد فرنسا قد احترقت بما أنتجته. قال مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية بجنيف، رياض الصيداوي، ل "الشروق"، إن الاعتداء الذي حصل مرفوض بغض النظر عن توجهه الفكري والسياسي، لكن الأمر الواجب التنبيه إليه، أن الذي حصل نتائج لتراكمات كانت فرنسا متسببة فيها. ويشرح الصيداوي فكرته بالقول: "فرنسا وحلف الناتو قاما بتغيير أنظمة عربية مستقرة كانت تواجه الإرهاب بشكل فعال، والآن وبعد سقوطها تغول الإرهاب في ليبيا وسوريا والعراق". وبخصوص تداعيات الحادث وإمكانية إحداث تغير في الاستراتيجية الفرنسية، توقع محدثنا أن تتجه باريس إلى إعادة إقامة تنسيق أمني استخباراتي مع عدد من الأنظمة في الشرق الأوسط وتحديدا سوريا، وذكر في الخصوص "لا يمكن محاربة من يحارب الإرهاب، وسوريا تقوم بمحاربة الإرهاب ومحاربتها تعني إتاحة الفرصة للطرف الآخر"، أما عن تداعيات الحادث على المستوى الداخلي فقال عنه: "المستفيد ستكون الأحزاب والتنظيمات اليمينية المتطرفة". ويتفق مدير مجلة إفريقا آسيا، ماجد نعمة، مع الطرح السابق، وقال ل "الشروق": "لا يمكن لأي جهاز أمني في العالم أن يوقف عملية إرهابية رغم الاحتياطات التي يتخذها، لأن الخلايا النائمة صار من الصعب تعقبها بعد وقف عمليات التنسيق الأمني كما هي الحال مع تونس بن علي أو مع نظام بشار الأسد". ويؤكد ماجد نعمة كذلك، أن فرنسا قد ضربت عندما عملت على زعزعة استقرار الدول في المنقطة العربية، ليخلص: "هذه هي نتائج السياسة الخرقاء لفرنسا".
التنظيمات الإسلامية تدين الحادث وتؤكد: "عمليات القتل إرهابية وليست إسلامية... ونطلب الحماية من الدولة الفرنسية" دانت التنظيمات الإسلامية في فرنسا وخارجها، الاعتداء على مقر صحيفة شارلي إيبدو في العاصمة الفرنسية باريس، وحذرت من إمكانية تعرض المسلمين لاعتداءات انتقامية كرد فعل على ما حصل. قال عميد مسجد باريس، دليل بوبكر، في حديث ل "الشروق"، إنه يستنكر بشدة الاعتداء الإرهابي على مقر شارلي إيبدو، وسجل: "نتجه الآن- الحديث جرى في حدود الثانية زوالا- في موكب كبير من السيارات إلى مقر الجريدة تعبيرا منا عن تضماننا معهم في الحادث الأليم الذي تعرضوا له". وبعد إدانته الحادث، أكد أن الجالية المسلمة بريئة تماما مما حدث، وقال: "الإسلام ضد العنف وضد الإرهاب، الإسلام والمسلمون في فرنسا متضامنون ومتسامحون مع جميع مكونات المجتمع الفرنسي... لسنا عدائيين ولم نكن كذلك ولن نكون". وتابع، في ذات السياق: "كعميد لمسجد باريس، نحن فخورون بإسلامنا، ونحن فخورون بالجالية المسلمة التي يعرف عنها التسامح والتآخي"، ونفى دليل بوبكر وجود قلق لديه، من إمكانية تعرض المسلمين لاعتداءات انتقامية بعد الحادث، وأوضح: "نحن لا نخاف لأننا لسنا مثار شك أو اتهام ". رئيس مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا عبد الله زكري، أكد وجود حالة قلق عارمة لديه خشية تعرض المسلمين لاعتداءات عنصرية، وقال ل "الشروق": "هنالك أطراف سياسية وإعلامية تقوم بنشر الفتنة في فرنسا، عبر توجيه تهم مجانية في حق المسلمين، وما هي سوى تهم ملفقة في حقنا"، وتابع: "على السلطات الفرنسية أن توفر حماية كافية لنا... هذا الأمر ضروري حالا لأننا نتعرض لتهديدات حقيقية"، وشجب ما حصل بالقول: "الحادث إرهابي وليس إسلاميا".
منسق حركة المواطنين الجزائريين بفرنسا عمر آيت مختار يؤكد: "الهجوم البربري لا يخدم سوى المتطرفين الإسلاميين وعنصريي اليمين" قال منسق حركة المواطنين الجزائريين بفرنسا عمر آيت مختار إن الهجوم على مقر مجلة شارلي ايبدو لا يخدم سوى المتطرفين في فرنسا سواء الإسلاميين أو المتطرفين العنصريين من اليمين الفرنسي. وأوضح عمر آيت مختار في تصريح ل"الشروق" تعقيبا على الهجوم الذي تعرض له مقر المجلة الفرنسية الساخرة شارلي ايبدو، أن الاستفزاز جاء من أطراف متعددة، وآخرها كتاب المدعو إريك زمور، وأوضح أن الذعر قد انتشر في أوساط الجالية الجزائرية، خصوصا في ظل اختلاط السياسة بالدين مثلما يفعله بعض الانتهازيين.