المسلحان هتفا: "الله أكبر".. "انتقمنا للنبي محمد" أسفر الهجوم المسلح الذي استهدف مقر مجلة "شارلي إيبدو" المعروفة برسوماتها الكاريكاتورية الساخرة في قلب العاصمة الفرنسية باريس، وتحديدا في الدائرة الحادية عشرة، عن سقوط 12 قتيلا، على رأسهم مدير المجلة وتسعة صحفيين من بينهم أربعة رسامين كاريكاتوريين يعدون من أعمدة الجريدة، خاصة الرسام كابو، بالإضافة إلى إصابة ثمانية آخرين بجروح من بينهم أربعة في حالة خطيرة. كانت الساعة الحادية عشرة والنصف قبل منتصف النهار، عندما تعرض مقر مجلة “شارلي إيبدو”، الكائن بالدائرة الحادية عشرة في قلب باريس، إلى هجوم برشاشات “كلاشنيكوف”. ونفذ الهجوم شخصان ملثمان يرتديان بدلة سوداء تشبه تلك الخاصة برجال الكوموندوس، وتزامن الاعتداء المسلح مع الاجتماع الأسبوعي لتحرير المجلة، بحضور المدير وجميع الصحفيين، حيث تم إطلاق النار بشكل كثيف لمدة خمس دقائق فقط واستهدف الشرطي المكلف بحراسة مجلة “شارلي إيبدو”، إلى جانب شرطي آخر قتل بعد أن قام بملاحقة المسلحين في الشارع، وقبل أن يركبا سيارة سوداء اللون من نوع سيتروان بشارع الكولونيل فابيان، وهي السيارة التي تركاها في الدائرة التاسعة عشرة، وتحديدا بباب بونتان أين استوليا على سيارة خاصة لأحد المارة الذي توسلهما لترك كلبه الذي بقي على متن السيارة، حسب تصريحات شهود عيان وسمحا له بأخذه. استياء وتعجب من ناحيته، عبر سيرج ديفريسي، وهو مدير الوكالة العقارية في بلدية باريس، عن حزنه وغضبه الشديدين بعد مقتل صحفيي “شارل إيبدو” وشرطيين. وقال ديفرسي في حوار مع فرانس 24 قرب مكان وقوع الحادث: “كان مقر الصحيفة محروسا من طرف الشرطة على مدار الساعة. لكن منذ شهر ونصف على الأقل، تم تخفيف الحراسة ورحلت سيارة الشرطة التي كانت متواجدة أمام المقر وأصبحت الشرطة تقوم فقط بدوريات تفقدية مِنْ حين إلى آخر”، معربا عن أسفه إزاء قرار تخفيف الحراسة المفروضة على مقر الجريدة الساخرة. وتساءل المتحدث: “كيف تمكن إرهابيون عبور باريس ومعهم أسلحة ثقيلة وقتل صحفيين ثُمَّ الفرار دون أن تتمكن الشرطة من توقيفهم أو إلقاء القبض عليهم بالرغم من وجود خطة “ فيجي بيرات الأمنية؟”. وقال شهود إنهم سمعوا المسلحين يهتفون “انتقمنا للنبي محمد”، و”الله أكبر”، باللغة العربية. وبينما أفادت تقارير، أول الأمر، أن المهاجمين اثنان، لكن وزير الداخلية الفرنسي برنار كازينيف قال بعد ذلك إن قوات الأمن تطارد ثلاثة “مجرمين”. وأعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند صبيحة أمس لدى وقوفه على مجزرة مجلة “شارلي إيبدو” بباريس عن رفع حالة التأهب إلى الدرجة القصوى. كما دعا هولاند إلى عقد اجتماع وزاري طارئ خلصت من خلاله الوزارة الأولى بعد زوال أمس إلى وضع مخطط “فيجي بيرات.. هجومات” بباريس وضواحيها، بهدف تعزيز الإجراءات الأمنية وتشديد الحراسة على كافة المعالم الفرنسية والرموز السياحية والمؤسسات العمومية والإدارات وكذا محطات الميترو والقطارات والمطارات والساحات العمومية إلى جانب أماكن العبادة. “شارلي إيبدو” تفقد نجومها وجدير بالذكر أن مجلة “شارلي إيبدو” اشتهرت على الساحة الفرنسية الإعلامية بكونها مهددة منذ عدة سنوات نظرا للمعارك التي تخوضها من خلال روسوماتها الكاريكاتورية ضد جميع الديانات، لاسيما الإسلام، وقد سبق وأن تعرض مقرها القديم الكائن في الدائرة الثالثة إلى الحرق بعد نشرها لرسومات مسيئة للرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى جانب تصدرها عنوان مجلتها “الشريعة إيبدو” خلال سنة 2011، إضافة إلى إعادة نشرها رسومات أخرى مسيئة إلى الرسول في شهر فيفري، الأمر الذي أثار حفيظة جميع ممثلي المسلمين بفرنسا، لذلك يرى بعض المختصين من رجال الإعلام والمحللين بفرنسا أن الهجوم على المجلة لم يكن مفاجئا غير أنه خلف حصيلة ثقيلة لم تشهدها فرنسا منذ تفجيرات ميترو سان ميشال في 1995. وفقدت مجلة “شارلي إيبدو” 4 من كبار رساميها، يأتي على رأسهم شارب، الذي يرأس تحرير الصحيفة منذ العام 2009، خلفًا لفرانسوا كافانا (1969–1981) وفيليب فال (1992–2009). وفي عهده، أثارت “شارلي إيبدو” الكثير من الغضب الإسلامي، بإصدارها مجموعة من الرسوم الكاريكاتورية التي تسيء للرسول. وفي 20 سبتمبر 2012، كشف شارب عن تصميمه على مواصلة التهكم على الإسلام: “إلى أن تصير السخرية من الإسلام أمرًا شائعًا، مثل السخرية من المسيحية تمامًا”. ويبدو أنه دفع ثمنًا غاليًا لهذا التصميم. أما جان كابو فبلغ السابعة والسبعين من العمر قبل أسبوع من مقتله، وهو يرسم الكاريكاتور بشخصانية كبيرة، جعلت منه رسامًا بريشة تقول أكثر من أي قلم. هكذا نعتته صحيفة “لوموند” الفرنسية، مؤكدة أن غيابه سيترك فراغًا كبيرًا في فن السياسة الفرنسية، إذ ترك “إرثًا” في “شارلي إيبدو” شكل نموذجًا للموقف الساخر. لكن هذا الموقف الساخر نفسه هو ما وضعه أمام فوهة رشاش أودى بحياته. القتيل الثالث هو الرسام جورج ولينسكي، الذي ولد في تونس في العام 1934، ودرس الهندسة المعمارية في باريس، لكنه هجرها إلى رسم الكاريكاتور في ستينيات القرن الماضي، ممتهنًا الرسم السياسي والإباحي. وفي العام 1968، خلال الثورة الطلابية في فرنسا، شارك في تأسيس المجلة الساخرة “لونراجي ويذ سيني”، وحين انضم إلى “شارلي إيبدو”، شارك الرسامين الآخرين في إنتاج سلسلة طويلة من الرسوم، بينها ما قرأ فيه المسلمون إساءة مباشرة للرسول. والرسام الرابع هو برنارد فيرلاك، المعروف باسم تينوس، المولود في العام 1957. وهو لم يقصر عمله على “شارلي إيبدو”، بل شارك في نشر رسومه في مجلتين أخريين، هما “ماريان” و”فلويد غلاسيال”، أصدر في حياته ثمانية مؤلفات مرسومة، كان آخرها في العام 2011، بعنوان: “خمسة أعوام في ظل ساركوزي” كان وجوده مؤثرًا في شارلي إيبدو، وما رضي إلا أن يكون إلى جانب رفاقه حين هاجمهم مسلحان وقتلوهم جميعًا، على خلفية نشر الصحيفة رسومًا مسيئة للإسلام.