أنهى الرئيس السنغالي، ماكي سال أول أمس زيارته للجزائر التي دامت أربعة أيام بدعوة من رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة. وكان في توديع الرئيس السنغالي بمطار هواري بومدين الدولي، رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح والوزير الأول عبد المالك سلال وعدد من أعضاء الحكومة. وإذا كانت الزيارة فرصة لتأكيد عزم الطرفين على تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما، فإنها كانت محطة تاريخية بالنسبة للرئيس السنغالي الذي يعد أول رئيس يزور مقر الطريقة التيجانية بعين ماضي، حيث تم التأكيد على عمق العلاقات الروحية والثقافية التي تجمع الشعبين. وأجرى الرئيس السنغالي خلال هذه الزيارة محادثات مع الرئيس بوتفليقة، أكد على إثرها على إرادة البلدين في بعث علاقاتهما الاقتصادية لاسيما من خلال تعزيز الاطار القانوني لتعاونهما. وقال "لقد أكدنا على الارادة في بعث العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمار"، مشيرا إلى أن السنغال "لم يواجه يوما مشاكل أو نزاعات" مع الجزائر، وأنه "يكفي إعطاء دفع لهذه العلاقات"، مذكرا بأن اللقاء الذي جمعه بممثلي القطاع الاقتصادي الجزائري العام والخاص "كشفت عن آفاق في هذا الاتجاه". وتنقل الرئيس السنغالي خلال الزيارة إلى وهران، حيث قدم له عرض حول أنشطة المجمع الوطني للمحروقات، سوناطراك، كما اطلع على منشآت بالمنطقة الصناعية لأرزيو. وبعدها توجه إلى الأغواط حيث أدى زيارة إلى مقر الخلافة العامة للطريقة التيجانية بعين ماضي (70 كلم غرب عاصمة الولاية)، حيث كان في استقباله الخليفة العام الشيخ علي التيجاني. وصرح خلالها أن "بلاده معروفة بانتماء عدد كبير من أبنائها إلى الطريقة التيجانية"، مضيفا بان "السنغال فيها ما فيها من أبناء سيدي أحمد التيجاني وذريته والمنتمين إليه، حيث كان خير مرشد وخير منفذ لتعاليم دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم". وأضاف "أشهد بكفاءة أسرة التيجانية وبأخلاقها الحميدة لذا أبيت إلا أن أصطحب معي كل أبناء الزوايا التيجانية الكبيرة المتواجدة بالسنغال من مشائخ ومقاديم". وأفاد الرئيس سال من جهة أخرى بأنه حمل رسالة شفوية من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي اعتبره "علما من أعلام العالم" إلى الخليفة العام للطريقة التيجانية، علي التيجاني على إثر وفاة والدته قبل أيام. وقبل ذلك استمع رئيس جمهورية السنغال إلى كلمة ترحيبية من الخليفة العام للطريقة قرأها أحد أتباعها، عبر له فيها عن أهمية المناسبة في استعادة ذكريات مشتركة بين الشعبين وهي قمة في النبل والتسامح ونشر رسالة الإسلام الطاهرة. ووصف هذه الزيارة ب"التاريخية" كونها أول زيارة تقود رئيسا أجنبيا إلى عين ماضي رفقة وفد رسمي وبعدد من المشايخ والعلماء، معتبرا إياها "تنسيقا وديا وروحيا بين الشعبين، الجزائريوالسنغالي"، وكذا "توطيدا للعلاقات الدينية والروحية" القائمة بين الجزائروالسنغال. وقال إنها تعكس "النفوذ القوي" للطريقة التيجانية و"انتشارها" في عموم إفريقيا والعالم ككل، إذ يقدر عدد مريديها حاليا بأكثر من 350 مليون عبر كل الدول، وهذا بفضل "بركة و ورع مؤسسها سيدي أحمد التيجاني". كما ذكر الخليفة العام ببث روح الإسلام وإستلهام الجزائر من معانيه في سبيل تدبير شؤونها وحكمة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في إرساء الحكم الراشد والسلم والوئام. وكشف الشيخ علي التيجاني عن تحادثه مع الرئيس سال بشأن تعميق السياحة الروحية من خلال تكثيف زيارات المريدين والأتباع من السنغال إلى الزاوية. وبالمناسبة، منح شيخ الطريقة التيجانية الرئيس السنغالي "إجازة الطريقة"، وهي رتبة يظفر بها المريد ممن يكون على قدر من الكفاءة والتميز. كما أهدى له أربعة كتب في الذكر التيجاني وهي "جواهر المعاني" و"كشف الحجاب" و "الفتح الرباني في ما يحتاج الفقير التيجاني" و "أحزاب وأوراد". واختتم الرئيس ماكي سال زيارته لمقر الخلافة العامة للطريقة التيجانية بالتنقل إلى القصر القديم والوقوف عند مسقط رأس مؤسسة الطريقة سيدي أحمد التيجاني، قبل أن يؤدي صلاة المغرب بمسجد سيدي محمد الحبيب التيجاني. وعموما سمحت الزيارة التي أجراها الرئيس السنغالي للجزائر ببروز آفاق جديدة للعلاقات بين الجزائروالسنغال في سياق إعادة تحديد العلاقات الثنائية متعددة الأبعاد. في هذا الاطار، أبرز الرئيس سال إرادة بلده والجزائر في ولوج عهد جديد من خلال تطوير شراكة تدر الربح على الطرفين وتكثيف المبادلات. وأكد على ضرورة إعادة صياغة إطار التعاون بين البلدين والتفتح على القطاعين العمومي والخاص للجزائريين ليتمكنوا من الاستثمار في السنغال، لاسيما في إطار مشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي اعتمدها المخطط التنموي السنغالي المصادق عليه مؤخرا. وكانت زيارة الرئيس السنغالي خطوة أولى في هذا الاتجاه إذ تم التوقيع على اتفاق لإنشاء شركة مختلطة لانتاج المستلزمات الطبية بين المؤسسة الجزائرية للصناعات الطبية-الجراحية (IMC) ونظيرتها السنغالية (كارفور-ميديكال) لإنجاز مصنع بدكار قيمته 9 ملايين أورو. وكانت الزيارة فرصة للحكومتين الجزائريةوالسنغالية للتأكيد على ضرورة تعزيز الاطار القانوني لتعاونهما مع الحرص على تذليل العقبات بغية بعث حركية الاستثمار والتجارة والمبادلات الاقتصادية بين البلدين اللذين يتقسمان نفس المبادئ في إطار مبادرة تنمية إفريقيا "النيباد" ويعملان معا على تسوية الأزمة في شمال مالي وفي ليبيا ومكافحة الارهاب في منطقة الساحل. في هذا الصدد، أشار الرئيس السنغالي بعد لقائه بالرئيس بوتفليقة أن هذا الأخير "يعرف مالي حق المعرفة و تحليله الدقيق للوضع ساهم في كل الأحوال في إعطاء بعد آخر للقراءة التي يجب تقديمها بخصوص هذا النزاع وكذلك الأمر بالنسبة لليبيا". كما ذكر بأن الرئيس بوتفليقة "الذي طالما ناضل من أجل القومية الإفريقية يعتبر من بين مؤسسي النيباد".