المسلّم به أنّ العروق تجري فيها الدماء، لكن هناك نوع من البشر يجري في عروقهم الجشع، فهو متنفسهم وهو حياتهم، وبدونه سيكون الفناء. هذا ما ينطبق على المضاربين الذين ينتهزون الفرص والمناسبات كل عام، ليتفننوا في السرقة المقننة والابتزاز. إن ارتفاع أسعار الخضر والفواكه أياما فقط قبل حلول شهر رمضان ليس جديدا، لكن هذا لا يمنع من التذكير به مع حلول كل شهر رمضان. فكما هناك محسنون ينتظرون الشهر الفضيل ليضعوا أموالهم تحت تصرف المعوزّين والمحتاجين ويتسابقوا إلى كسب الحسنات،، هناك فئة أخرى تنتظر شهر رمضان من أجل الكسب غير المشروع عن طريق المضاربة وابتزاز المواطنين بدون رحمة. والغريب أن كلّ المجتمعات تشهد انخفاضا في الأسعار خلال المناسبات التي يكثر فيها الاستهلاك، إلاّ عندنا فإنّ العكس هو الذي يقع، فكلما اتسعت دائرة الاستهلاك وكثر الطلب أمام العرض الوفير، كلّما اتسعت معها دائرة الجشع وتفنن المضاربون في كيفية اخفاء السلع للإيهام بوجود ندرة وبالتالي اختلال موازين العرض والطلب وفرض السعر الذي يلهب جيوب الصائمين. حقيقة أن الدولة لا يمكنها أن تتدخل إلا بشأن أسعار السلع المدعمة، في حين تبقى أسعار باقي السلع حرة، لكن يبقى ضابط آخر بإمكانه أن يصحح هذا الاختلال هو ضابط الضمير والأخلاق اللذين بإمكانهما أن يغيّرا هذا الوضع الذي يتكرر مع كل رمضان.