تحتضن قاعة المحاضرات الكبرى بجامعة بوزريعة يومي 23 و24 فيفري الجاري، فعاليات الملتقى العلمي الدولي "إشكالية الجسد في الفكر الفلسفي والجمالي"، من تنظيم مخبر الجماليات والفنون والفلسفة المعاصرة بالتعاون مع المدرسة العليا للفنون الجميلة، وتناقش في إطار أكاديمي، أبعاد حضور الجسد كمحور محرك في السلوكات والثقافات والمعتقدات والفلسفات والعقل، ومنه تستوجب قراءة فلسفية معمقة، خاصة أن الدراسات في القرن ال21 أعطته عناية واهتماما غير مسبوق. يرى القائمون على الملتقى أن الجسد شكّل في مختلف الثقافات تمثلات أنتروبولوجية، إثنية وروحانية تتحكّم فيها ثقافات الشعوب سواء المتقدمة أو التي هي في طور النمو، وقد سعى الباحثون إلى فهم الإنسان وكينونته من خلال التركيز على مفهوم الذات، والوقوف على المؤثّرات في شخصيته، سواء البيئية منها أو الاجتماعية، واتفقت أغلب التحليلات على أن كل ثقافة تؤسس لمفهوم ديني عن الجسد، كما أن كل ثقافة تختزن مفاهيم وتصورات فلسفية عن موضوعة الجسد. ويضيف المنظمون أن أول توصيف للجسد يبدأ من قصة آدم وحواء عليهما السلام، واكتشاف الجسد العاري "فبدت لهما سوءاتهما"، إنه بمجرد المخالفة يكتشف الإنسان عمق الخطأ والجزاء، تكشفت عورتا آدم وحواء وبفطرة سليمة طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، هذه الحالة الغريزية التي جبل عليها الإنسان تمنع من كشف سوءته للآخر، وعمل الإنسان البدائي على التعبير بلغة الإيماء والإشارة والحركة للتعبير عن رغباته وحاجياته، عن فرحه وحزنه، فاستخدم الرقص والإشارة، لأنه لم يكن يمتلك لغة للتخاطب، وكانت لغته التواصلية الوحيدة؛ إحساس حركي شعوري نابع من النفس، فحركة الجسد هي ما تعكسه النفس فطريا. خلقة الجسد ليست واحدة لدى جميع أفراد النوع الإنساني، - حسب ورقة تقديم الملتقى - إذ تنطوي على ضروبٍ من الاختلاف والتنوع والتباين، مما يجعل من اختلافها وتنوعها سمة مميّزة لها، ومن هنا لا وجود للخلقة الكاملة الخالصة، المنزهة عن النقص وضروب الفساد في الحياة الدنيوية، لعلة انطوائِها على مزيجٍ متناقض من عناصر الجمال والقبح والنقاء والفساد، وعدّ الجسد العاري عيبا وعورة في الكثير من الديانات، ونظر إلى العورة على أنها نقص، وإشارة إلى عدم الكمال، وهناك من يرى أن الجسد العاري له عيوبه أكثر من عيوب الجسد المستتر، فكلما كان اللباس خافيا أعضاء الجسد عن حاسة العين قلّت عيوبه، ناهيك عن أن عُريّ الجسد يكشف مواطن القبح فيه، على اعتبار أن الجسد الكامل جماليا غير موجود. لكن في الثقافة الغربية في نظر منظمي هذا الملتقى- كان لتعرية الجسد منظومة فكرية تؤطره بين المقدس والمدنس، جعلت الغرب يرجع إلى أصول قديمة للبحث، فحفر في ذاكرة الكوميديا انطلاقا من تجلياتها الأولى في المسرح اليوناني التي انحدرت من الأناشيد الإحليلية وبلغت نضجها مع أرسطوفان، وصولا إلى كوميديا البولفار، واعتبر الجسد في الفكر المعاصر أحد الوسائل الأساسية لتعبير الذات عن تخارجها، إذ أنّه "عن طريق جسدي أفهم الغير، مثلما عن طريق جسدي أيضا أدرك الأشياء". فالجسد هو ما يجعل الذات ذاتا وموضوعا في الوقت نفسه، كما أنّه سيعير أداة الأنا في فرض أناها وتصوّراتها في الخارج، بل وتغيّر شروط واقعها وأنساقه المختلفة لتستطيع مواجهة إشكالياتها المختلفة، من هنا ترتبط تعبيرية الجسد البشري بسلوك هذا الجسد نفسه وحركاته، ووظائفه، وبينهما وبين الجنسية واللغة، فهو إذن موطن المعنى ومكان ولادته، كما أنّه أداة الدلالة التي تخرج الذات من ذاتها، ولعل القرن الواحد والعشرين هو القرن الذي سيحتل فيه الجسد في الدراسات الإنسانية اهتماما كبيرا، بعد إدراك المدارس الفكرية المختلفة لمدى تغييبه في العصور الماضية، ولعلّ ظهور جمعيات حقوق الإنسان، واهتمام المنظمات الدولية بأمره، يبرهن على مدى ما حظي به الجسد الإنساني من ردّ الاعتبار. للإشارة، يشارك في الملتقى باحثون وخبراء من الجزائر، تونسولبنان، وسيفتتح بمعزوفة موسيقية من أداء طلبة المعهد الجهوي للتكوين في الموسيقى وبكلمات ترحيبية للمنظمين، منها كلمة رئيس اللجنة العلمية للملتقى، منسق الأعمال الدكتورة جاري جويدة. تخصّص الجلسة العلمية الأولى لمحور "الجسد والفنون وتمثيلات الجسد" ويترأسها الدكتور بوقاف عبد الرحمان، ومن المتدخلين فيها الدكتور خالد البحري من جامعة القيروان بمحاضرة عن "إمكانيات تجاوز اختزال الجسد في مقولة التعري والتخفي"، وفي نفس الجلسة مداخلات أخرى عن "الجسد الخطاب والتمثلات"، "الجسد البشري في الراهن" و"الجسد في السينما العربية". الجلسة الثانية مخصّصة لمحور "الجسد والسلطة والمجتمع" برئاسة الدكتورة جاري جويدة وتتضمّن "لغة الجسد بين الحجب والتعري"، "الجسد، أي جسد"، "موت الجسد" و"المرأة في المخيال الذكوري"، أما محور الجلسة الثالثة، فخاص ب"الجسد في الفلسفة العربية والإسلامية" برئاسة الدكتورة نعيمة الحاج عبد الرحمان وتتضمّن "الجسد عند ابن سينا"، "الجسد المتألم عند أبي بكر الرازي"، "تحديات لتصدعات جسدي" و"تأملات فلسفية في أنثوية الجسد بين الدين والفن"، أمّا الجلسة الأخيرة من اليوم الأوّل للأشغال فخاصة ب"الجسد في الفلسفة الحديثة والمعاصرة" برئاسة الدكتور أحمد كيشي، وفيها "الجسد وإشكالية التعبير عند موريس ميرلوبونتي"، "من جماليات الروح إلى استطيقا الصيروة محاولة في معنى الجسد عند نتشه"، "الجسد من فيورباخ إلى ميشال أونفري، الفلسفة المضادة تتجلى جسدا" و"الوعي المتجسد نحو كوجيتو جديد لدى ميرلوبونتي". تنظّم الجلسة الخامسة في اليوم الموالي برئاسة الدكتور نور الدين جباب، ومن ضمن ما تضمّه محاضرة عن "جدلية العلاقة بين العقل والجسد في الفكر الفلسفي" و"من الجسد كإدانة إلى الجسد كقيمة"، فيما تخصّص الجلسة الأخيرة لمحور "الجسد والمقدس" ويديرها الدكتور عبد المجيد دهوم، تشارك فيها الدكتورة سمين رشيدة من تونس ب"الجسد الأنثوي بين المراقبة والعقاب"، الدكتور عفيف عثمان من لبنان ب"جسد الفيلسوف ينبوع الملذات والألم" والدكتورة نجاي فاطمة الزهراء من المدرسة العليا للفنون الجميلة ب"المرأة بين الرغبة الجنسية والترويض" .