ينتظر أن يجد وزراء خارجية الدول العربية، خلال اجتماعهم يوم غد بمقر الجامعة العربية، أمام تحديات كبيرة لإعادة تشريح الراهن العربي الذي سيحتم عليهم أيضا إعادة النظر في قوانين الجامعة العربية التي لم تعد تتماشى وتطورات دولية وإقليمية متسارعة. وحتى وان أقر نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية بأن كل الوزراء العرب الذين تحادث معهم في المدة الأخيرة أيدوا فكرة تعزيز الأمن القومي العربي إلا أن هذه القضية الإستراتيجية تبقى رهينة إعادة تكييف نصوص إنشاء أول تكتل عربي قبل سبعة عقود، والتي أصبح الكثير منها لا يتماشى مع واقع دولي وعربي مغاير لذلك الذي عرف فيه ميلاد الجامعة العربية سنة 1945. وأشار العربي، خلال كلمة ألقاها أمس، أمام المندوبين الدائمين للدول العربية الى ضرورة المصادقة على ميثاق جديدة للجامعة العربية والذي يتطلب مصادقة 7 دول أعضاء حتى يدخل حيز التنفيذ. ويمكن القول بالنظر الى التطورات التي عرفتها مختلف البلدان العربية خلال السنوات الأخيرة فإن وزراء الخارجية العرب سيجدون أنفسهم يوم غد أمام خيار وحيد لإحداث تغير نوعي وجوهري في طبيعة عمل الجامعة العربية، يأخذ بعين الاعتبار آليات التكيّف مع واقع مفروض بسبب تغير السياسات الدولية التي ألقت بظلالها على المنطقة العربية، وأيضا بسبب التطورات التي فرضتها رياح التغيير العنيفة التي عرفتها العديد من دولها وانعكست بشكل مباشر على كل المنطقة العربية. فبدلا من أن تكون الدول العربية طرفا فاعلا في تحولات تخصها قبل غيرها إلا أنها وجدت نفسها في دوامة صراع قوى أجنبية حريصة على الدفاع عن مصالحها في منطقة هي قلب العالم، وأغناه بمختلف المواد الإستراتيجية للاقتصاد العالمي. وأكدت الأحداث المأساوية في سوريا والعراق وليبيا وحتى في اليمن، أن الدول العربية بقيت في موقع المتفرج على واقع يعنيها قبل غيرها وهو ما شجع قوى إقليمية طامحة لقيادة المنطقة على لعب دور أكثر فعالية من الدور العربي الذي بقي مهمشا الى حد الآن. واستقواء إسرائيل الى الحد الذي جعلها تتحدى كل المجموعة الدولية بمواصلتها سياسة الاستيطان وتدمير المعالم الدينية في القدس الشريف وتدنيسه، إلا اكبر دليل على تراجع الدور العربي في القضية الفلسطينية التي تعتبرها كل الأنظمة العربية أنها قضية محورية في صراعها مع الاحتلال، ولكن الفلسطينيين وجدوا أنفسهم "لوحدهم" في مواجهة قوة احتلال استيطاني رهنت كل فرص لإقامة الدولة الفلسطينية ووضعت الشعب الفلسطيني أمام مصير مجهول. وهي قضايا وغيرها ستفرض نفسها على قادة الدول العربية خلال قمتهم القادمة نهاية الشهر الجاري بالعاصمة المصرية، بما يحتم عليهم رفع التحدي الذي يفرضه الواقع العربي المتردي الذي أصبح ينذر بانفراط ذلك الرباط الذي حكم العلاقات العربية العربية وكان تباين مواقفها تجاه الكثير من الأحداث في الدول العربية بسبب رياح "الربيع العربي" أكبر امتحان يوشك أن يؤدي الى انقطاعه.