في هذا الحديث يستعرض سفير دولة فلسطين، السيد لؤي عيسى، حقيقة الصراع في المنطقة العربية ومساعي تهميش القضية الفلسطينية كقضية مركزية لكل العرب ضمن مخطط تفتيت الوطن العربي، وإلهائه بقضايا ثانوية وبفتن كان في غنى عنها. كما تطرق إلى عدد من قضايا الراهن العربي وتطورات القضية الفلسطينية، وآليات تحقيق أهدافها وتمكين الشعب الفلسطيني من دولته المستقلة. المساء: هل تعتقدون أن لجوء السلطة الفلسطينيةإلى الهيئات الدولية مثل محكمة الجنايات الدولية، يعتبر خيارا فعالا يسمح بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في ظل الانسداد الذي تعرفه القضية الفلسطينية؟ السفير لؤي عيسى:"معنى ذلك أنك تريد أن تقول أننا نقوم بردات فعل ليس لها رؤية مستقبلية في الصراع، ولكننا نقوم بذلك ضمن فهم لحالة الصراع نحن نتكيف من فترة لأخرى ضمن رؤيتنا لتحقيق برامجنا، ولذلك عندما تقول إنه عندما سدّت أمامنا لجأنا إلى هذه الهيئات والمنظمات ولكننا نتحرك وفق رؤى فلسطينية واضحة ضمن خطوات متتالية لمعرفة موازين القوى، وتحديد العدو من الصديق، وماذا نملك وأين نسير وما هو هدفنا ولذلك عندما لجأنا إلى الاممالمتحدة ليس ضمن منطق رد الفعل. ولا ننسى أننا اتبعنا أساليب مختلفة للدفاع عن قضيتنا بدأناها بالكفاح المسلح وانتقلنا من حال إلى حال ضمن التغيرات الموجودة في الواقع، فبعد سحب قوات الثورة إلى خطوط التماس قمنا بثورة الحجارة ولجأنا بعدها إلى المفاوضات وكان ذلك بالنسبة لنا حلقة أخرى من حلقات المقاومة لأننا نعتبر أن المفاوضات شكل من أشكال الصراع، وليست عبارة عن حالة ضعف وإنما شكل مناسب للصراع في ظل المعطيات الدولية، وخاصة بعد أن اعترف العالم بنا وأثبتنا وجودنا وانتزعنا اعتراف العالم بأن هناك فلسطين وشعب فلسطين وأن العدو قد اعترف بأنك أنت فلسطيني. ولذلك أقول إن هذه القضايا ليست قضايا عبثية لأنه حتى لجوئنا إلى الأممالمتحدة لم نكن مخدوعين في ماذا يمكن أن نحققه، لأننا متأكدون للأسف أن الولاياتالمتحدة ستستخدم حق "الفيتو" ولكن ذلك لا يضرنا لأننا نعرف ماذا سيتم بعد ذلك، وما هي الخطوة الواجب اتخاذها بعد أن تستخدم الولاياتالمتحدة حق النقض. أما القضايا الأساسية الآن فهي ثلاثة: الأولى، اللجوء إلى المحاكم الدولية لمعرفة هل هذه الهيئات قادرة كما تضمنته مواثيقها على حل المشاكل الدولية، أم أنها عاجزة ووجوها فقط للتغطية على القوى الدولية وإسرائيل ولا شيء غير ذلك. وثانيا: فنحن لدينا على الأرض 50 بالمئة من سكان فلسطين التاريخية من الفلسطينيين وهذا في حد ذاته يؤدي إلى توازن ديمغرافي وإذا حاول العدو اللجوء إلى اتخاذ أية إجراءات ضدهم فله ذلك لأننا تحت الاحتلال سواء في غزة أو القدس أو نابلس، لأن كل تصرف سيكون تصرف دولة عنصرية وهذا جزء من عملية الصراع مع الاحتلال. وثالثا: فنحن مازلنا نحتفظ بآليات صراع من خلال المقاومة الشعبية السلمية التي نراها مناسبة كآلية صراع في الظرف الحالي، وبقناعة أنه لا يوجد حكيم يصارع العدو في نقطة قوته ولكن عليه أن يبحث عن نقاط ضعفه ضمن حلقة صراع جديدة معه. لذلك يجب عندما تريد أن تناقش في قضية يجب أن تدخل في حساباتها و تفاصيلها لأنك لا تتعاطى معها بعيدا عن انتمائها في سياق التصور العام، لذلك ونحن لدينا صورة واضحة ولدينا انتماء لأننا في النهاية خلاصة هذه الأمة وموجودين للدفاع عنها مهما كانت ضعيفة ومتجزئة، ولكننا نقوم بدورنا بشكل استراتيجي لأننا نعرف ما لدينا وما علينا بالرغم مما نعانيه من مصاعب داخلية وخارجية. كما أننا ضمن منظورنا للأشياء نسير في الطريق الذي رسمناه ولسنا مغشوشين ولا مخدوعين في طبيعة هذا العالم، ولا في طبيعة الكيان الصهيوني ولا بالمنطقة العربية والتوازن الإقليمي، وهو ما يجعلنا نغيّر في أساليبنا للتعاطي مع هذا الواقع. المساء: عرف الوطن العربي ما اصطلح عليه بالربيع العربي، إلا ترون أنه أثر في جوانب كثيرة على القضية الفلسطينية وجعلها تتراجع من حيث درجة الاهتمام مقارنة مع ما يحدث في دول عربية مستها رياح هذا الربيع؟ بالتأكيد ففلسطين لو عدنا إلى التاريخ نجد أنه لا توجد إمبراطورية في العالم إلا واحتلت فلسطين، وما يحدث الآن هو استمرار تنفيذ المخطط الخارجي الموضوع للمنطقة بسبب موقعها وخيراتها وهو ما جعل الجزائر تؤكد أن فلسطين هي الإسمنت الذي يوحد أطراف هذه الأمة والتي بواسطتها نتمكن أن نثبت وجودنا والدفاع عن قضايانا والسيطرة على ثرواتنا واحتلال بقعة تحت شمس هذا العالم كأمة. ولهذا السبب كانت كل محاولات تسوية القضية الفلسطينية تتم عبر السعي الى نفي كونها قضية مركزية، ومن القضايا الاستراتيجية التي يدور حولها الصراع والترويج في كل مرة أنها عادية مثل كل قضايا المنطقة الأخرى، ولكنهم فشلوا في تحقيق مبتغاهم إلى درجة أن أحد وزراء الخارجية الأمريكية اشتكى في فترة من الفترات عندما كان يزور دولا عربية لمناقشة بعض القضايا لا صلة لها بالوضع في فلسطين، ولكنه كان يتفاجأ عندما تكون فلسطين في قائمة أولويات هذه الدول ولذلك كانت الإشكالية الأساسية بالنسبة للقوى الغربية هو كيف تتحول فلسطين إلى قضية هامشية، أو إلى قضية عادية مثلها مثل كل القضايا الأخرى. والآن في سياق عملية التفتيت التي يعيشها الوطن العربي، أو ما أسمته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس ب "الفوضى الخلاقة" بدعوى تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان للشعوب العربية، ولكننا نجد انها فتتت المنطقة وخلقت صراعات جديدة لم نكن نعرفها، صراع سنّي، علوي وشيعي سنّي وعربي كردي وآخر مناطقي وهو ما أدخل الأمة في متاهة كانت في غنى عنها، وكان من نتائجها أن خفف من درجة التركيز على فلسطين من الناحية الشكلية وليس من الناحية الجوهرية. فعندما وقف الرئيس الامريكي في الأممالمتحدة شهر سبتمبر الماضي، للتعبير عن هذه الغاية وقال لقد أثبتت الأحداث في المنطقة أن فلسطين ليست القضية المركزية وأسباب المشاكل وإنما هي قضية مثلها مثل ما يجري في ليبيا والعراق وسوريا. وحاول الوزير الأول الصهيوني أمام نفس المنبر تمرير نفس هذا الزعم عندما راح يؤكد أن كل دول المنطقة تتعرض لهجمة إرهابية ونحن ضمن هذه الدول، وبالتالي يتعين علينا أن نتوحد من اجل إيجاد تحالف جديد ضد الإرهاب. ولكن الرئيس أبو مازن، رد على الاثنين وقال إنه يتعين إذا أردنا فعلا أن نواجه الإرهاب أن نبحث في مسبباته لأن الظاهرة لا تحل بالقوة فقط وأيضا تحديد من أوجدها. وضمن المنطق الامريكي الإسرائيلي نرى أن طبيعة الصراع وتوجيهه وآلياته من الداخل ومن الخارج، تحاول أن تجعل فلسطين قضية ثانوية في الصراع مع الاحتلال عبر مخطط لإدخال كل المنطقة في صراعات لا نهاية لها، وخاصة إذا علمنا أن أشد أنواع الصراعات وأطولها تبقى الصراعات الإيديولوجية أو الدينية أو المذهبية، وعندما نرى مثل هذه الخارطة التي تفتتت فيها الأمة يمينا ويسارا إلى درجة جعلت مسؤولا عسكريا إسرائيليا يقول مبتهجا نحن الآن مرتاحين لمدة عشرين عاما نتيجة ما يجري في سوريا والعراق. فهل نستطيع أن نحقق الأمن والاستقرار والديمقراطية ومكافحة الفساد بدعم خصم هو الذي أوجد كل مشاكل المنطقة وأوجد دولة إسرائيل ويدافع عنها ويعمل على تقسيمنا من أجل أن يظل هو المسيطر بإبقاء هذه المنطقة في دائرة التخلّف ليسهل التحكم فيها. وعكس تصريح مسؤول بريطاني عندما اجتمع بالدول السبع سنة 1907، وأكد لهم أن استقرار أوروبا ومستقبلها مربوط بتخلف هذه المنطقة ومنع استقرارها، وهذا لن يتأتى إلا عبر زرع دولة غريبة فيها تكون موالية لنا وهو ما تلقفه الصهاينة وفرضوا شروطهم بأن يعطوهم كل شيء وأن لا ينتقدوهم بخصوص ما يفعلون في هذه المنطقة. كما أن هذه التبادلية في التلاعب بقضايانا من لعبة البترول صعودا وهبوطا ولعبة الدولار كذلك، وما يؤثر على اقتصادياتنا ومن ثم استنزاف دولنا واستنزاف الجيش العراقي الذي انتهى، والجيش السوري الذي يوشك على الانهيار والجيش المصري وبعيدا عن أي تدخل وأنا لا أتدخل في الشأن المصري نرى أنه في حال راح الجيش المصري فماذا يبقى لنا فهو جيش قوي وله عقيدة قتالية يقول أن عدوه في المنطقة هو العدو الإسرائيلي. والجزائر كقلعة لهذه الأمة لازالت متماسكة ومستنزفة هي الأخرى عبر حدودها مع ليبيا ومالي والنيجر. لذلك لا يجب أن نتعاطى مع المسائل ببساطة وسطحية وكأن المسائل تأتي بالصدفة بما يتطلب منا أن نكون واقعيين من أجل خدمة مستقبلنا عبر ديمقراطية حقيقية واقتصاد قوي وليس عبر افتعال صراع شامل الكل يصارع الكل التي هي في النهاية صراعات صفرية لا تؤدي الى أية نتيجة، وهو ما يحتم علينا أن نتعايش ونتعامل بأخوية وليس بإسقاط بعضنا البعض وتلك هي غايتهم. وهذه هي الحلقة الضائعة في العلاقات العربية العربية؟ هذه ليست حلقة ضائعة لأن هذا هو المطلوب كون الأمر ليس قرارا يتم اتخاذه بقدر ما هو فهم ووعي لأنه لا شيء يمنعنا من أن نتعايش مادمت صاحب القرار، ولكن عندما ترهن قرارك وتقاتل من أجل قضايا لا تعنيك تكون قد دخلت في فتنة لها نهاية والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها. بالتالي يجب علينا أن نكون كالقائد الذي يتمتع ببصيرة أبعد من أن ينظر إلى أمام قدميه. المساء: في سياق هذه الجدلية كيف ترون العلاقة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس التي انعكس التشنج بينهما إلى حد التأثير على وحدة الصف الفلسطيني ضمن شرخ قائم منذ سنوات؟ نحن نقدم اعتذارنا لهذه الأمة ونتأسف لوجود هذا الانقسام لأننا أمناء على قضية الأمة، ونؤمن في فلسطين أن معركة كل العرب تحسم في فلسطين تماما كما نؤمن أن القلاع لا تسقط إلا من داخلها. للأسف نحن أمام وضع صعب لا أريد الخوض في حيثياته ونحن نقول بالنتيجة أن الانقسام باق مادام هناك انقسام ونحن في فلسطين من حيث المبدأ ليس لنا عدو سوى العدو الصهيوني. ولن نقاتل سواه ولن نكون جزء من أزمة أو طرفا في وضع داخلي عربي مهما كان رأينا من هذه القضية وتلك. وهمنا الأساسي الآن هو كيف نوحد أداة السلطة ونضع حدا لسلطة حركة حماس في القطاع، وسلطة السلطة الفلسطينية في الضفة وبالتالي فنحن منذ سبع سنوات نعمل على تجاوز مثل هذا الوضع ولكننا لم ننجح. وهو الواقع الذي أزّم الوضع أكثر وعرقل إعادة الإعمار وجعل 60 ألف فلسطيني يبقون في العراء دون الحديث عن أزمة المؤسسات الرسمية. والعيب في كل ذلك أننا لم نتمكن أن نتحول إلى أداة واحدة ضد الاحتلال على اعتبار أن المطلوب الآن هو وضع خطة وطنية موحدة لمواجهة الاحتلال وليس برنامجين. ولذلك وبعد فشل كل المحاولات لتجسيد كل الاتفاقات الموقعة بين السلطة الفلسطينية وحرة حماس أن نتوجه إلى الانتخابات ديمقراطية من فاز بها كان له الحظ في قيادة المركب. المساء: مسألة إعمار قطاع غزة هل لها علاقة بهذا الوضع، ووجدت فيه الدول المانحة المبرر لعدم الإيفاء بالتزاماتها بدفع 5 ملايير دولار لتحقيق ذلك؟ أقول منذ البداية أن هناك نفاقا في العالم لأن إلى حد الآن لم يصلنا سوى 2 ب المئة من قيمة المبلغ المعلن عنه لأنهم يبحثون عن مبررات ويضعون شروطا. ولكننا كفلسطينيين وأمام هذا النفاق يتعين علينا أن نزيل أسباب عرقلة وصول هذه المساعدات. وهذه إحدى القضايا التي نناقشها. هم يضعون مبررات مختلفة قد يكون كلامهم مبررا ولكن الأساس في الموضوع هو أن الكيان الصهيوني وممارساته وحصاره وإغلاقه للمعابر الستة هو الذي يجعلنا ندفع الثمن كاملا ونتحمل كل شيء من اجل تحقيق الاستقلال وإقامة دولتنا. ولكن لماذا ينتظر العرب إعادة الإعمار وهم يرون 60 ألف فلسطيني في العراء ورئيس الوزراء الفلسطيني، ينتقل من مكان إلى آخر ليطلب أي شيء يمكننا أن نتحرك بفضله من أجل التخفيف عن سكان غزة بعضا من معاناتهم ولكن العرب لم يدفعوا شيئا ولسنا ندري لماذا؟ وفي المقابل نرى ملايير الدولارات التي تنفق في مختلف الفتن الحاصلة في مختلف البلاد العربية، وملايير الدولارات تنفقها إسرائيل وأمريكا واليهود لتهويد القدس وطمس معالمه. المساء: العدالة المصرية اعتبرت كتائب عز الدين القسام تنظيما إرهابيا؟ هذا شيء مؤلم ولكن إذا كان المصريون يعتبرون الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا وهو وفق هذا المنطق يتهمون كل من يرتبط بهؤلاء بأنه إرهابي ونحن نبذل كل جهودنا وكل إمكانياتناللقول إننا نحن فصائل عمل وطني ومقاومة وبندقيتنا لن توجه سوى ضد العدو الصهيوني، ويجب أن نزيل مخاوف إخواننا المصريين ونؤكد لهم أننا نحن جزء من الحالة المصرية ولسنا جزء من الحالة الداخلية المصرية. المساء: ما تعليقكم على استقالة المحامي الكندي ويليام شاباس، من على رأس لجنة التحقيق الأممية في مجازر قطاع غزة الصيف الماضي؟ طبعا هذا أمر متوقع لأن هذا جزء من المعركة، فالقاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون، قبل مهمة مماثلة قبله شاباس ثم استقال. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قال لن نسمح ولن نرضى بمحكمة الجنايات الدولية وهو أمر متوقع جدا وكنا ننتظره. ولكننا نقول للعالم إذا كانت هذه المنظمات الدولية منظمات محايدة ولها قوانينها للقيام بالتحقيق في هذه القضايا كما هو منصوص عليها في مواثيقها، فنحن نضع العالم أمام مسؤولياته من خلال هذه الآليات واستقالة هذا المحامي هو دليل على حالة الضغط الخفي لمنع هذه المنظمات من القيام بدورها، ولذلك فالصراع قائم وسيتواصل على كل المستويات.