ككل سنة يحلّ علينا شهر أوت، شهر الراحة بالإجماع، حيث تحلو الراحة والاستجمام بعيدا عن القلق والضغط الذي يصاحبنا في الأشهر الأخرى، فهل هناك مكان للقراءة في هذه الفترة من الزمن وفي هذه الأجواء المليئة بالخمول بعد تعب طويل؟ هل يقرأ المواطن الجزائري في فصل الصيف وهوالمتهم أنه لا يقرأ إلا قليلا في كل الفصول والأوقات؟ للإجابة عن هذه الأسئلة زرنا بعض المكتبات في العاصمة وكذا المكتبة الوطنية للتقرب أكثر من مشروعها المستمر "المكتبات المتنقلة" وطرحنا أيضا هذا التساؤل على القارئ الجزائري المتنوع، ونحن نعد الأيام الأخيرة لشهر أوت. أول محطة كانت لنا في المكتبات بالعاصمة، "فضاء نون" حيث قال لنا ممثلها أن مبيعات الكتب في انخفاض محسوس مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، علاوة على الانخفاض الذي يسجل في الصيف، ومع ذلك تحقق ثلاثة كتب، روايتان وكتاب عن التاريخ نفس نسبة المبيعات منذ صدورها وهي: " اصطدام بين الحضارات لمصعد ساحة فيتوريو" لعمارة لخوص، "صلاة المورسكيين" لعدلان ميدي، "التصفية العرقية للفلسطينيين" ليان بابي، بالاضافة إلى "دليل الجزائر"، مضيفا أن المبيعات هذه السنة تدهورت بشكل واضح جدا وأنه من الصعب تحديد نسبة القراءة في كل الفصول مطالبا السلطات المختصة بتسطير سياسة عامة للكتاب، لأن هذا المنتوج الأدبي والفكري والعلمي هو بمثابة المنقذ الحقيقي للبلاد. المحطة الثانية كانت مكتبة "الوعي" إذ صرحت ممثلة عنها بأن معدل القراءة لهذا الصيف تضاءل كثيرا ويعود حسبها إلى أن معظم القارئين الذين كانوا يتوافدون إلى المكتبة هم من خارج العاصمة وهم حاليا في عطلة، مضيفة أن العاصمة تفرغ في الصيف، أما عن اأثر العناوين المباعة في الصيف فأكدت المتحدثة أنه كتاب "تحفة العروس" الذي يقدم هدية للعرسان الجدد يأتي بعده المصحف الشريف بالعربية والفرنسية بالنسبة للسياح ومن ثم كتب أخرى ككتب الطبخ وكتب التنمية البشرية والكتب الدينية. أما عن ممثلة مكتبة "ميلفاي" فقد عبرت عن تحسرها من هجرة الشباب للمكتبات، مؤكدة أن أهم ما يميز فصول الصيف هوإقبال السياح على شراء الكتب وهوما شهد تقلصا هذه السنة تقول المتحدثة، مستطردة أن أهم ما يشتريه القراء في الصيف هوالروايات البوليسية والكتب التاريخية بالنسبة للسياح . هذا عن حال القراءة في العاصمة وللتعرف أكثر عن المناطق خارج العاصمة استعنا بالمكتبات المتنقلة التي حطت رحالها في كل بقاع الجزائر وعادت بمعلومات قيمة عن حال القراءة فيها. المكتبات المتنقلة، سفير الكتاب إلى كل بقاع البلد: "إذا لم تذهب إلى الكتاب ماشيا، يأتيك هو راكضا"، هي المقولة التي تنطبق تماما على المكتبة الوطنية بمشروعها الخاص بالمكتبات المتنقلة الذي يتواصل منذ بدايته في سنة 2005، وإن كان يطبق في كل أطوار السنة إلا أن له نكهة خاصة في فصل الصيف وهوما أكده لنا المسؤول الأول عن هذه العملية السيد نور الدين بن غشوة الذي عاد بنا إلى أيام تدشين هذا المشروع وكان ذلك في كل من الطارف وسكيكدة ولوحظ منذ تلك اللحظة إقبال كبر للقراء شباب، أطفال وكهول وهذا في المساحات المسطرة لهذه العملية وهي: الشواطئ، الأحياء الشعبية والساحات العمومية. وقال نور الدين أن حاليا هناك مكتبتين في المخيم المغاربي بزرالدة ومكتبة واحدة برياض الفتح في إطار المهرجان الثقافي الدولي الأول للأدب وكتاب الشباب، مضيفا أن هذه المكتبة سمحت في التعريف بالمكتبة الوطنية والدعوة إلى زياراتها والتنعم بالمطالعة في فضائها وكذا إلى تشجيع المقروئية وهذا لا يتطلب إلا اللجوء إلى موقع المكتبات المتنقلة ودفع بطاقة تعريف لاستعارة الكتب. ويصل عدد المكتبات المتنقلة إلى 12 عربة محملة بالكتب، الصغيرة منها تحمل أكثر من 3500 كتاب والكبيرة حوالي 4700 كتاب تختار حسب المنطقة التي توّجه إليها فمثلا الكتب الموجهة إلى الطلبة الجامعيين ليست نفسها الموجهة إلى الشواطئ، وفي هذا السياق يطالب نور الدين السلطات المختصة بزيادة عدد المكتبات المتنقلة لأن عددها الحالي وهو12 لا يكفي أبدا لتغطية شغف الجزائري بالقراءة فأحيانا تزور المكتبة مناطق لا يوجد فيها حتى تمثيل رسمي فتكون بذلك الممثل الرسمي للبلاد، أما الكتب التي تقرأ في الصيف قال المتحدث أنها تتأرجح بين الروايات، القصص، كتب علم النفس، الكتب الدينية، لياقة المرأة، التاريخ بالنسبة للجالية الجزائرية وفي عز الصيف يلجأ بعض القراء القاطنين خارج العاصمة إلى مطالعة الكتب العلمية لأنها مفقودة في منطقتهم، مضيفة أن فإن المقروئية لا بأس بها في المناطق خارج العاصمة حيث يكون التوافد كبير جدا على المكتبات المتنقلة وحسب المكتبية دليلة بوعزيز )المكتبة الوطنية( فإن لكل ولاية ميولاتها حسب الحاجة أيضا فالجنوب مثلا يعشقون كتب الشعر والأدب، مضيفة أنه في تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية جالت قوافل المكتبة 48 ولاية بالتمام والكمال. ويتطلب حضور أي مكتبة متنقلة، دعوة من السلطات المحلية التي يجب عليها أن توفر الأمن والإيواء وبرنامج النشاط وتحدد أيضا مكان توقف المكتبة المتنقلة، وفي هذا السياق ذكر نورالدين أن المكتبة المتنقلة لا تتحرك إلا في المناطق التي يحددها الطرف صاحب الدعوة وهوالأمر الذي قد يحرم مناطق قريبة التي تركن بها المكتبة المتنقلة من الاحتكاك مباشرة بالمكتبة وهوما حدث مثلا مؤخرا في ولاية تيبازة حيث لم تبرمج السلطات مدينة شرشال في المدن والمناطق التي تزورها المكتبة... وأكد نورالدين أن المقروئية لها حظها الكبير في المناطق خارج العاصمة خاصة في المدن والقرى النائية حيث اعتبر البعض المكتبة المتنقلة من بين أجمل ما فعلته الدولة الجزائرية في حق المواطنين. بين حب القراءة والحاجة للتعرف عن القارئ الجزائري عن قرب انتقلنا إلى المكتبة الوطنية في بادئ الأمر واستنتجنا أن رواد المكتبة الوطنية بالحامة في فترة الصيف قليلون لأن الطلبة بكل بساطة في عطلة وهم في الأغلبية يعيشون خارج العاصمة ومع ذلك شاهدنا البعض من القراء منهمكين في القراءة بكل شغف فكان منهم الطالب عادل (سنة ثانية، لغة روسية) الذي يحضّر نفسه لاجتياز امتحانات الاستدراك فقال ل"المساء "أنه لا يهنأ له بال إلا عندما يجتاز امتحانه بكل جدارة حتى وإن ضحى بالراحة التي كان يمكن له أن يتمتع بها لو نجح في امتحانات السنة، أما الآنسة نعيمة من الكشافة الإسلامية لباب الزوار فقد أكدت لنا حبها للمطالعة وهي الآن بصدد تحضير بحث حول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم مساهمة منها لرد العدوان الذي تتعرض له صورة الرسول الكريم من طرف جهات مغرضة، مضيفة أن شباب اليوم هم بأمس الحاجة إلى استغلال وقتهم بالأمور المفيدة، وعن الطالب الثالث الذي التقينا به "مختار" فهوأيضا يحضّر لامتحان وهو شهادة الماجيستر تحت عنوان" نظام مهنة المحاماة، شريعة إسلامية، قانون جزائري" ووجدناه منكبا على الكتب وقال لنا أنه ومع تحضيره لهذه الشهادة فإنه يترك لنفسه أقساطا من الراحة معتبرا أنه كان بوده أن يطالع كتب أخرى للتسلية ولكنه لا يستطيع لضيق الوقت واهتمامه بالتحضير للماجيستر. إذا كان هذا حال الطلبة الذين ما يزالون يتوافدون إلى المكتبة فماذا حال غير الطلبة وفي هذا السياق يقول متحدثنا الأول وهو(ن.خ) طبيب في مستشفى عمومي أن القراءة لا تستهويه في فترة الراحة لأنه لا يريد أن يشغل باله بأي جهد حتى ولو قراءة كتب للتسلية والروايات في حين أكدت لنا (م.ي) محامية أنها تجد في شهر أوت حيث تأخذ عطلتها الكثير من المتعة في قراءة الكتب بشرط أن تكون طبيعتها بعيدة جدا عن مهنتها، بينما اعتبرت الصحافية (ت.ب) أن القراءة في عطلة الصيف ترّوح عن نفسها وتنسيها ضغط العمل، أما الماكثة بالبيت (ط.س) فإنها تحبذ القراءة عندما تكون الظروف مهيأة لذلك كالتكييف وعدم الانشغال بالأعمال المنزلية. وإذا كان الكثير من الجزائريين يأخذون عطلتهم في فصل الصيف وخاصة في شهر أوت فإن الكثير منهم أيضا يعملون في هذه الفترة وفي هذا الصدد يقول العامل في شركة وطنية(ك.ل) أنه لا يقرأ في فترة الصيف لأنه يكون منشغلا بعمله، أما البطال (م.ب) فقد صرح لنا أن قراءة الكتب لا تستهويه في كل الأوقات بما أن كل أوقاته متشابهة ليلا نهارا مضيفا أن كل ما يقرؤه الجرائد الرياضية حتى يتعرف عن قرب على أخبار ناديه المفضل، في حين أكدت لنا العاملة في محل أن القراءة حاضرة في حياتها حتى في أوقات العمل ولكن لا تتعدى الكتب المسلية وكتب الطبخ التي لا تتطلب الكثير من التركيز. وهكذا فإن المقروئية في الصيف لا تشبه مثيلتها في الفصول الأخرى لا في النوعية ولا في الكمية وليست القراءة في مناطق الساحل كالقراءة في المناطق الداخلية والجنوب حيث لا توجد أدنى وسائل الترفيه والترويح عن النفس، بالمقابل الراحة والحرارة تدفعان بالقارئ إلى اختيار الكتب الخفيفة كالروايات وكتب التسلية ونسجل قلة ارتياد السياح للمكتبات هذه لسنة وهو راجع بالنسبة للسياح ذوي الأصول الجزائرية إلى رغبتهم في قضاء رمضان في البلد أما عن الآخرين فالأسباب غير واضحة، ومن خلال المكتبات المتنقلة لمكتبة الوطنية رأينا أن حب الجزائري الذي يقيم خارج العاصمة معتبر وأحيانا كبير للقراءة فلم يصدقوا أعينهم وهم يرون أن المكتبة انتقلت إليهم وإن كان الكثير من الأمور قد نستهم فإن الكتاب لم ينسهم أما عن القراءة في العاصمة فمن الصعب إيجاد أرقام تعبر عن ذلك ولكن الانخفاض الكبير للمبيعات في المكتبات وقلة ارتياد المكتبات العمومية يدل على أن العاصمي لا يقرأ كثيرا في فصل الصيف وربما حتى في الفصول الأخرى إلا أنه ورغم ذلك فإن هناك من لا يستطيع الاستغناء عن القراءة صيفا وشتاء وفي كل الظروف.