يعتقد الناشر مصطفى قلاب ذبيح أنّه بات من الضروري تشجيع الصناعة المحلية للكتاب، وجعله قطبا استثماريا واقتصاديا بامتياز، خاصة في ظلّ الشروط المتوفّرة. وكشف في حديث مع "المساء" أنّ المنظمة الوطنية لناشري الكتب (قيد الاعتماد) التي يترأسها، وضعت استراتيجية متميّزة لبلوغ هذا الهدف، وسجّلت العديد من الأفكار التي من شأنها أن تقوّي الإنتاج الوطني، ليكون منافسا قويا لدور النشر العربية والأوروبية. ^ عدد من دور النشر استفادت من دعم وزارة الثقافة، لكنّها، بالمقابل، لم تقدّم شيئا ملموسا، فهل تعتقد أنّ دعم الوصاية جدير بتطوير صناعة الكتاب في الجزائر؟ ^^الدولة ساهمت كثيرا في دعم الناشر وصناعة الكتاب منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، أما طريقة الدعم وما شابه ذلك فنرحّب بها ونزكّيها، ولكن بدفتر شروط من شأنه أن يقنّن ما للناشر وما عليه في كلّ ما يخصّ الدعم. في الآونة الأخيرة لمسنا وجود دخلاء في هذه المهنة، فلا بدّ من وضع مواد مدروسة من طرف مهنيّي النشر في الجزائر ومن طرف الإدارة من وزارة الثقافة أو الوزارات الأخرى المعنية بالدعم ودفتر الشروط كفيلة باستمرار الدعم.. الدعم ضروري؛ لأنّه تشجيع للكاتب والباحث والدكتور وللأستاذ وكلّ الطاقات حتى تنتج، وإنتاجهم هو مكسب للمكتبة الوطنية الجزائرية. دفتر الشروط يحدّد كلّ الآليات والميكانيزمات؛ بحيث يذهب الدعم إلى أهله، وتذهب الكتب إلى المكتبات، كلّ هذا يمكن أن يدرَج في دفتر الشروط، الذي ينبغي أن يطبع بحذافيره، وأؤكد وأركّز على الإنتاج المحلي.. نحن نعاني من تدني سعر البترول، وهو ما يعطي بالعكس قوّة للناشر الجزائري يبرز دوره في إحياء التراث الثقافي وإعطاء دفع للإنتاج الفكري لجعل الكتاب صناعة حقيقية، ولا يخفى عن الجميع أنّ الكتب قوة اقتصادية بأتم معنى الكلمة. لو نتكلّم عن هذه الأشياء لا بد من التطرق لأيام خاصة بالكتاب تسعى المنظمة الوطنية لناشري الكتب لتجسيدها، وهذا ضمن برنامج دعم الإنتاج المحلي وإعطاء دفع قوي لصناعة الكتاب في الجزائر.. لا بد أن ترسو الثقة والتبادل والتعاون بين وسائل الإعلام والناشر للتعريف بدور الناشر وإنتاجه والتعريف بالثقافة الجزائرية، والمشاركة في المحافل الدولية الخاصة بالكتاب، وهذا يعطي دفعا لصورة الجزائر.. نفتخر بما نحضّر في المعارض العربية والأجنبية؛ حيث نشارك بكتب جزائرية بأقلام جزائرية بصناعة جزائرية، وهذا لا يكون إلاّ بوضع سياسة بعيدة الأمد لصناعة الكتب والنشر في الجزائر. ^في دورة 2013 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب، دعا الوزير الأول عبد المالك سلال إلى التفكير والعمل على تصدير الكتاب الجزائري.. في رأيك، هل يمكن تجسيد هذا المشروع؟ ^^— ممكن جدا، لما نسعى لإرساء صناعة قوية للكتاب، فكلّ الأعمال التي تنجَز في إفريقيا تُطبع في دول أوروبية، ونحن أولى وأقرب من هذه الدول سواء اقتصاديا أو جغرافيا، ولم لا يكون دعم للناشر وللمطبعي لتكوين صناعة حقيقية للكتاب؛ مما سيمكّننا من تصديره، نصدّر الكتاب حسب الطلب أو عبر المعارض المنظّمة في كلّ مكان. وهناك نقطة مهمة جدا تسمح بنشر الكتاب الجزائري في الدول الأخرى من خلال مشروع الترجمة؛ إذ لا بد أن يكون دعم الدولة لترجمة الثقافة الجزائرية وترجمة كلّ ما هو مرتبط بالأدب الجزائري، إلى لغات أجنبية، وخاصة إلى اللغة الإنجليزية؛ لأنه لا يخفى على الجميع أنّ في كلّ المعارض الأجنبية لا بدّ من عرض كتاب بالعربية وآخر بالإنجليزية أو لغة عالمية أخرى، للتواصل والتعريف بما تزخر به الجزائر من ثقافات متنوّعة عبر نشرها بلغات أجنبية. ^ كيف تقيّم حضور الناشرين الجزائريين في معارض الكتاب بالخارج، وفي صالون الجزائر كذلك مقارنة بدور نشر أجنبية؟ ^^—حقيقة، هناك حضور جزائري عن طريق وزارة الثقافة وعبر المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية؛ حيث إنّها المخوّلة بجمع الكتاب الجزائري وتمثيل الجزائر في كلّ هذه المحافل.. مبدئيا، هناك مشاركة محترمة ومنظّمة ومهيكلة في دول عربية كثيرة وأجنبية، لذلك كان دورنا كناشرين ومنضوين في المنظمة الوطنية لناشري الكتب، فتح آفاق للمشاركة في المعارض الأخرى. أمّا فيما يخصّ معرض الجزائر الدولي للكتاب فمشاركة الناشر الجزائري دائما نوعية؛ فعدد الناشرين الذين يشاركون باستمرار في كلّ دورات المعرض الدولي للكتاب، في ارتفاع ملحوظ، وهذا يبرز من عام لآخر، خاصة أنّ القارئ الجزائري أثبت في كلّ مرة أنّه جدير بأن يحظى بمعرض ذي مستوى وإقبال الزوار على المعرض، وهذا الاهتمام بالقراءة يشجّع المنظّمين، ويطوّر ويحسّن المعرض سنويا. ^ كيف تنظر إلى علاقة الجزائري بالكتاب؟ ^^ عوّدنا القارئ الجزائري على شغفه بالقراءة، والدليل على ذلك الإقبال الخيالي على صالون الكتاب على مدار أيامه وليس الإقبال على مدار الأيام العادية، فقط لابدّ من وضع سياسة للقراءة والمطالعة، وهذا دور منوط بمديرية الكتاب والمطالعة العمومية بوزارة الثقافة. وكناشرين، نسعى ما استطعنا للتواجد في كلّ البلديات وفي كلّ ربوع الوطن؛ من أجل تقريب الكتاب قدر المستطاع من القارئ، وهي سياسة مؤسسة "دار الهدى" في هذا المجال بفتح 9 فروع متواجدة بتمنراست، وهرانوالجزائر العاصمة، بنقطتين للبيع بقسنطينة وعنابة، إلى جانب مكاتب أخرى ستُفتح عن قريب، وهذا يستدعي الحديث عن نقطة مهمة جدا، وهي توزيع الكتاب في الجزائر، الذي يعاني من قلة المكتبات وإن وُجدت فمساحتها صغيرة جدا لا تستوعب الكم الهائل الذي يصدر من قبل الناشرين المحليين أو الكتب المستورَدة، وهنا أشير إلى المنافسة بين الكتاب المحلي والكتاب المستورد غير المتكافئة؛ لأنّ صناعة الكتاب في الجزائر مرتبطة بمادة أولية مستوردة، وهذه المواد المستوردة تخضع للضرائب وضريبة على القيمة المضافة 17 بالمائة، وهنا نسجّل عدم وجود وجه لمنافسة الكتاب الذي يُطبع في لبنان أو مصر أو سوريا؛ إذ ليست لهم ضرائب، فهي أقل تكلفة بكثير، ولهذا لا يمكن المقارنة بينها في السعر. أتمنى من المشرّع أن يأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار، وهي حماية المنتوج المحلي، والدفاع عن الناشر الجزائري، وتوسيع النشر والكتاب عبر الوطن عن طريق إنشاء مراكز لبيع الكتب في كلّ ولاية تدخل في إطار تشغيل الشباب، وإعطاء فرصة للإطارات أو الجامعيين المتخرجين من كلية علم المكتبات؛ بمنحهم قروضا من أجل فتح مكتبات في كلّ مكان. دور المكتبة التي هي في انقراض زيادة على تموين المكتبات العمومية، ينبغي أن يمرّ على المكتبي المحلي الموجود في إقليم الولاية، ولا نستطيع أن نورد كتبا لجامعة معيّنة أو مكتبة عمومية معيّنة موجودة في ولايات أخرى من الجزائر العاصمة.. هذا غير معقول! نسعى قدر المستطاع للاهتمام بمهنة المكتبي، هي مهمة وضرورية ونقطة التواصل بين الناشر والقارئ. ^ ما الحاجة إلى قانون الكتاب في الجزائر؟ — ^^ إنّها ضرورية؛ لأنّ الكتاب بضاعة لا تقاس بأيّ بضاعة أخرى، فهو استثمار ثقافي بمنتوج إبداعي؛ لذلك لا يقاس بأيّ تجارة أخرى أو بضاعة أخرى.. لا بدّ للكتاب أن يحظى بقانون، وهو حاليا في البرلمان، هي مسألة وقت ليخرج إلى النور، ليتم مناقشته والتصديق عليه. اطّلعنا عليه وفيه الكثير من النقاط الإيجابية؛ فيه تعريف بالناشر، ولأوّل مرة يتحدّث عن الكتاب الإلكتروني، واقتناء الكتب يتم عبر المكتبات. وعن قريب سوف نتعرف على باقي النقاط التي يضمها.. وأهمّ شيء أنّه صار للكتاب قانون، وهذا هو المكسب الأساس. ^ هل هناك تفكير في تكثيف الجهود بخصوص نشر الكتب العلمية والجامعية أو شراء حقوق المؤلف لإعادة نشره في الجزائر؟ — ^^ كلّ شيء وارد، ولكن كأولوية نسعى لإعطاء فرصة لكلّ المبدعين والباحثين والدكاترة لتقديم ما لهم من تجربة وخبرة لإثراء المكتبة الجامعية. و«دار الهدى"، على سبيل المثال، خاضت في طباعة الكتب الأكاديمية، وحاليا عندنا في العلوم القانونية 126 عنوانا كمرحلة أولية، وهذا لا يعني أن نذهب إلى تخصّصات أخرى، لكن السحب القليل لهذه الكتب يؤثّر على السعر، ومقارنة بالكتاب المستورد، وهذه ميزة الإنتاج المحلي الأكاديمي مقارنة بالكتاب المستورد، فالعمل الذي ينتظرنا كبير جدا. من المفروض أن لا يدرَج الكتاب ضمن قانون الصفقات العمومية، والحديث عن الكتاب الجامعي يقاس على العنوان، فالكتاب يختلف؛ من مؤلف، مضمون وعدد الصفحات، وهو ما يميّز الكتاب عن منتوج آخر. نطلب أن لا يدرَج الكتاب ضمن قانون الصفقات العمومية ويذهب مباشرة للاقتناء المباشر. نحن نشجّع، قدر المستطاع، النشر المشترك، كما نشجّع الترجمة، وهذا هو سبب تواجدنا في كلّ المعارض من أجل شراء الحقوق لكتب أكاديمية ومهمة، ويكون القارئ بحاجة ماسة إليها، كلّ هذه الأشياء نفكّر فيها ونبحث عن آليات وأطر قانونية لتسهيل هذه المهمة. وكمنظمة نعطيها اهتمامنا الكبير؛ لأنّها ستقلّص من فاتورة الاستيراد، وستشجّع الناشر كي يستثمر في مجال صناعة الكتب واليد العاملة المكوّنة، وأقصد بالتكوين أنّه لا بدّ من وضع مراكز للتكوين في فنون الطباعة ومعاهد لدراسة مجال النشر الواسع لإضفاء المهنية والعمل المحكم والدقيق في مجال الطباعة والنشر. ^ هناك نقطة مهمة لا بد من الإشارة إليها، الكتاب الإلكتروني لا يعوّض الكتاب الورقي إطلاقا من التجارب الأوروبية، ما رأيك؟ ^^ التحميل عبر الأنترنت يُعدّ قرصنة، ونحن نحاربها قدر المستطاع. والتعدي على الحقوق يعني التعدي على تعب الناشر والمبدع. والقرصنة تمسّ كذلك مجالات أخرى، كالموسيقى، وهذه الأشياء لا تؤثّر إطلاقا على الكتاب الورقي، ويبقى الكتاب الإلكتروني أفضل وسيلة لتقريب البحث والحصول على المعلومة فقط. أمّا التسليم بالاستغناء عن الكتاب الورقي مستقبلا، فهي نقطة بعيدة كل ّالبعد، ومن غير الممكن أن يعوّضه الكتاب الإلكتروني. ^حدثنا عن المنظمة الوطنية لناشري الكتب. — ^^ نحسّ كمهنيّين لنا من التجربة والخبرة اللازمة، أنّ المنظمة تستطيع تقديم الكثير لهذا البلد وللمنتوج المحلي والاقتصاد الجزائري، ولهذا تأسّست هذه المنظمة في إطار قانوني بتنظيم جمعية عامة، انبثق عنها إنشاء مجلس ومكتب وطنيين يضمّ 9 أعضاء، وكُلّفت برئاسته. ^ كم عدد الناشرين في الجزائر؟ وهل يغطون الحاجة الاجتماعية؟ — ^^ هناك مدّ وجزر في تحديد العدد، فحسب المكتبة الوطنية هناك أكثر من 300 دار نشر. أمّا الفاعلون الحقيقيون فلا يتجاوزون السبعين ناشرا نجدهم ميدانيا يشتغلون. وأما الناشرون المناسباتيون فهم كثر، ونجدهم في كلّ المجالات. و70 ناشرا غير كافين بالنظر إلى حاجة الجزائريين. هناك حقيقة مرة، مؤخّرا اطلعت على تقرير جمعية الناشرين العالميين، وتفاجأت بما يُطبع في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولو أنّه ليس هناك مجال للمقارنة ولكنا نسجّل 350 ألف عنوان في السنة. في آخر زيارة لي لإيران، تكلّمت مع بعض دور النشر ومع مهنيّيه، وكشفوا عن 220 ألف عنوان سنويا، 70 بالمائة منها ترجمة.. في الجزائر، ليس لي رقم، ولكن نحن بعيدون جدا عنهم. وهذه النقطة بالذات تأخذها المنظمة على عاتقها لدفع النشر في الجزائر، ومن الضروري إعادة النظر في ميكانيزمات النشر وفي أشياء كثيرة، ولكن لدينا أسباب ومعوقات؛ النشر في الجزائر فتي جدا، ففي المستوى العالمي يقاس بعدد دورات المعرض الدولي للكتاب، ونحن نسجل 19 سنة فقط مقارنة بمعرض بيروت الدورة ال 54، أو القاهرة الدورة 43. لنكن منصفين؛ لأنّه في مرحلة معيّنة كان يضمّ النشر في الجزائر شركتين وطنيتين فقط، النشر أخذ منعطفا، وبفضل الدولة وسياستها الحكيمة صار للناشر الخاص تواجد وإبداعات وإسهامات في المكتبة الجزائرية، ونسعى لتكوين قطب اقتصادي مهم من أجل إبراز الدور الأساس للناشر في صناعة الكتاب في كلّ مجالاته.. أين هو كتاب الطفل بأتم معنى الكلمة؛ بكلّ فروعه ومستوياته؟ ما هو موجود في الجزائر يسع الجميع، لنكن مهنيين فقط. ^ كيف ترى دور المهرجانات والتظاهرات المتعلّقة بالكتاب، على غرار مهرجان "قراءة في احتفال" والمهرجان الدولي لأدب الطفل والشباب؟ —^^ نحن نشجّع أيّ مبادرة كانت؛ نشجّع أيّ مجهود كان، ولكن لا ننسى أن أيّ تجربة يجب أن تقيَّم، والتقييم يرجع إلى أهله، ولكن نقول دائما إنا نشجّع ونثمّن كلّ مبادرة، ونحن كمنظمة نسعى لوضع استراتيجية جديدة بنظرة وفلسفة مختلفة عما هو موجود؛ من خلال تجربة وخبرة اكتسبناها في الميدان عبر مشاركاتنا في المحافل الخاصة بالكتاب وفي الندوات واللقاءات الخاصة بعالم الكتاب.. نستطيع أن نخدم هذه المهنة، ونحن متفائلون بالسياسة الحكيمة للدولة في مرافقة الكتاب والنشر.