يعاني سواق سيارات الأجرة أثناء تأدية مهامهم الكثير من المشاكل والصعوبات والمتاعب تصل حد تسجيل حالات عنف جسدي بالضرب والجرح المفضي إلى الوفاة. ورغم الشكاوى العديدة المرفوعة للجهات المعنية، إلا أن حالة الفوضى ماتزال تعم هذا النوع من خدمات النقل العمومي، حيث كشف سواق سيارات أجرة من شركة تسيير المحطة البرية للجزائر (سوڤرال) في لقاء خاص مع «المساء» أن سائق «التاكسي» يعاني من فقدان الكثير من حقوقه خاصة المهنية منها، ليضاف إليها الاعتداءات من طرف بعض الزبائن، فيما أوضح سواق المحطة البرية لسيارات الأجرة ما بين الولايات من جهتهم أن النداءات المرفوعة والمتكررة للجهات المعنية وعلى رأسها وزارتيا النقل والداخلية للعمل على تشديد الأمن وتحسين ظروف عمل السواق إلى لم تأت بأي نتائج ملموسة تذكر إلى حد الآن. يتعرض سواق «التاكسي» أثناء عملهم للعديد من المضايقات والاعتداءات التي وصلت حد الضرب المفضي إلى الوفاة، فقد تحدثت «المساء» إلى سواق يعملون بالمحطة البرية للخروبة، أكد عدد منهم حقيقة تعرضهم بشكل شبه يومي للاعتداءات وكل أشكال العنف خاصة اللفظي منه، إلى حد أكد فيه سائق أنه أصبح يخاف الزبائن متى ركبوا سيارته لنقلهم إلى وجهاتهم مبرزا أن العمل «بصفر مخاطر» غير موجود في مهنتهم، حيث يتعاملون مع كل الشرائح المجتمعية، «وبما أن الناس طباع فنحن معرضون لتحمل كل الطباع و متى حملنا زبونا معينا، لا ندري كيف ستكون تصرفاته معنا»، ليضيف السائق إسماعيل عاطف الذي أمضى 25 سنة خدمة كسائق تاكسي، أن الاعتداءات اللفظية هي المسجلة بشكل كبير وعلى مدار أيام الأسبوع وأن مكتب الشرطة يسجل يوميا شكاوى ترفع إليهم بأن سائق التاكسي في مواجهة خطر الاعتداءات يوميا. وقدم المتحدث رقم 10 سواق تاكسي قد تعرضوا في السنوات القليلة الماضية لاعتداءات عنيفة بالضرب والجرح، أدّت حادثة منها إلى قتل سائق يدعى العم حسين على يد زبون استقل التاكسي باتجاه ديار الجماعة وتم الاعتداء عليه بالسلاح الأبيض ورميت جثته في القمامة ثم سرقت السيارة. 187 سيارة أجرة مقابل 400 «كلوندستان»! هذه الحادثة تداولها كل السواق الذين تحدثوا إلينا وأصبحت بمثابة المرجع في حالات الاعتداءات التي يتعرض لها سائق الأجرة في خانة مخاطر المهنة، التي تضاف إليها صعوبات أخرى كثيرة وعلى رأسها سيارات الأجرة غير الشرعية أو ما يسمى «الكلوندستان» الذي يعتبر الخطر رقم واحد المهدد للسواق النظاميين. وتحصي محطة الخروبة حسب سواق التاكسي، 400 سيارة كلوندستان تقريبا، يزاولون عملهم بطريقة غير شرعية داخل المحطة وبجوارها. وحسب سواق التاكسي، فإن هؤلاء المتطفلين يمثلون تهديدا حقيقيا لعملهم اليومي،»حيث أنهم يتمادون في سرقة الزبائن دون ردع بالرغم من الشكاوى الكثيرة التي رفعناها إلى الجهات المعنية»، يقول السيد محمد لفقير، مندوب ممثل عن سائقي سيارات الأجرة، مضيفا « قد لا أبالغ إذا قلت أن نسبة كبيرة من الاعتداءات الممارسة ضدنا تأتينا من «الكلوندستان»، فقد وصل الأمر بهم حد ترصد الحافلات ما بين الولايات وسرقة الزبائن بمجرد نزولهم من الحافلة، والزبون إذا سمع كلمة تاكسي يقبل الركوب فالمهم بالنسبة إليه هو التوصيلة حتى وإن كلفته مبلغا كبيرا». ويضيف ذات المصدر أن هذه الظاهرة قد عرفت ازديادا ملحوظا في السنوات الثلاث الأخيرة، وأنها تؤثر بشكل كبير على عملهم، فالسائق يستأجر، حسب اتفاقية مع «سوقرال»، مكانا له في طابور سيارات الأجرة بمبلغ 3000 دج شهريا، وقد يعمل في أحسن الأحوال ما بين 4 إلى 5 «توصيلات» في اليوم قد تتضاعف مع عطل نهاية الأسبوع وأيضا في المواسم والمناسبات، إلا أن تطفل «الكلوندستان» قزّم العمل النظامي بشكل كبير، علما أن تعريفة التوصيلة مضبوطة ب30 دج للكيلومتر الواحد. وتحصي المحطة البرية للخروبة، حسب الأرقام المقدمة، ما يصل إلى 187 سيارة تاكسي يعملون على مدار 24 ساعة، حيث تصطف السيارات في طابور يتحرك باستمرار «ولكن تصل مدة الانتظار في أحسن الأحوال إلى 3 ساعات تحت كل الظروف المناخية، وفي رمضان قد تصل إلى 5 ساعات»، حسبما يوضحه السائق فليسي صاحب 26 سنة خدمة، ويضيف من جهته أن سائق التاكسي معرض لكل أنواع الأخطار سواء المهنية أو غيرها، فبالنسبة للأخطار المهنية يشير المتحدث إلى حالات الاعتداء اللفظي من طرف زبائن إلى جانب التحايل في دفع ثمن التوصيلة، فمثل هذه الحالات يتم تسجيلها كثيرا ولم يسلم منها أي سائق أجرة، حسب تأكيد المتحدث، ويشرح ذلك بقوله إن الكثير من الزبائن يطلبون توصيلهم إلى وجهة معينة ثم يطلبون من السائق الانتظار ريثما يحضرون النقود من المنزل، ولكنهم يذهبون دون رجعة، أو أن يتحججون بامتلاكهم لورقة 1000 أو 2000 دينار ويطلبون منه الانتظار قليلا ريثما يتحصلون على «الصرف» من إحدى البقالات ولا يعودون، ويتناسون أن السائق يتعذب كثيرا في الطابور حتى يصل دوره فيوصل الزبون الذي لا يعطيه حق التوصيلة بعد ذلك؟ بالمقابل، يتحدث السائق عاطف عن مشكل آخر يعتبره خطيرا، وهو عدم احترام سائق التاكسي. فالمواطن لا يحترم السائق بتواطئه مع سواق «الكلوندستان» فالكثيرون يفضلون السائق غير النظامي، لأنه بالنسبة إليهم يوصلهم أينما أرادوا، أما سائق التاكسي فهو يتكبر على المهنة، وقد تناسوا أنه علينا احترام الخطوط والمسالك المقدمة إلينا، كما أنه ممنوع علينا في بعض الأحيان العمل في بعض المدن بحجة وجود التاكسي الجماعي، وهنا نشير إلى الصعوبات التي نواجهها يوميا بعد أن تم غلق «مصلحة التاكسي» بأمن ولاية الجزائر، وهذا ما زاد في صعوبات العمل، فالسائق يسترزق من سيارة الأجرة وإذا تم معاقبته بسحب دفتر المكان الذي بموجبه يتم كراء مكان عمله كسائق تاكسي، فإن هذا معناه قطع قوته اليومي وقوت عائلته وقد تصل المدة إلى شهرين، لذلك يضيف المتحدث - قد رفعنا اقتراحات للجهات المعنية بإعادة النظر في هذا الشق فلا يتم سحب دفتر المكان وإنما رخصة السياقة وتقليص العقوبة مثلا. 900 سيارة تاكسي ما بين الولايات وغير بعيد عن محطة «سوقرال»، زارت «المساء» محطة سيارات الأجرة ما بين الولايات التي تضم حوالي 900 سيارة تاكسي باتجاه كل ولايات الوطن، هنا أيضا يتعرض السواق إلى ضغوطات عمل كثيرة واعتداءات تمارس بصفة شبه يومية من العقلاء والمجانين على حد سواء، حسب الشهادات. ومن بين الشهادات المستقاة تلك المسجلة للسائق المدعو محمد الذي أمضى قرابة 30 سنة خدمة في المجال، قال إنه شخصيا كان ضحية اعتداءات، خاصة اللفظية منها، أما الاعتداءات الجسدية فنادرا ما تقع بالمحطة بفضل وجود أعوان الأمن. وتابع يسرد حادثة من حوادث كثيرة وقعت له، فيقول إنه كان ضحية ضرب عمدي مؤخرا من طرف زبون رفض وضع حزام الأمن باتجاه ولاية وهران، وفيما أصر السائق على وضعه «خشّن» الزبون رأسه وتلفظ بكلمات نابية جعلت السائق يركن جانبا ويصر على إنزال الزبون أو أن يستبدل المكان وفي هذا تضامن معه بقية الزبائن. وعلق المتحدث قائلا إن المخالفة في حالة حدوثها تقع عليه وهو من ستسحب منه رخصة السياقة زائد دفع غرامة مالية والقانون واضح جدا في هذا المجال. فيما سرد علينا سائق آخر، حادثة وقعت له من طرف زبون أصر أن يركب رفقة امرأة كانت برفقته ولم تكن زوجته، والقانون يمنع التوأمة في هذه الحالات، أي الخلط بين الرجال والنساء، ولكن الزبون أصر وألح على طلبه وغافل السائق الذي كان بصدد وضع أمتعة الزبائن في صندوق السيارة فانهال عليه ضربا، إلى أن تدخل سواق كانوا حاضرين كما تدخل شرطي لفض النزاع. ويواصل المتحدث مؤكدا أنه يتم تسجيل من 2 إلى 3 حالات اعتداء بالضرب ضد سواق التاكسي أسبوعيا، مبرزا أنه من النادر أن تتعدى أسوار المحطة بسبب تدخل الإدارة والشرطة، أما تلك المسجلة في الطريق فإنها نادرة وكثيرا ما تتم في الأحواش البعيدة عن المدينة المقصودة حيث يتعدى زبون بمعية معاونيه على سرقة أغراض «الطاكسيور» وزبائن آخرين أو حتى سرقة سيارة الأجرة، وتابع بقوله إن هناك «اعتداءات» من نوع آخر يعاني منها السواق، وهي تلك المتعلقة بالمحطة البرية ككل، فهناك الكثير من الممارسات غير الأخلاقية التي تمارس من طرف بعض الفئات ومن الجنسين، «ونحن قد تدخلنا من خلال رفع الكثير من الشكاوى إلى الجهات المعنية ولكن دون جدوى»، يقول السعيد معروف، المكلف بالإعلام بالنقابة الوطنية لسائقي سيارات الأجرة لولاية الجزائر، ويضيف: «بعض المدمنين والمتسولين وأيضا بائعات الهوى وحتى المجانين يتخذون من هذه المحطة مكانا مفضلا لهم لممارسة كل أنواع الطقوس غير الأخلاقية، ونحن دافعنا على مكان استرزاقنا خاصة وأن الكثير من السواق يمضون ليالي بالمكان استعدادا لنقل المسافرين في أي وقت، ولكن الجهات المعنية لم تحرك ساكنا إلى اليوم». من جهة أخرى، يرى نفس المتحدث أن فيه اعتداء من نوع آخر يمارس أيضا ضد «الطاكسيور»، والذي قد يحدث من زملاء المهنة أنفسهم، إذ يشتكي سواق المحطة من سرقة الزبائن ليس من طرف «الكلوندستان» ولكن من طرف سواق ولاية سطيف تحديدا الذين يلجأون إلى قطع الطريق على زبائن حافلات ما بين الولايات، أو أن ينسّقوا مع بعض سواق تلك الحافلات، المطلوب منهم إرسال كل مسافر يقصد ولاية سطيف نحو التاكسي، ما يعني عدم احترام الدور والمكان! والمسافر بسبب طول مسافة الطريق وتعب السفر يتوجه إلى أقرب سيارة أجرة، وهؤلاء الانتهازيون من السواق وجدوا ضالتهم في ظل انعدام المراقبة وسمحوا لأنفسهم بسرقة الزبائن والدوس على سواق زملاء المهنة الذين ينتظرون في الطابور لساعات. في ذات السياق، وبغية التوضيح أكثر، يقول سائق آخر شاركنا الحديث، إن هذه الظاهرة لاحظوها بكثرة قرب محطة البنزين «البهجة»، مبرزا أن مديريتيّ النقل لولايتي الجزائروسطيف قد فتحتا خطا للنقل بسيارات الأجرة ما بين الولايتين، «ولكن سواق ولاية سطيف رفضوا أن يعمل معهم سواق ولاية الجزائر وظلوا إلى اليوم محتكرين هذا الخط، ذلك لأن العمل بصفة غير منظمة يخدم مصالحهم أكثر»، يوضح المتحدث، مشيرا إلى أن نفس المعاناة مسجلة أيضا مع سواق سيارات الأجرة لتيزي غنيف وبوغني بولاية تيزي وزو، الذين يقطعون هم كذلك الطريق على الزبائن بمجرد نزولهم من الحافلات، وهذا ما يزيد في متاعب السواق الآخرين. «والأكثر من هذا بالنسبة لهؤلاء السواق يضيف المتحدث - أننا كسائقين قد احتججنا عدة مرات وطالبناهم باحترام النظام وسير العمل، ولكن الأمر وصل بهم حد تهديدنا بالكلاب البوليسية وحتى بتشغيلهم لبعض الشباب الذين يعملون من جهتهم كمندوبين لسواق تاكسي تيزي غنيف وبوغني، الذين يقصدون كل حافلة تدخل المحطة و»يستولون» على كل مسافر يقصد تلك البلديتين، مقابل ثمن يتقاضونه من السواق! وهذه الفوضى تعم منذ سنوات ولا أحد تدخل لتنظيم القطاع بالرغم من الشكاوى». التأمين..سؤال لم يجد إجابة مقنعة بعد من جانب آخر، تحدث سواق تاكسي ما بين الولايات عن مسألة اعتبروها غاية في الأهمية، تتعلق بالتأمين على الأطفال الأقل من 6 سنوات، حيث يوضح السيد السعيد معروف أنه يمنع على سائق التاكسي حمل أطفال دون سن ال6، لأن القانون لا يحميهم في حالة وقوع حادث، كما أنه لا يحمي السائق إذا ما تم إيقافه في حاجز أمني من أجل المراقبة العادية، وإذا حدث هذا فإن الشرطي من حقه إيقافه وتحويل السيارة نحو المحشر، «والحجة هنا أن السائق يحمل مسافرين فوق المعدل المسموح له، وهو 6 إلى 7 أفراد، وهنا نطرح سؤالا عن مصير الطفل الصغير أوالرضيع الذي يكون بين ذراعي والدته والأسرة باتجاه أقارب في ولاية أخرى؟ ليجيب المتحدث بقوله: «نريد من الجهات المعنية أن تعيد النظر في هذا الشق من النقل عبر سيارات الأجرة ما بين الولايات إذ من المستحيل أن نقبل بالأم والأب دون رضيعهما، وهنا نأمل من وزارات النقل والداخلية والضمان الاجتماعي التنسيق من أجل إيجاد أرضية اتفاق في هذه النقطة، إذ أننا في صراع يومي مع رجال الشرطة والمواطنين بسبب هذه النقطة بالذات». في هذا السياق، يسرد علينا السائق محمد حادثة توضح الاختلال الواقع في هذه المسألة، إذ وقع نهاية 2014 حادث مرور خطير ذهب ضحيته السائق، ورفض التأمين دفع المستحقات لعائلة المتوفى والسبب أنه كان من ضمن الركاب رضيع دون السنة، «وهذا أمر غير منطقي تماما، حيث وجدنا أنفسنا نتعامل بمنطق مسيري قاعات الحفلات الذين يضعون ملاحظة: لا نريد أطفالا، فكيف لأسرة تسافر دون أطفالها؟». مشروع محطة جديدة بحسين داي في مقام آخر، كشف السيد محمد أن هناك مشروع فتح محطة جديدة لسيارات تاكسي ما بين الولايات بحسين داي قريبا، موضحا أن المشروع عرف بعض التأخر «ولكن مصادر مطلعة أكدت لنا أن الأشغال ستنطلق قريبا من أجل تهيئة مساحة تصل إلى 250 مترا مربعا، مما سيسمح بتحسين ظروف عمل السواق الذين يجد الكثير منهم اليوم صعوبة في الظفر بمكان داخل المحطة الحالية»، يختم السواق حديثهم إلى «المساء».