نظمت محافظة المهرجان الوطني للمسرح المحترف في دورته العاشرة أمس، بفندق السفير بالتعاون مع كلية الآداب واللغات بجامعة الجزائر، ملتقى علميا خاصا ب«المؤثرات الشرقية والغربية في المسرح الجزائري"، شارك فيه باحثون ونقّاد ومسرحيون من مختلف مناطق الوطن، قدموا تدخلات طبعها الإطار العلمي الأكاديمي الذي سلّط الضوء على مختلف التجارب المسرحية والمدارس الفنية وتقنيات أساليب الأداء. ترأس الجلسة الصباحية الخاصة ب"المثاقفة: ماهيتها وقضاياها في مجالات الثقافة والفنون" الأستاذ الدكتور شريف مريبعي، وقدمت فيها ثلاث محاضرات الأولى كانت للأستاذة منى برهومي، من جامعة تبسة بعنوان "جدلية المثاقفة وتناسج الثقافات في المسرح" تناولت فيها مفاهيم ثلاثة مصطلحات وهي "المثاقفة" و"التناسج" و"التطويع"، وقد ركزت على المثاقفة تقوم أساسا على مفهوم الغلبة، مؤكدة أن هناك مفهوما غربيا لهذا المصطلح ينقسم إلى تحديدين هما "تأثير وتأثر بين ثقافتين أو أكثر"، و"مفهوم السيطرة والغلبة بين غالب ومغلوب"، أما بالنسبة للمفهوم العربي فيعني الالتفاتة للتراث العربي بالاستعانة بأدوات المسرح الغربي. أكدت المحاضرة على أن العرب لم يتخلصوا من التبعية الأوروبية ومن التقليد حتى مع كبار المسرحيين العرب منهم العملاق ونوس. بالنسبة لمصطلح "التناسج" أشارت المتحدثة إلى أنه كان بديلا عن المثاقفة التي استبعدت نوعا ما، ويعني التناسج التفاعل والمشاركة بين ثقافتين أو أكثر وبالتالي مزجها في قوالب جديدة لتتشابك كل العناصر بشكل متكامل يخضع للتحول التاريخي والجمالي لكن ذلك يتم بحذر خوفا من قانون الغالب والمغلوب كي لا تذوب الثقافة العربية في الثقافة الغربية، وكي لا يكون التناسج والمثاقفة وجهين لعملة واحدة. أما فيما يتعلق بمصطلح "التطويع" فأشارت المتحدثة إلى أنه عبارة عن إعادة تشكيل وتأسيس لتراثنا المسرحي، وذلك بالعودة إلى الأصالة لتستشهد بتجربة الراحل عبد القادر علولة، الذي قدم دراسات تطبيقية وتجارب رائدة في "الحلقة"، وبذلك كان المجدد العربي الوحيد لتؤكد أن تراثنا غني بالخيال المسرحي سهل الاستغلال.في الأخير انتقدت المحاضرة المسرحيين العرب الذين شوشوا ذهنية الجمهور العربي بسبب أنهم طوّعوا التراث العربي بالمقاييس الغربية. ألقى بعدها الأستاذ سليم بركان، من جامعة سطيف، محاضرته التي حملت عنوان "الحدود التكوينية لمصطلح المثاقفة في الخطاب النقدي"، حيث أشار إلى أن مصطلح المثاقفة ليس له تعريف قار وشامل إلا إذا ارتبط بمجال معين ومحدد وهو لا يزال يبحث عن مفاهيم جديدة لتأسيسه نقديا، معتبرا في ذات الوقت أن المثاقفة لا بد أن لا تتجاوز الآخر بمعنى أن يكون هناك التحام فكري بين مختلف المجموعات البشرية دون فرض قيم ومنظومات معرفية تحمل أطرا إيديولوجية. حاول المحاضر أن يستجلي مشكلة المصطلح وخلص إلى أن المثاقفة مصطلح ناعم لا يعكس صلابة الغلبة والهيمنة. من جهته حاول الأستاذ غريبي عبد الكريم، من جامعة مستغانم (ناقد وممارس مسرحي) الغوص في مصطلح المثاقفة من خلال "المسرح في الجزائر ملامح وخصوصيات المثقف"، موضحا أن الآخر يهيمن من منطلق المركزية الثقافية والسبق الحضاري، متوقفا على التجربة الجزائرية الرائدة المبنية على التحولات التاريخية والاجتماعية والمتجنّبة قدر الإمكان الهيمنة الخارجية، مما أكسب مسرحنا هويته وذاكرته وبالتالي إبداعه خاصة سنوات المجد، واستطاع المسرحيون الجزائريون حتى في زمن الاستعمار الإفلات من القوالب الجاهزة، كما استطاع المسرح الوطني أن يسبق ببيانه في 63 المسرح الفرنسي (بعد أحداث 69 بباريس) بوضع بنية ثقافية خاصة بإعادة النظر في الذات، كما استطاع المسرح الجزائري نشر الوعي من منطلق أيديولوجي يساري ولّد تفاعلا داخليا أكسب شرائح المجتمع الدنيا بعيدا في كل ذلك عن المثاقفة الغربية وقريبا من المقاربات والقرائن المحلية.