اعتراف روسيا باستقلال ابخازيا واوسيتيا من الناحية الميدانية هو اعتراف بأمر واقع منذ بداية التسعينات، تاريخ انهيار الاتحاد السوفياتي، فالإقليمان أعلنا انفصالهما عن جورجيا بعدما صوتت هذه الأخيرة رافضة البقاء ضمن الاتحاد، وصوت الإقليمان عكس ذلك. ولا يكاد الإقليمان يرتبطان بجورجيا لا سياسيا ولا إداريا ولا حتى اقتصاديا، فهما يتمتعان بحكم ذاتي موسع وأغلبية سكانهما يحملون الجنسية الروسية، كما أن التعاون بين الحكومة اشلمركزية في جورجيا وبين ابخازيا واوسيتيا الجنوبية ينعدم فقد قطعت جورجيا على سبيل المثال الإمدادات بالكابلات الكهربائية عن أوسيتيا الجنوبية بعد الحرب التي نشبت بينهما في بداية التسعينات. ويبقى تواجد الجيش الجورجي منحصرا في منطقة واحدة فقط هي "وادي كودوري" بأبخازيا، وما عدا ذلك لا سلطة لها على معظم أراضي الإقليمين. وحتى يكرس سكان الإقليمين استقلالهما فإنهم صوتوا في أكثر من استفتاء على قيام دولتين تتمتعان بالسيادة المطلقة. وقد ترسخ الاستقلال بصفة أكثر من خلال تنظيم انتخابات رئاسية وتعيين رئيس جمهورية للإقليمين. أما من الناحية الاستراتيجية، فينظر إلى الاعتراف الروسي على أنه تحول في السياسة التي اتبعها الدب الروسي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي فهو محاولة للنهوض من جديد، وهو جولة جديدة من الحرب الباردة ودفاعا لروسيا عن مناطق نفوذها. وهو محطة من أجل ترتيب جديد للتوازنات الدولية وفق منطق آخر يبيح لروسيا أن تفرض لأبخازيا واوسيتيا الجنوبية أمام جورجيا، حليفة البيت الأبيض، نفس ما فرضته أمريكا لصالح كوسوفو أمام صربيا حليفة روسيا.