يعطي وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، بداية من يوم غد، إشارة انطلاق أول عمليات المطاردة العسكرية ضد المهاجرين السريين انطلاقا من شواطئ الضفة الجنوبية للبحر المتوسط باتجاه ضفته الشمالية. وتندرج هذه العملية العسكرية ضمن مخطط أوروبي مشترك لوقف تدفق سيول فقراء إفريقيا الراغبين في بلوغ الجنّة الموعودة، فيما وراء المتوسط رغم أهوالها وخطر رحلاتها التي كثيرا ما انتهت في قاعه. والحقيقة أن أوروبا "حقوق الإنسان والحق في الحياة" لم تشأ التفكير كثيرا لمعالجة هذه الظاهرة من جذورها، واختارت أسهل الحلول للحد من وصول من لا ترغب في أن يتحولوا إلى جزء من مجتمعاتهم، وراحت تعلن حالة الطوارئ في صفوف قواتها وبأعتى الأسلحة المتطورة من أجل وضع حد لظاهرة "إنسانية" أصبحت تقلقها. وينتظر وفق القناعة الأوروبية أن تتحول بحيرة السلام بداية من الأسبوع القادم، إلى بحيرة حرب مفتوحة تستعمل فيها البوارج الحربية وحتى الطائرات لمنع وصول الأفارقة المغبونين إلى حيث الرفاه والعيش الرغيد. وإذا كانت الدول الأوروبية أعطت شرعية عمليتها العسكرية ضد هؤلاء بدعوى محاربة سماسرة وتجار البشر، فإنها في الواقع أرادت أن تقفز على الحقائق على اعتبار أن وجود هؤلاء ما كان ليكون لولا وجود آلاف الأفارقة الذين يقبلون دفع مبالغ باهظة والمغامرة بحياتهم على أمل تحسين ظروف معيشتهم. ويكون الأوروبيون بعد أن فشلوا في التوصل إلى اتفاق حول استراتيجية موحدة لمواجهة الظاهرة، لم يجدوا إلا مثل هذه الطريقة ضمن حل لن يحل المشكلة بقدر ما سيزيد في تعقيدها على اعتبار أن هؤلاء سيواصلون التدفق على دول شمال إفريقيا من أجل الوصول إلى "الجنّة الأوروبية". ومن يتمعن في ترسانة الأسلحة التي خصصتها 28 دولة أوروبية من فرقاطات وغواصات وحوامات وزوارق حربية وطائرات بدون طيار، يعتقد أن الأمر يخص حربا عالمية ولكن الحقيقة غير ذلك تماما على اعتبار أن العدو هم مجرد أشباح بشرية لا تقوى على السير وما تحمله سوى هواء يخرج ويدخل في أجساد نصفها يموت في منتصف الطريق جراء الإرهاق والجوع. وحتى إن سلّمنا بحق أوروبا في حماية حدودها بحرب استباقية على بعد مئات الأميال البحرية، فإلى متى ستتواصل هذه الحرب غير المعلنة على جياع العالم وإلى أي مدى يمكن لهذه الدول تحمّل أعباء مالية ضخمة كان الأجدر أن يتم تخصيصها لمشاريع استثمارية تنموية في البلدان التي فر منها هؤلاء، وحل المشكلة من جذورها ويخرج الجميع منها منتصرا ولكن دون إراقة أي قطرة دم. ولكن الدول الأوروبية فضّلت القيام بهذه العملية في خرق واضح لكل الأعراف الدولية ودون الحصول على ضوء أخضر أممي لتنفيذ عملية تحمل في طيّاتها نزعة عنصرية، إذ لا يعقل أن يتحول مجال بحري بحجم البحر المتوسط إلى أشبه بثكنة عسكرية يتم فيها مراقبة الداخل والخارج منها بطريقة تمس بسيادة الدول الأخرى وتهدد أمنها. ولكن الدول الأوروبية عندما وقعت رهينة الحسابات الضيّقة فضّلت الأخذ بخيار حماية نفسها وفق منطق "هات تخطي راسي"، ولا يهم أن تتعمّق الأزمة في دول شمال إفريقيا التي أصبحت لا تستطيع هي الأخرى تحمّل أعباء تدفق مئات المهاجرين عليها يوميا مع كل المشاكل الاجتماعية والأمنية والتي أصبح يشكلها هؤلاء.