لم تعد إسرائيل ذلك الكيان الذي اعتاد التعامل معه وكأنه دولة فوق القانون يقترف ما يشاء من جرائم واعتداءات ضد الفلسطينيين بدون أن يتعرض لأدنى مساءلة أو مجرد لوم. ويأتي تحرك 35 منظمة غير حكومية أمس بالعاصمة الفرنسية باريس ضد حكومة الاحتلال ومطالبتها كل قادة العالم بالضغط على إسرائيل، لحملها على رفع حصارها الجائر عن قطاع غزة، ليكسر هذه القاعدة التي استغلها الكيان الصهيوني، ليعيث فسادا في أرض فلسطينالمحتلة. ومن أهم المنظمات الموقّعة على نص الدعوة منظمة "أوكسفام" و«عمل ضد المجاعة" ومنظمات غير حكومية مسيحية فرنسية، أو المدافعة عن حقوق الإنسان ومنظمة "سيبارميليتونتيزم". وبررت هذه الجمعيات إصدار دعوتها التي حظيت بتوقيع أكثر من 200 ألف شخص، بعدم سماح حكومة الاحتلال طيلة عام كامل، سوى بدخول 5 بالمائة من مواد البناء الضرورية، لإعادة إعمار غزة، وجعلها تتوقع، وفق هذه الوتيرة، الحاجة إلى 17 عاما لإعادة ما دمرته عملية "الجرف الصامد" الإسرائيلية ضد سكان القطاع صيف العام الماضي. وطالبت المنظمات المبادرة بهذه الخطوة بمناسبة الذكرى الأولى لانتهاء الحرب على قطاع غزة، بالضغط على حكومة الاحتلال لإدخال مختلف مواد البناء؛ من خشب وإسمنت وحديد، لإعادة بناء ما دمرته الحرب من مستشفيات ومدارس ومساكن في أسرع وقت ممكن. وأضافت أن الحرب الإسرائيلية تسببت في إلحاق دمار وخراب هائلين بقطاع غزة؛ حيث دُمر ما لا يقل عن 19 ألف منزل، وشُرّد ما لا يقل عن 100 ألف فلسطيني وجدوا أنفسهم بدون مأوى، إضافة إلى تدمير 11 مدرسة وجامعة، بينما تعرضت 253 مؤسسة اقتصادية لأضرار بليغة. وتعرّض 81 مستشفى وعيادة طبية لدمار كلي أو جزئي في وقت لايزال أكثر من 120 ألف شخص بدون شبكات المياه والصرف الصحي. وحمّلت هذه المنظمات إسرائيل مسؤولية تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة؛ بسبب القيود التي تفرضها لمنع دخول مواد البناء إلى هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية رغم تعهّد دول مانحة بتقديم خمسة ملايير دولار، لتمكين 1,8 مليون فلسطيني من العيش في ظروف عادية. ولكن هذه المنظمات حملت جزءا من مسؤولية الأوضاع في قطاع غزة على الفصائل الفلسطينية، التي لم تتمكن من تحقيق المصالحة فيما بينها، بينما حمّلت مصر جزءا آخر من المسؤولية بإغلاقها معبر رفح، الذي يُعتبر المتنفس الوحيد لسكان القطاع على العالم الخارجي. وذكرت أن الأممالمتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر كررت في عدة مناسبات، أن الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة يشكل انتهاكا للقانون الدولي، ولا يوجد هناك أي مبرر لفرض عقاب جماعي على شعب بأكمله. والمؤكد أن تحرك هذه المنظمات غير الحكومية حتى وإن كان رمزيا وقد لا يؤخذ بعين الاعتبار من قبل قادة العالم، فإنه يدعم التحركات الرامية إلى عزل إسرائيل على مستوى الرأي العام الدولي، الذي أصبح يبدي رفضا معلنا لسياستها العدوانية والاستيطانية والتهويدية في فلسطين. ومن يدري؟ قد يتحول هذا التحرك على مستوى المنظمات غير الحكومية يوما ما إلى فعل ملموس، قد يضع إسرائيل في قفص الاتهام، خاصة أنه جاء بعد التحرك الذي شهدته العاصمة البريطانية لندن، إثر توقيع ما لا يقل عن 80 ألف شخص على عريضة تطالب باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على جرائمه المقترفة في حق العزّل من أبناء الشعب الفلسطيني. وهو ما يؤكد على وجود صحوة إنسانية بدأت تنظر بعين الحقيقة إلى ما يجري في الأراضي الفلسطينية؛ في تطور قد يقلب الموازين على كيان محتل ظن أن لا أحد قادر على إيقاف عنجهيته وعدوانه.