أكد الكاتب والمترجم، الدكتور محمد ساري، أن مهمة الروائي تتمثل بالدرجة الأولى في إمتاع القارئ من خلال إسفاره مع العمل الأدبي، ذاك الذي يخاطب العاطفة والوجدان. في إطار برنامجها الأسبوعي "أربعاء الكلمة"، نظّمت مؤسسة "فنون وثقافة" نهاية الأسبوع الماضي بمدياتيك "بشير منتوري"، لقاء مع الدكتور محمد ساري حول كتابيه "الغيث" و"محنة الكتابة، مقالات أدبية"، عن دار "البرزخ"، وتحدّث الكاتب عن عمله النقدي "محنة الكتابة، مقالات أدبية"، فقال أنّه يتضمّن مقالات نشرها في جرائد محلية وأجنبية طوال سنوات الإرهاب، ومن بينها موضوع مداخلة قدّمها في باكستان في إطار ملتقى عالمي حول الثقافة السياسية والديمقراطية. وقال المتحدّث أنّه أبرز في عمله هذا علاقة الكاتب العربي بالسلطة السياسية والدينية، وكذا علاقته بالقارئ، كما تناول خصوصية هذا الكاتب، علاوة على إدراجه في منتوجه لمقالات عن كتاب مرموقين أمثال كاتب ياسين، مرزاق بقطاش، واسيني الأعرج وأمين معلوف. مضيفا أنّ هذا العمل عبارة عن قراءات ذاتية حول الأدب والكتاب العرب جمعها من خلال المقالات التي نشرت في الجرائد. أمّا عن رواية "الغيث" فهو يحمل - حسب المتحدث - موضوعا حسّاسا جدّا نما في أعماقه منذ انتهائه من عمله "الورم"، أي منذ عشر سنوات، وأنهى نصّه العربي منذ سنة سينشر نصه باللغة الفرنسية العام المقبل، ويتناول مراحل عديدة تبدأ قبل الاستقلال بفترة قليلة إلى مرحلة الاستقلال إلى غاية مظاهرات الخامس من أكتوبر 1988 وبداية ظهور الخطاب الأصولي العنيف. واعتبر المحاضر، أنّ هذه الرواية هي محاولة منه لفهم ما حدث. مضيفا أنّنا لا نعرف الأشياء بالقدر الكافي، لأنّنا لا نمتلك الجرأة الكافية والمعرفة لتناولها. واستطرد أنّ رواية "الغيث" تتحدّث عن موضوع حرج يتمثّل في صعود التيار الأصولي ذي الخطاب الناري. وفي هذا السياق، أكّد ساري أنّ تناوله للمحنة الجزائرية لم ينبثق عن الخطاب السياسي، بل هو عبارة عن سرد لمسار مجموعة من الشخصيات منذ سنوات الخمسينيات. وتطرّق في رواية "الغيث" أيضا، إلى نظرة الكثيرين إلى الدين من جانبه الشكلي فقط، وظهر هذا في شخصية مهدي الذي ترأس جماعة وجلب ناقة وجعلها تمشي في فناء "سوق الفلاح" بغية بناء مسجد تيمّنا بما فعله الرسول الكريم في المدينة المنوّرة، ويبدأ الصراع بين هؤلاء الذين استولوا على المستودع والسلطة. وفي هذا الصدد، قال المحاضر أنّه أراد إظهار قراءة هذه الحركة للإسلام بطريقة سطحية، فالإسلام دين جاء لبناء حضارة ولا يتم ذلك بالعدوان والاهتمام بالمسائل الثانوية، وعن الغرض من قراءة الرواية، قال الأستاذ بجامعة الجزائر، أنّ الأدب يقرأ لذاته وليس لأغراض مهنية كالقراءة الجامعية. مضيفا أنّ القراءة الأدبية هي قراءة للمتعة. واستأنف في قوله أنّه كاتب لا يرتبط بالإيديولوجيات ولا بأيّ خطاب سياسي، فهو كما يقول "على الهامش وينتقد". واعتبر المتحدث أنّ الأدب يلتزم، وهذا لا يعني أنه يناصر أي حزب سياسي، كما أنه يدافع عن القيم الجمالية التي يجب أن ترتبط بالمتعة الناتجة من القراءة، وهو ما يمثّل نجاح الرواية. وعن إمكانية اقتباس روايات محمد ساري إلى أفلام، قال الكاتب المترجم، أنّه حدث وأن طلب منه إمكانية اقتباس روايته "بطاقة حرية"، إلاّ أنّ المشروع لم يتم حيث تتناول روايته موضوعا شائكا جدا يتمثّل في المجاهدين المزيفيّن. وأضاف أنّ المخرجين الجزائريين يقرؤون بالفرنسية وبالتالي يهتمون بالروايات المكتوبة باللغة الفرنسية، هذا علاوة عن صعوبات اقتباس روايات تتطرّق إلى مواضيع حرجة، خاصة عندما يكون المخرج مدعّما من جهات حكومية. للإشارة، محمد ساري كاتب ومترجم وأستاذ بجامعة الجزائر، من مواليد 1958 يكتب باللغتين العربية والفرنسية، له العديد من الأعمال تنقسم إلى روايات، نذكر منها: "السعير"، "المتاهات"، "جبل الظهرة" و"بطاقة الحرية"، كما ترجم العديد من أعمال الروائيين، فقد ترجم لمايسة باي وياسمينة خضرة وبوعلام صنصال، ويهتمّ أيضا بالدراسات النقدية مثل دراسته حول محنة الكتابة العربية.