أكد الكاتب المترجم محمد ساري في منتدى الإذاعة الثقافية، الذي نظّم أول أمس بالمركز الثقافي عيسى مسعودي، أن النقد الأدبي لم تعد له مكانة في وسائل الإعلام، وبالتالي لم يعد يواكب الإنتاج الإبداعي واستوطن بالمقابل الجامعات وانطبعت عليه صبغة الأكاديمية، ليحقق بذلك فجوة بينه وبين الأدب بعدما ترافقا سنين طويلة، وبالأخص في الستينيات والسبعينيات. وأضاف ساري أن العلاقة بين الأدب والنقد شائكة حقا، فإذا كان الأدب يختزل العلاقة بين الكاتب والعالم الذي يعيش فيه، فإن النقد عبارة عن خطاب على خطاب، فلا يمكن استعمال النقد إلا إذا اعتمدنا على خطاب أولي، كما أن هناك من يعتبر النقد علما قائما بذاته وآخرين يرونه فنا يستعمل العلم. واعتبر المحاضر أن الأديب قد لا يستسيغ أن ينتقد عمله بعد أن بذل فيه جهدا، حتى أنه في الكثير من الأحيان تحدث مشاحنات بين الكاتب والناقد الذي ينتقد أعماله، مثل ما حدث للمتحدث عندما انتقد في سنوات السبعينيات بعض أعمال الطاهر وطار، أيضا لا يواكب النقد الإبداع دائما. مشيرا إلى الشاعرة نازك الملائكة التي تعرّضت لهجوم نقدي كبير، حينما جرّدت الشعر من قافيته المعهودة. وتناول ساري ظاهرة النقد في الجزائر، فقال أنها عرفت مراحل مختلفة، بداية بجيل الرواد أمثال مصايف وركايبي ومحمد ناصر، الذين مارسوا النقد بشكل كبير وكتبوا عن إبداعات عبد الحميد بن هدوقة ومفدي زكريا، الطاهر وطار وآخرين، واعتمد هذا النقد على إطلاق أحكام جمالية إما بالاستحسان أو بالاستهجان، وتأتي المرحلة الثانية من النقد الجزائري مع جيل السبعينيات الذي مارس هذا النقد من زاوية مختلفة، فهناك من مارس الإبداع والنقد في آن وحد كواسيني الأعرج وأمين زاوي، وهناك من تخصص في النقد كمخلوف عامر، واهتم هؤلاء النقاد بالنقد الإيديولوجي من خلال منهج واقعي اشتراكي، أما الأدباء فانصبت كتاباتهم حول مواضيع الساعة كالفقر والثورة الزراعية والتفاوت الطبقي. وواكب نقاد السبعينيات الأدب الذي كان يكتب في تلك الفترة من خلال عملية غربلة الأعمال الإبداعية، فكان هناك تلاقح وتناطح ومعارك حتى بين الكتاب والنقاد في جو ثقافي مفعم بالازدهار والحيوية - يضيف ساري - وأن الإعلام كان يخصص ملاحق وصفحات للنقد الأدبي وباللغتين العربية والفرنسية. بالمقابل، أشار ساري إلى أنّه مارس النقد متأثرا بالتيار الاجتماعي للنقد، أي بالمدرسة الاجتماعية البنيوية التركيبية، والتي تقول أن كل كاتب يعبّر في إبداعه عن الشريحة الاجتماعية التي ينتمي إليها، وفي هذا الصدد قال أن كتاب السبعينيات كتبوا عن القرى والأرياف لأنهم انحدروا جميعهم منها، عكس الأديب مرزاق بقطاش الذي كتب عن المدينة في أول رواية له "طيور في ظهيرة" لأنه ابن المدينة. أما عن نقد اليوم، فيقول عنه ساري أنه شبه غائب، حيث تحول إلى نظري بصفة كبيرة، من خلال انعكاف النقاد في الجامعات واقتصارهم على البحث الجامعي. واستطرد المحاضر قائلا : "من الصعب تطبيق نظريات غربية على إبداع عربي، لأن هذا الأمر لا يأخذ بعين الاعتبار الخلفيات التي تميز كل إبداع، كما لا يمكن أن نأتي ونطبق نظرية على عمل إبداعي وننتظر النتيجة، فإذا تطابق نقول جيد وإذا لم يتطابق نقول هذا عمل سيء لأن الإبداع حر". وعودة إلى نقد اليوم، أكد ساري أنه لا يرافق الإنتاج الغزير الذي تعرفه الساحة الأدبية الجزائرية. مشيرا إلى أن الإعلام لم يعد يهتم بالنقد، بل بتقديم المعلومة فقط، كما أن مساهمات المختصين في الجرائد ضئيلة جدا - حسب المتحدث - أما الناقد الأكاديمي فهو منطو على نفسه في الجامعة مهتم برسائل التخرج وانتقاد الأدباء الموتى وعدم مواجهة الأحياء منهم. وحثّ الناقد على أهمية أن يصاحب النقد في الجزائر الإبداع، كالاعتماد على المختصين في نقد الأعمال الإبداعية بوسائل الإعلام ودعوة الصحافة الأدبية إلى حضور مناقشة الرسائل التي تهتم بالأدب المعاصر في الجامعات. وانتقل المتحدث إلى عالم الترجمة، خاصة أنه ترجم 15 كتابا، فقال أن العالم العربي لا ينتج المعرفة وبالتالي هو في أمس الحاجة إلى ما ينتجه العالم الغربي من علم وأدب، وهذا عن طريق الترجمة التي تتطلب وجود مترجمين محترفين والكثير من الأموال والتسويق. مضيفا أنه يجب تحقيق المصالحة بين الكتاب الذين يكتبون باللغة العربية وأولئك الذين يكتبون باللغة الفرنسية، وهذا عن طريق الترجمة، خاصة أن اللغة أيا كانت غير مسؤولة عن نوعية وكمية الإنتاج الإبداعي.