نظّم الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة بالتعاون مع السفارة الأمريكية والغرفة الأمريكية للتجارة بالجزائر أمس بقاعة ابن زيدون، ملتقى خاصا ب"الملكية الفكرية: من التصميم إلى التطبيق"، تضمّن عددا من المداخلات التي تمحورت أساسا حول التشريعات الوطنية والدولية، خاصة في مجال مكافحة قرصنة المصنّفات الفكرية والصناعية. افتتح الأشغال السيد سامي الشيخ مدير الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، الذي أكد أن الجزائر ظلت تدعم الاتفاقيات الخاصة بهذا الشأن، خاصة تلك التي أمضتها، منها، مثلا، اتفاقية بكين ومراكش. كما تناول المتدخل تجربة الديوان في نشر ثقافة الوعي بهذا الموضوع لدى الرأي العام الوطني، خاصة عند فئة الشباب ومن خلال تدعيم مختلف الأنشطة الثقافية. وأشار المتحدث إلى جهود الديوان في محاربة كل أشكال الاعتداء على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، بمشاركة قطاعات أخرى معنية بتطبيق القانون، وعلى رأسها السلك الأمني (شرطة ودرك) والجمارك ووزارة العدل، وغالبا ما يكون العمل والتدخل مشتركا. وعبّرت سفيرة الولاياتالمتحدةبالجزائر في كلمة ألقتها بالمناسبة، عن سعادتها بالحضور، مؤكدة على أهمية تناول الجانب الثقافي والفني في الموضوع. وأشارت إلى أن الظاهرة أصبحت تهديدا للعديد من دول العالم؛ فالقرصنة في بلادها بلغت 60 بالمائة، أما بالصين فبلغت 80 بالمائة، ثم تحدثت عن ثراء الجزائر المتمثل في تنوعها الثقافي والفني، خاصة في الأدب وفي الموسيقى، منوهة بالجهود المبذولة؛ حيث ذكرت أن الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة حفظ 500 ألف إنتاج موسيقي جزائري، وأتلف 2 مليون مصنف مزور، ثم راحت تثمّن مستوى التعاون الجزائري - الأمريكي في هذا المجال، خاصة فيما تعلّق بالتطبيق (تنفيذ آليات التطبيق ميدانيا)، مؤكدة أن بلادها تساند الحكومة الجزائرية ضد هذه الآفة العالمية (القرصنة والغش والتقليد) العابرة للحدود، والتي تنخر اقتصاديات الدول. من جهته، أسهب السيد عز الدين ميهوبي وزير الثقافة في الحديث عن هذا الموضوع، الذي وصفه بالصعب وذا الأهمية البالغة وطنيا ودوليا. وقال: "لقد انتقل العالم من حروب السيطرة والنفط والماء إلى حروب المعرفة؛ إذ إن من يملك المعرفة حتما سيملك النفوذ والقوة، وهو ما أصبح اليوم يُعرف بالحروب الإلكترونية". وأكد أن الملكية الفكرية تتجاوز الأغنية والقصيدة؛ فهي كل ما ينتجه العقل البشري. وأشار السيد الوزير إلى أن هذه الحرب تتطلب سن قوانين وتشريعات صارمة تنطلق من حفظ الحقوق، كما تتطلب تعاونا بين الدول الصاعدة والأخرى المتطورة، علما أن الجزائر باتت رائدة في هذا المجال؛ من خلال الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة الذي أصبح مرجعية، مضيفا أن الجزائر تبادر في كل سنة بحرق ملايين المصنفات المزوّرة التي تنتَج بطريقة غير قانونية، وأنها منخرطة في كل المعاهدات الدولية، وستظل وفيّة لالتزاماتها، وتعمل لمحاربة الآفة بإشراك كل القطاعات المعنية. وشارك في الملتقى العديد من الخبراء البارزين على الساحة الدولية، ومنهم الخبير الجزائري الدكتور أحمد لعرابة، الذي أكد في محاضرة ألقاها، أن الدول تلتزم بالاتفاقيات الموقّعة، وبالتالي تعمل على مراجعة قوانينها الوطنية، مبرزا الجدل القائم بين سلطة الاتفاقية أو المعاهدة وبين القانون، خاصة في حالة التناقض بينهما مع مراعاة المبادئ الأساسية المشتركة في المجال التشريعي، منها حماية الحقوق على الرغم من اختلافها من بلد إلى آخر، خاصة من الجانب المعنوي. الأستاذ لعرابة المستشار القانوني لديوان حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، أشار أيضا إلى مختلف الاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر منذ منتصف التسعينيات، مؤكدا على أهمية آليات تنفيذ القوانين، التي تبقى من أهم الرهانات المطروحة حاليا. تدخّل بعدها الخبير الأمريكي الدكتور كفين كورينغ، الذي قدّم محاضرة مصورة، استحضر فيها الجانب التاريخي الخاص بالتطور التكنولوجي عبر العصور، وصولا إلى الاجتهادات القانونية لحماية الملكية الفكرية، مستعرضا أيضا دور التكنولوجيا التي أدخلت وسائل إنتاج جديدة ابتداء من الطباعة والصورة والراديو والتلفزة، وصولا إلى الأنترنت، وكلها تستوجب حماية بوسائل واتفاقيات خاصة. وركز السيد الشيخ على هامش الملتقى الذي ستختَتم أشغاله اليوم في ندوة صحفية مقتضبة مع السفيرة الأمريكية، على أن الولاياتالمتحدة لها تجربتها الكبيرة في هذا المجال، ولها آليات متطورة جدا لصد الآفة. وفي تصريح خص به "المساء"، أشار السيد الشيخ إلى أن الولاياتالمتحدة تمتلك نظام مراقبة صارما على الإنترنت، متطور تقنيا أكثر من الوسائل الأوربية". كما تناول محدّث "المساء" مسألة انضمام الجزائر لمنظمة التجارة العالمية ضمن شروط أهمها احترام الملكية الفكرية والثقافية. (السيد الشيخ عضو في لجنة المفاوضات باسم الجزائر)، علما أن الولاياتالأمريكية ثمّنت في أول مرة لها في تقريرها السنوي لسنة 2014، جهود الجزائر في مجال حماية حقوق المؤلف.