يصل رئيس جمهورية السودان عمر حسن البشير، اليوم، إلى الجزائر في زيارة دولة تدوم ثلاثة أيام بدعوة من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة. وأوضح بيان لرئاسة الجمهورية ورد أمس، أن هذه الزيارة ستسمح لرئيسي الدولتين ب ”تبادل وجهات النظر حول المسائل الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، لاسيما الرهانات التي تواجهها الأمة العربية؛ من أجل تعزيز وحدتها، وتأكيد حقوقها وكذا الحفاظ على السلم والأمن في إفريقيا”. كما سيغتنم وفدا البلدين هذه الفرصة لدراسة فرص التعاون متعدد القطاعات والشراكات الاقتصادية القائمة بين البلدين. وتجمع الجزائر والسودان علاقات طيبة وجيدة تمتد إلى عمر الجزائر المستقلة، حيث عُرف عن البلدين دعم بعضهما البعض في كافة القضايا السياسية المطروحة على المستويين الجهوي والدولي، بما يعكس توافق وجهات نظرهما. وتبقى العلاقات الاقتصادية بينهما بحاجة إلى تعزيز أكبر، بالنظر إلى الإمكانيات الهامة التي يمكن توظيفها في البلدين من أجل تحقيق ذلك. وأبدى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في رسالة كان قد بعث بها إلى نظيره السوداني حسن عمر البشير في مارس الفارط، بمناسبة التوقيع على وثيقة إعلان المبادئ لسد النهضة الإثيوبي، بالغ ارتياحه لعلاقات الأخوة المتينة التي تربط بين البلدين الشقيقين والتعاون الثنائي الوثيق القائم بينهما”، مبرزا حرصه على ”تعزيزه وتطويره في شتى المجالات”. من جانبه، أشاد الرئيس السوداني - خلال استقباله مؤخرا لرئيس المجلس الشعبي الوطني محمد العربي ولد خليفة ممثل الرئيس بوتفليقة، في مراسم تنصيبه رئيسا للسودان في بداية جوان الماضي إثر إعادة انتخابه - بجهود الجزائر التي تبذلها لضمان استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة. وأكد السفير السوداني بالجزائر عصام عوض متولي مؤخرا في تصريحات صحفية، أن زيارة الرئيس عمر البشير للجزائر دليل على عمق الروابط التي تجمع البلدين على كافة الأصعدة حتى الثقافية والروحية والدينية. وأشار إلى أن وفدا رفيع المستوى يتكون من ستة وزراء، سيرافق الرئيس البشير في هذه الزيارة، موضحا أن الملفات المطروحة ستتطرق للجانبين السياسي والاقتصادي. ففي الجانب السياسي، سيتم الحديث عن سبل التنسيق والتشاور بين البلدين من أجل تجسيد الدعم المتبادَل بينهما في المحافل الإقليمية والدولية، إضافة إلى تعميق التشاور بينهما حول المسائل الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الحوار الجاري حاليا في السودان، وكذا الوضع بليبيا، والأوضاع التي تعيشها المنطقة العربية، لاسيما الأحداث في اليمن وسوريا ومالي بدون إغفال القضية الفلسطينية والتطورات الأخيرة التي شهدتها. وبالنسبة للدبلوماسي السوداني، فإن قضايا مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والمتاجرة بالبشر، ستكون هي الأخرى ملفات مطروحة على طاولة المحادثات بين قائدي البلدين. في الجانب الثاني، يعوّل البلدان من خلال هذه الزيارة، على تعزيز العلاقات الاقتصادية؛ من خلال إحداث تكامل في إمكانياتهما وفي خبراتهما، لاسيما في قطاعي الفلاحة والصناعة. ويزخر السودان بموارد طبيعية هامة لم تُستغل بعد، لاسيما في المجال الفلاحي؛ حيث يملك هذا البلد أراضي زراعية شاسعة أصبحت تسيل لعاب الكثير من الدول، كما أنه معروف بقدراته الهامة في مجال المواشي؛ إذ تقدَّر الثروة الحيوانية فيه ب 130 مليون رأس، في وقت يحتاج السودان إلى الخبرة في مجال إنشاء الحظائر والمذابح وحتى الطب البيطري. وحسب السفير االسوداني في الجزائر، فإن الوفد المرافق للرئيس سيعرض جملة من المشاريع على الجانب الجزائري، وهي مشاريع جاهزة للتنفيذ تخص عددا من المجالات، لاسيما الطاقة. كما سيتم طرح حاجيات هذا البلد في مجال التكوين وفي قطاع الثقافة. وكان السودان ضيف شرف على فعاليات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية مؤخرا، من خلال أسبوع حافل بالتظاهرات الثقافية المميزة له. وبالمناسبة، صرح السيد عصام عوض متولي بأن العلاقات بين الجزائر والسودان ”تتميز بتقارب في وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية”، وأن الجزائر ”تؤدي دورا رائدا في المنطقة بفضل دبلوماسيتها المحنّكة، التي قادت ببراعة الوساطة الدولية المتعلقة بالمفاوضات بين الماليين”. وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين قال إنها تسجل ”ديناميكية ملحوظة شيئا فشيئا”، مؤكدا أن الاجتماع المزمع قبل نهاية السنة الجارية للجنة المختلطة بين البلدين، سيعمل على ”تعزيز روابط التعاون والارتقاء بها إلى أعلى المستويات”؛ باعتبار أن الأمر يتعلق ”بمشاريع قادرة على تكثيف الاستثمارات الجزائرية ببلاده”. وكان البلدان قد اتفقا في جوان الماضي على إعداد مذكرة تفاهم تحدد محاور التعاون في مجال البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، القائم على المصلحة المشتركة، وسيتم التوقيع عليها في اجتماع اللجنة المشتركة. كما تحدّث السفير عن مشروع توأمة بين مدينتي قسنطينةوالخرطوم، ستحدَّد ملامحه - كما قال - ”في وقت لاحق”. وقالت مصادر إعلامية سودانية إن زيارة الرئيس السوداني للجزائر كانت مقررة خلال سبتمبر الماضي، ولكنها أُرجئت بطلب من الجانب الجزائري. وذكرت أن الوفد المرافق للبشير يضم كلا من وزير رئاسة الجمهورية ووزراء الخارجية، المعادن، المالية، النفط، الاستثمار والطيران المدني، كما توقع انضمام ممثلين لاتحاد أصحاب العمل. وأفادت بأن المباحثات المرتقبة في الجزائر ستركز على الجوانب الاقتصادية رغم أن عنوانها العريض ذو صلة بالتفاهمات السياسية وتطورات الأوضاع في المنطقة، لاسيما تلك الجارية في سوريا وليبيا، لافتة إلى أن مواقف السودان والجزائر تتطابق إلى حد كبير حيال الأزمة الناشبة هناك. ورجّح مسؤول في وزارة الشؤون الخارجية السودانية أن تتوَّج المباحثات بالإعلان عن تنشيط الخطوط الجوية الجزائرية لرحلات مباشرة أو عبر محطات أخرى، إلى الخرطوم، خاصة بعد تعزيز الخطوط الجزائرية بأسطول جديد من الطائرات. وأشار إلى رغبة الجزائر في استيراد اللحوم من السودان، مذكرا بوجود استثمارات جزائرية في السودان، وقال: ”بدأت الجزائر في استيراد السمسم من السودان بجانب مساهماتها في التدريب والأصول الوراثية لبعض النباتات والدواجن”. وعند الحديث عن السودان، فإن ”أم درمان” تعود دوما إلى أذهان الجزائريين الذين كانت هذه المدينة ”فأل خير” على فريقهم الوطني، الذي انتصر في مباراته ضد الفريق المصري؛ في مباراة تاريخية مكّنته من التأهل إلى مونديال 2010 بجنوب إفريقيا. فرغم أنها كانت مباراة رياضية في كرة القدم إلا أنها ساهمت من خلال الأحداث التي أعقبتها، في توطيد العلاقات بين البلدين والشعبين.