شكلت الزربية التقليدية بمختلف نماذجها وألوانها، ديكورا من الفسيفساء الفنية الجميلة في عرضها ببهو دار الثقافة "علي سوايعي" بمدينة خنشلة، في إطار الصالون الوطني للزربية والمنتجات الصوفية في طبعته الرابعة، التي جاءت تحت شعار "أصالة وتقاليد"وعرفت مشاركة 50 عارضا قدموا من 8 ولايات للعرض والتعريف بهذا الموروث التقليدي العريق والتنافس على الفوز بالجائزة الوطنية لأحسن منتوج تقليدي. كشفت أجنحة الصالون، رغم الإقبال المحتشم للزوار، عن مدى العناية التي توليها العديد من الجهات في البلاد، للحفاظ على هذا النوع من النسيج الصوفي التقليدي المندرج ضمن التراث المادي الذي أصبح في السنوات الأخيرة يحظى باهتمام ودعم الدولة، على غرار نماذج من الزرابي التقليدية التي تم عرضها، على سبيل الحصر؛ حرفيو ولايات تيارت وتيزي وزو وتبسة والجلفة وأم البواقي وبسكرة وغرداية وولاية خنشلة المستضيفة، حيث صنعت تحفا رائعة باختلاف أنواعها وأحجامها وأشكالها وألوانها وحتى أسمائها، فمنها زربية "الدراقة البابارية" التي تشتهر بها ولاية خنشلة، وزربية "واغزل" القبائلية والزربية "النموشية" بمنطقة تبسة وزربية "النيلة" من غرداية وأنواع أخرى من الزرابي والأفرشة التقليدية المتنوعة، كالحنبل والسجادة والوسائد التي لا تزال تحتفظ بها الكثير من العائلات في مختلف جهات الوطن، والمصنوعة من صوف المواشي والخيوط المغزولة باستعمال أدوات الحياكة والنسيج، كالسداية "المنوال والقرداش والخلالة والصوات" والمقص، وهي تسميات تختلف من منطقة إلى أخرى ولا يمكن الاستغناء عنها، حسبما أوضحه بعض العارضون في الصالون. زربية بابار مفخرة ولاية خنشلة وقفت "المساء" في الجناح المخصص لزربية "بابار"، على اعتبار أن الولاية المستضيفة للصالون، هي ولاية خنشلة التي لا تزال تحافظ على طابعها التقليدي موروثا ثقافيا وتراثيا عريقا بهذه المنطقة من الأوراس، حتى أن البعض يطلق عليها زربية الأوراس، إلا أن هذا الاسم لم يصمد أمام التسمية التي تشتهر بها والمنسوبة إلى بلدية بابار فيقال؛ "زربية بابار"، كما أشار إليه العارضون الذين ثمنوا المكانة التي تحظى بها هذه الزربية التي نالت شهرة وطنية وأصبحت غنية عن التعريف حيثما حلت، لاسيما في التظاهرات والمهرجانات الجهوية والوطنية، بإعجاب الفضوليين والزوار والمهتمين بهذا التراث المادي في بعده التاريخي والحضاري في هذه الجهة من الوطن. وتتميز زربية "بابار" بدلالات وأشكال في رسوماتها المستمدة من واقع وعادات وتقاليد المنطقة، مثلما أشار إليه صناع هذه الزربية التي يعتز بها سكان المنطقة، حيث أكدو أن هذه الرسومات التي تحملها الزربية والمنسوجة بحبكة ودقة وبألوان مختلفة، تنفرد بها عن بقية الزرابي التي تنسج في جهات أخرى من الولاية وفي غيرها من مناطق البلاد، برسومات الحلي والرمح والسيف والخلالة والهلال، هي في حقيقتها ذات معاني لجلب الخير والفال الحسن. وتتم عملية نسج الزربية، حسب السيد حسين بوزكري المتخصص في هذه الحرفة من النسيج التقليدي ببلدية بابار، باستعمال المنوال التقليدي المعروف محليا ب«السداية" وأدوات حديدية كالخلالة لدق ورص الخيوط والصوات والمقص، بعد أن تتم عملية تحضير الصوف وتهيئته عبر مراحل إلى أن يصير رطبا وأملسا، ليتم كذلك نفشه ب«القرداش" ويطوى بالمغزل جيدا حتى يتحول إلى خيوط للنسيج. رسوم ودلالات من وحي التراث من جهته، يقول الحرفي عمار طبي أن الألوان التي تزين هذه الزربية التي يغلب عليها الأحمر والأسود والأصفر، لا تستعمل حسب المزاج أو الصدفة، بل تتناسق مع الرسوم والدلالات التي تقدم من قبل العارفين والمتمرسين في حياكة الزربية، سواء من الرجال أو النساء، بهدف الحفاظ على الطابع المميز لهذه الزربية التقليدية التي استطاعت، رغم مراحل العمر، أن يظل هذا الموروث في الغالب يحمل اسم العائلة في المنطقة، فيقال زربية فلان نسبة إلى أحد الأجداد بالمنطقة. أما فيما يخص استخدام الألوان، فيتم استخراجها من النباتات الطبيعية، عن طريق مزج الأعشاب، مثل الحنة وقشور الرمان وعود السواك وغيرها من الأعشاب الأخرى المعروفة عند النساجين بالمنطقة، والتي تكون عبارة عن خليط كيماوي تقليدي. وكثيرا ما تستعمل أيضا في صباغة الصوف الخاص بنسج "القشابة" و«البرنوس" و«البخنوق" التقليدي. وبعد القيام بكل هذه التحضيرات، يشرع في مرحلة المنوال أو ما يعرف ب«السداية" التي تمثل الهيكل الذي تنطلق منعه عملية النسج والربط بين الخيوط باستعمال أدوات نسيجية مصقولة جدا، متجهة أفقيا وسط الخيط المعروف ب«القيام"، حيث يجلس الناسج وراء هذا الهيكل ويقوم بتحريك يديه التي تشق الخيوط ذهابا وإيابا وترصيصا بدقة وسرعة، باستعمال الخلالة والصوات والمقص في حركة سريعة ومنتظمة. يتراوح وزن الزربية بين 30 و50 كلغ ويتم قياسها بالذراع أو أدوات القياس الحديثة، ويحبذ سكان منطقة بابار التي لا يخلو فيها أي بيت من هذا المتاع الصوفي، أن تجرى عملية قياس ووزن الزربية بعد الانتهاء منها وطيها لتكون فأل خير على أهل البيت ولا تنقطع حياكتها، لتظل إرثا من موروث الأجداد إلى الآباء، وصولا إلى الأحفاد، حيث تبقى ملازمة لأهل البيت في أفراحهم وأعراسهم ومفروشة دائما للضيوف. "زربية بابار" جزائرية بشواهد تاريخية ويعود تاريخ "زربية بابار"، حسب الآراء السائدة، إلى بني هلال الذين استقدموها معهم عند تواجدهم في المنطقة، في حين يرى البعض بأنها مستمدة من زربية أهل الشام، لكن الأمر المؤكد هو أن هذه الزربية قديمة الوجود، حسب الأستاذ لزهر بوقفة، إطار في مديرية السياحة والصناعات التقليدية، الذي قال؛ "إن الحياكة والألوان والرسومات على وجه زربية بابار تختلف عن كل المناطق الأخرى في البلاد، مؤكدا أن نموذجا منها موجود في متحف اللوفر بألمانيا وفي بعض متاحف فرنسا إلى حد الآن، مما يثبت حسبه عراقة هذا النسيج الصوفي التقليدي الجزائري". تذكر بعض الروايات التي لم تحدد التاريخ الأصلي لظهور الزربية في بلاد شمال إفريقيا، تلك القطع الأثرية التي عثر عليها المؤرخون بمدينة الفسطاط في مصر والتي تشبه، حسب الأستاذ بوقفة، إلى حد بعيد، بعض الزرابي ببلاد المغرب العربي خلال فترة حكم المرابطين والموحدين. ومهما يكن فإن الزربية الجزائرية في شتى أنحاء البلاد حافظت على السمات التقليدية لها في بلاد القبائل والأرواس والصحراء وكذا على الهوية والانتماء العربي، وهذا ما تجسده للعيان "زربية بابار". للإشارة، فإن صناعة النسيج الصوفي وحياكة الزرابي بعدة جهات من ولاية خنشلة، بدأت خلال السنوات الأخيرة تسترجع مكانتها بعدما كادت تزول، بفعل آليات الدعم المقدمة لتشجيع الحرفيين الذين أكد بعضهم أن "زربية بابار" ليست بحاجة إلى العرض بل إلى إيجاد وسائل تسويقها وبيعها، مطالبين بضرورة فتح المتحف المخصص بمقر بلدية بابار التي تنسب إليها الزربية، والحفاظ عليها من الزوال والنسيان وإعادة الاعتبار لها، خصوصا في ظل الحياكة والنسيج العصري المنافس لهذا الموروث التقليدي الذي يعد امتدادا للتراث المادي الوطني، بتفعيل هذا النشاط الحرفي وما يرافقه من حركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.