تحتفل الصحافة الجزائرية اليوم بعيدها الوطني الثالث المصادف ليوم 22 أكتوبر من كل عام، تيمنا بذكرى تأسيس جريدة "المقاومة" التي خرجت من رحم ثورة شعبية، لإسماع صوت المجاهدين وكل الجزائريين بأن الجزائر ليست فرنسية ولن تكون كذلك، وأن موعد كتابة تاريخ جديد قد حان. فاختيار هذا اليوم ليكون عيدا للصحافة الوطنية يعبر عن مقاومة الأسرة الإعلامية وجهادها المستمر لإيصال الرسالة. وكان تأسيس هذه الجريدة وعنوانها في حد ذاته رسالة للمستعمر وحدثا بارزا خلد مآثر ثورة نوفمبر وإنجازاتها وأهدافها. وكان لا بد والجزائر تنعم باستقلالها، أن يكون يوم تأسيسها خالدا بجعله يوما وطنيا للصحافة الجزائرية، كما أقره رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة سنة 2012، عرفانا بجهود الأسرة الإعلامية في خدمة الوطن والدفاع عنه ومرافقة جهود الدولة في التنمية وتحقيق التطور المنشود، واعترافا بدور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام والتأثير فيه. وتحيي الأسرة الإعلامية هذا اليوم مثمنة المكاسب التي حققها القطاع والأشواط التي قطعتها حرية التعبير، بالرغم من حداثة تجربة التعددية الإعلامية والقوانين التي تضبط آليات وطرق ممارستها باحترام الأخلاقيات المهنية التي يقتضيها العمل في السلطة الرابعة، هذه السلطة التي بالرغم من هذه المكاسب التي حققتها، بات عمداؤها وصحفيوها المخضرمين يتحصرون لما آلت إليه من فوضى ونمطية فرضها أشخاص دخلاء على القطاع، همهم الوحيد الربح السريع، فحولوا المهنة النبيلة إلى تجارة مربحة. وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد يوم وطني للصحافة جاء دعما للتدابير العملية التي يجري تجسيدها في إطار مسار تعميق الإصلاحات السياسية، التي يحتل فيها مسعى تحرير قطاع الإعلام وتعزيز مكاسب حرية التعبير والصحافة مركزا محوريا، انطلاقا من المبادئ الديمقراطية. ويعد ترسيم اليوم الوطني للصحافة تكريسا للاهتمام المتزايد للسلطات العليا في البلاد، بترقية حرية التعبير والصحافة وتعزيز الممارسة الديمقراطية، وذلك ضمن تطبيق برنامج الإصلاحات السياسية العميقة التي يهدف بعضها إلى تنظيم قطاع الإعلام وترقيته، بدءا بمراجعة قانون الإعلام وإقرار قانون السمعي البصري وفتح قنوات خاصة، بالإضافة إلى التحضير لسلطتي ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة السمعية البصرية وكذا منح بطاقة وطنية للصحفي المحترف مع إعطاء تعليمات للمؤسسات الوطنية والرسمية بتسهيل مهمة حامل هذه البطاقة وتزويده بالمعلومات التي يحتاجها. ويحل العيد الوطني للصحافة على الأسرة الإعلامية الجزائرية هذه السنة، والجزائر تحصي عددا قياسيا من العناوين الإعلامية المتعددة المكتوبة والقنوات التلفزيونية التي باتت ترى النور كالفطريات، ليصل عددها في وقت محدود إلى أكثر من 44 قناة، بالرغم من أن أغلبها غير معتمدة، ناهيك عن الصحف الإلكترونية والمواقع التي أصبحت المقصد الأول لفئة كبيرة من الجزائريين المتعطشين للأخبار، للاطلاع على آخر المستجدات في وقتها، حيث أصبحت بديلا إعلاميا وطفرة جديدة في عالم الصحافة. وينتظر أن يتعزز الإطار التنظيمي الجديد لمهنة الصحافة في الجزائر بإجراءات تطبيقية تنظم عمل المؤسسات الإعلامية، خاصة السمعية البصرية التي يملكها الخواص، وفق دفاتر شروط ملائمة وهيئات للضبط تنظم عملها حفاظا على حرية الأفراد وضمانا لاحترام أخلاقيات المهنة. كما شرع القطاع في تطبيق العديد من المحاور التي تضمنتها تدابير قانون الإعلام، على غرار برامج التكوين الموجهة لفائدة الصحفيين، في انتظار استكمال ما تبقى من إجراءات تشمل على وجه الخصوص قانون الإشهار الجديد الذي يعول عليه لفرض تنظيم في سوق الإشهار التي تعرف نوعا من الفوضى. ورغم كل هذه الإنجازات وتضحيات أسرة الإعلام وجهود الدولة للنهوض بالقطاع الذي شئنا أم أبينا، يبقى قطاعا حساسا يعكس صورة البلد ومستواه، ومقياسا لمدى تقدمه أو تخلفه، فإنه لا زال يعاني من العديد من النقائص أو السلبيات التي تعيق تقدمه رغم كل الجهود المبذولة بل وتشوه صورته أحيانا بسبب ظهور فئة الدخلاء ممن لا يفقهون في مهنة الصحافة والتي أصبحت تملك العديد من الوسائل الإعلامية، والتي يبقى هدفها الأول والأخير تجاريا محضا دون مراعاة حق المواطن في الإعلام والرسالة الإعلامية النبيلة ولا حق الصحفي الذي تستغله لتحقيق أرباح يستفيد منها مالك الوسيلة الإعلامية. وللأسف، فقد انعكس هذا الوضع على المشهد الإعلامي وأصبحت هذه الوسائل الإعلامية تركض وراء الإشهار، ولم تعد تعير اهتماما للنوعية، بحيث أصبحت نسخا عن بعضها البعض، وسقطت في فخ النمطية والكسل. وهو وضع يخشى أن تنعكس آثاره على المشهد الإعلامي في حال لم يتدخل مهنيو القطاع للحفاظ على المكاسب التي تحققت بفضل تضحيات أقلام دفعت الثمن غاليا.