يتجّه قطاع الإعلام والاتصال، نحو "ثورة تحرير" من الداخل، تهدف إلى إعادة تنظيمه وهيكلته وضبط عقارب ساعته، خاصة فيما تعلّق ب"أخلقة الصحافة"، وتنظيم ملف الإشهار بما يخدم المهنية والاحترافية، ويخلّص "السلطة الرابعة" من لغة الابتزاز والضغط والمساومة وليّ الذراع. ويعمل وزير الاتصال، حميد قرين، منذ توليه حقيبة القطاع، على إنجاح مسعى إعادة النظر في سير القطاع وتطهيره من الممارسات الدخيلة واللامهنية، وذلك في سياق تطبيق برنامج رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، في شقه الخاص بالإعلام والصحافة وحرية التعبير. بعد شروع "اللجنة المؤقتة" في دراسة ومنح "بطاقة الصحفي"، وتشكيل "الجزء المعيّن" من لجنة ضبط السمعي البصري، يُنتظر أن تتواصل مهمة التقويم و"الإصلاح"، باعتماد حزمة من القوانين والمراسيم التنفيذية، أهمّها قانون الإشهار الجديد، وكذا مرسومان تنفيذيان يخصّ الأول وكالات الاتصال، ويتعلق الثاني بسبر الآراء والاستطلاعات.
"ثورة" تغيير وإصلاح هذه التنظيمات الجديدة، بدأ التحضير لها منذ عدّة أشهر، موازاة مع التحضير أيضا لاستكمال تشكيلة لجنة ضبط السمعي البصري، وإنشاء لجنة ضبط الصحافة المكتوبة، وكذا مجلس أخلاقيات المهنة، هذا الأخير سيكون بمثابة "الجهاز" الرقابي والعقابي المشكل من أهل المهنة لإعادة ترتيب البيت. "ثورة التغيير" التي يعرفها قطاع الإعلام، منذ أسابيع، يبدو أنها حسب ما يسجله إعلاميون وصحفيون، لم تعجب الكثير من أهل الصحافة، الذين هم أدرى بشعابها، وهو ما يكشفه هوس وتخوّف "حرّاس المعبد" من تضييع "مكاسب" حاولوا خلال المراحل الأولى لميلاد التعددية الإعلامية، واستأنفوا الآن نفس المحاولة، من أجل "تأميم" قطاع يبقى ملكا لكلّ أبنائه وليس من حقّ فئة معيّنة فقط! هذه "الفوبيا" القديمة الجديدة والتي تستيقظ كلّما اعتقد "المهووسون" أن مصالحهم الشخصية في خطر، تحوّلت مؤخرا إلى "حملة" غذت نيرانها البعث عن "ريع" الإشهار العمومي، والغريب أن "كبار" يُناضلون ويُحاربون بهدف حرمان زملائهم "الصغار" من "مساعدات الدولة" المترجمة كإشهار توزعه الوكالة الوطنية للنشر والإشهار (anep)!
فصول "الحملة" وخلفياتها الحملة تستهدف أساسا وزير الاتصال، الذي بدأ منذ تعيينه، في تفكيك قنابل قطاع ملغم، ولأنه شرع في وضع يده على الجرح، شعر "بعض المستفيدين" بما فسّروه على أنه خطر يُداهمهم، بينما كان المفروض أن يلتحقوا بمبادرة "أخلقة" القطاع، وتوزيع مساعدات الدولة توزيعا عادلا، أو المساهمة بمقترحات عملية، بدل الغرق في فنجان الرشق بالسبّ والسباب والقذف. وتفسّر تحليلات متابعين أسباب وخلفيات "الحملة"، بأنها نتيجة لمبادرة الوزير حميد قرين، قصد تنظيم القطاع، خاصة في شقه المرتبط بسوق الإشهار، ولعل حديث الوزير عن التوجّه نحو إدخال الإشهار إلى "دائرة المثالية"، أو "الدائرة الفضلى"، قد أشعل النار في الرافضين للتخلي عن "مواقعهم السابقة" التي جعلتهم وتجعلهم يتوهّمون بأنهم "الممثل الوحيد" بل "الوريث الشرعي" للصحافة الجزائرية! وتشير قراءات أبناء القطاع من الحياديين والمحترفين، إلى أنه "من غير المعقول ولا المقبول أن يُعطى الإشهار لمن لا يحترم أخلاقيات المهنة"، علما أن "جزءا من الإشهار العمومي هو أيضا دعم للصحافة"، وهنا يؤكد فريق واسع من الإعلاميين، تعليقا على هذه المعادلة، أنه "ليس هناك في الصحافة موضوعية كاملة، لكن هناك نزاهة"، بمعنى أن هناك "هامش خطإ غير متعمّد"، لكن عندما يكون الخطأ مقصودا، ثمّ يتحوّل إلى حملة قذف غير مهنية لجمع الغنائم، فهذا يستدعي فعلا "انتفاضة" لتصحيح وضع غير طبيعي.
الإشهار العمومي سبب "الغضب والاحتجاج" وتشير مصادر مطلعة ل "الشروق"،إلى أن مسعى تنظيم وأخلقة قطاع الإعلام سبب "قيام القيامة" على خلفية الملايير المتأتية من الإشهار والإعلانات، والعجيب في هذه "المعركة" أن "دعاة المهنية" يتبنّون مواقف نضالية وإيديولوجية، يُحاولون بها عبثا "تعويض خسائرهم"، نتيجة "الشحّ" الذي تعرفه مداخيل الإشهار، وهو ما أثار ثائرة هؤلاء ضد الوزير حميد قرين الذي جهر بخطته النابعة من توجهات الحكومة والرئيس شخصيا لإعادة هيكلة القطاع بتبني خطة طريق لوضعيته والحلول الممكنة مثلما تضمنته رسالة رئيس الجمهورية في اليوم العالمي لحرية التعبير والصحافة بتاريخ 3 ماي الماضي. وتؤكد المعلومات المتوفرة، أن الوصاية على قطاع الإعلام، باعتبارها المحرّك المنظم، مثلما هو معمول به في كل البلدان، تعمل على تكريس استراتيجية القاضي الأول في البلاد، في شقها الذي يؤكد على أنه "لا وصاية على الصحفي إلاّ من الجهات المخولة قانونا"، إضافة بطبيعة الحال إلى "ضمير الصحفي". هذا التوجه العام، أربك الجهات "المستفيدة بأثر رجعي" من فوضى القطاع، نتيجة إفرازات التسعينات التي ولّدت أيضا "أزمة أخلاقية يجب معالجتها تدريجيا بما تقتضيه المعايير المتعامل بها عالميا".
اللجنة المؤقتة لمنح بطاقة الصحفي البداية فقط وفي سياق ضبط عقارب ساعة القطاع "المريض"، بدأت المحاولة بتشكيل لجنة مؤقتة لإحصاء واستقبال ومنح بطاقة الصحفي المحترف للمنتسبين، وفق شروط معقولة، وهي حسب مصادر عليمة "البداية فقط تمهّد لاستفادة الصحفيين من امتيازات أخرى بعد هيكلتهم والتأسيس لقنوات تمثلهم". وقد تم تسليم 2000 بطاقة لصحفيين منذ جويلية الماضي، على أن تتواصل العملية إلى غاية استقبال نحو ألفي ملف آخر. هذه الخطوة رافقها الإعلان عن الشروع في تشكيل سلطة ضبط السمعي البصري، القطاع الذي سيبقى "ملكا للمجموعة الوطنية"، في انتظار الانتهاء من تأسيس هذه السلطة التي "مازالت في طور الإنشاء" تزامنا مع التحضير لنصوص قانونية تضبط هذا "الجهاز" الجديد، وتكرّس عملية المطابقة و"توطين" القنوات التلفزيونية، خاصة تلك التي تحصلت على اعتماد مكاتبها بالجزائر، وعددها خمسا، واستبعدت هنا مصادرنا، أن تتوسّع القائمة حاليا، في انتظار التشكيل النهائي لسلطة الضبط التي ستوكل لها مهمة تنظيم القنوات الجزائرية، وكذا توزيع الإشهار، بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها حاليا مع الجرائد والتلفزيون العمومي.
قانون الإشهار جاهز.. وهذه أهم تفاصيله وفي إطار خطة تنظيم القطاع، علمت "الشروق" من مصادر موثوقة، أن مشروع القانون التمهيدي للإشهار، أصبح جاهزا، وقد تمّ إيداعه من طرف وزارة الاتصال على مستوى الأمانة العامة للحكومة، ريثما يتمّ إثراؤه لتوقيع نسخته النهائية قبل عرضه في مجلس الحكومة فمجلس الوزراء ثم عرضه أمام البرلمان. ويُنتظر أن تدرس الحكومة مشروع قانون الإشهار-حسب مصادرنا- قبل نهاية السنة، على أن يُعرض للمناقشة والمصادقة من طرف النواب خلال الدورة الخريفية القادمة للهيئة التشريعية. وحسب ما توفر ل "الشروق" من معلومات، فإن مشروع قانون الإشهار، تضمن ضوابط وكيفيات ممارسة نشاط الإشهار، كما ينصّ على تشكيل "مجلس لمتابعة الإشهار"، يتشكل من المتعاملين في الإشهار وممثلي الجهات المعنية، بينها وكالات الإشهار ووزارة التجارة والغرف الصناعية ومنتجو السمعي البصري وجمعيات حماية المستهلكين. كما لم يغفل مشروع القانون، "الدفاع عن أخلاقيات المهنة".
مرسوم لوقف فوضى "وكالات الاتصال" ولترتيب هياكل و"توابع" قطاع الإعلام، خطت وزارة الاتصال مراحل متقدمة، لصياغة مشروع مرسوم ينظم وكالات الاتصال والإشهار، يُنهي مراحل "الابتزاز والفوضى" بعدما ظلّ هذا "التخصّص" بمثابة "الدكاكين" التي عشعش فيها دخلاء وحتى "بقارة" لا علاقة لهم بالإعلام، نتيجة التساهلية في فتح هذه العلب بمجرّد الحصول على سجّل تجاري فقط. ولوضع حد لهذه "التراجيديا"، يبقى ملف علب الاتصال ورشة من الورشات المفتوحة على مستوى وزارة الاتصال، حيث ينتظر أن يتضمن القانون التنظيمي، الذي سيدخل حيز الخدمة قريبا، شرطا يستوجب الحصول على ترخيص من وزارة الاتصال، يُرافق السجل التجاري، لفتح هذه العلب التي تخضع حاليا ل "فوضى منظمة". وتؤكد مصادر حكومية، أن كلّ هذه التنظيمات لن تكون سوى "بإشراك أهل المهنة"، وهو ما يدفع مراقبين إلى الاستشعار بأن "المنسحب" أو "المقاطع" لهذه العملية "هو الخاسر" في نهاية المطاف، طالما أن المسعى العام يهدف إلى تنظيم قطاع الصحافة وأخلقتها وضبط موارد تمويلها وتقنين الوصول إلى الخبر وضمان حقّ المواطن في الإعلام.
عودة صندوق مساعدات الصحافة ب30 مليارا وكشفت مصادرنا، أن "الثورة القانونية" التي بدأت منذ أشهر، ويقودها حاليا وزير الاتصال حميد قرين-وهو ابن القطاع والعارف بخباياه وتفاصيله المملّة-تعمل أيضا على إنهاء نصوص تنظيمية لإعادة سير "صندوق مساعدات الصحافة"، الذي به حاليا ما قيمته 30 مليار سنتيم، سيتمّ مستقبلا "توزيعها بالقانون" على مختلف وسائل الإعلام الوطنية، على أن تتكفل لجان مشكلة من الوزارة وممثلي القطاع، بتحديد معايير توزيع هذه الإعانات، وشدّدت مصادرنا، على أن هذه الأخيرة "يجب أن تصبّ لفائدة الصحفيين وليس ملاك الجرائد، من خلال تخصيصها للتكوين وملفات أخرى ستطور العمل الصحفي بما يخدم كلّ المنظومة الإعلامية" في البلاد. ومع هذه الحركية، يعتقد أبناء القطاع، أنه من الضروري أن ترافق "الإصلاحات" التي أطلقتها السلطات العمومية، عملية تنظيم وهيكلة وسط الصحفيين أنفسهم حتى تسهل عمليات "التفاوض" والحوار وإشراك كلّ الأطراف في تقنين القطاع، وفي هذا المقام، يرى مهنيون أن الصحفي المحترف ليس حتما أنه يملك شهادة من معهد الإعلام، ولكنه يملك قلما جريئا وحسّا لا تجده إلاّ عند الصحفي.
مجلس أخلاقيات المهنة للمّ شمل الإعلاميين وكتتويج لإنجاح "ثورة التغيير" التي ستجري بطريقة سلسة ومهنية، بعيدا عن الثأر والانتقام وتصفية الحسابات، تركز وزارة الاتصال بالتنسيق مع أهل القطاع، على جدوى "مجلس أخلاقيات المهنة" في إطار "إعادة البناء القانوني تنظيما وتشريعا"، وحسب معلومات "الشروق"، فإن تركيبة المجلس ستعمل على عدم تكرار التجربة الفاشلة لمجلس 2000، وسينطلق التأسيس من الصحفيين الذين سيستلمون بطاقة الصحفي المحترم، حيث سيكون بوسعهم بعدها المشاركة في تشكيل اللجنة الدائمة لمنح بطاقة الصحفي، ومنها الانتخاب ضمن أعضاء سلطة الضبط وكذا تشكيلة مجلس أخلاقيات المهنة. ويهدف هذا المسعى-حسب مصادرنا- وحسب ما ينتظره أهل القطاع، إنهاء الفوضى ك "إرادة سياسية" تنفذها الحكومة وترافقها الوصاية بغية "إزالة مكامن الفساد" سواء على مستوى الإشهار أو الطباعة أو التوزيع، ويرجّح أن تنتهي العمليات المتطابقة مع بعضها البعض خلال الستة أشهر القادمة، ليتم تشخيص "الداء" ثم تطهير القطاع من "الدخلاء" بعيدا عن "القرارات الإدارية والتوقيف التعسّفي"، وهو ما يُمكنه أن يوقف التزاحم في طابور إنشاء جريدة "كمصدر ريع" وفقط! ومع هذه الحركية النشيطة التي ينفذها الوزير قرين، استيقظت أصوات مهنيين من أبناء الإعلام، للوقوف من أجل إنجاح هذه المبادرة الإصلاحية التي لا يُمكن لأيّ صحفي نزيه وصادق أن يُعارضها أو ينكر فضلها القادم، وهو ما يستدعي بالمقابل، على "حرّاس المعبد" التزام الصمت أو التوجّه نحو الصفوف الخلفية والتوقف عن محاولة تعطيل "المشروع" وتغليط الرأي العام وتضليله بتحليلات فلكلورية تجاوزتها الأحداث والبكاء على الأطلال، مع وقف عمليات الكرّ والفرّ الرامية إلى التشويش على المسار الهادف إلى خدمة وتنظيم هياكل الأسرة الإعلامية وكلّ الصحفيين.