تحيي الأسرة الإعلامية عيدها الوطني الثاني المصادف ليوم 22 أكتوبر من كل عام؛ تيمّنا بذكرى تأسيس جريدة "المقاومة" التي خرجت من رحم ثورة شعبية، لإسماع صوت المجاهدين وكل الجزائريين بأن الجزائر ليست فرنسية ولن تكون، وأن موعد كتابة تاريخ جديد قد حان. وكان تأسيس هذه الجريدة وعنوانها في حد ذاته، رسالة للمستعمر، وحدثا بارزا خلّد مآثر ثورة نوفمبر وإنجازاتها وأهدافها. وكان لا بد والجزائر تنعم باستقلالها، أن يكون يوم تأسيسها خالدا؛ بجعله يوما وطنيا للصحافة الجزائرية. وتحتفل الأسرة الإعلامية الوطنية بعد مرور 59 سنة من صدور أول عنوان جزائري، مثمنة المكاسب التي حققها قطاع الإعلام، والأشواط التي قطعتها حرية التعبير بالرغم من حداثة تجربة التعددية الإعلامية والقوانين التي تضبط آليات وطرق ممارستها باحترام الأخلاقيات المهنية التي يقتضيها العمل في قطاع "السلطة الرابعة". ولأن الحدث مهم بالنسبة لرجال الإعلام في كل القطاعات والتخصصات، فإن المناسبة ستكون فرصة لتنظيم تظاهرات في مختلف مناطق الوطن بعد سنتين من إقرار رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم 22 أكتوبر، عيدا وطنيا للصحافة الوطنية؛ عرفانا منه بتضحيات وجهود الصحافة في سبيل خدمة المجتمع وترقية حقوق الإنسان والدفاع عن مقومات الأمة والإسهام في التنمية الشاملة. وجاء هذا اليوم الوطني كمواصلة للإصلاحات السياسية التي باشرها الرئيس، والتي لا يمكن عزلها عن الإعلام الذي يُعد شريكا ضروريا لإنجاح أي مشروع سياسي، كما أكد توماس جيفرسون واضع الدستور الأمريكي في مقولته الشهيرة: "لو خُيّرت بين حكومة بدون صحافة أو صحافة بدون حكومة لما ترددت في اختيار الثانية"؛ قناعة منه باستحالة تسيير دولة ما بدون صحافة، واعترافا بدور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام؛ كونها أكثر تأثيرا من الشخصيات السياسية. ولعل اختيار تاريخ صدور جريدة المقاومة التي كانت تعبّر عن صوت الثورة والجهاد دليل على دور الإعلام وصموده وصعوبة مهمته التي تلقَّب ب "مهنة المتاعب"، والتي تُعد جهادا مستمرا للبحث عن الحقيقة ومحاربة الظواهر السلبية التي تقلق المجتمع، وتهدد الوطن والمواطن على حد سواء في مختلف الظروف والأزمات. تجربة حديثة فرضت مكانتها بفضل حرية التعبير وأجمع بعض الصحفيين ومديري وسائل الإعلام الذين تحدثت إليهم "المساء" بهذه المناسبة، على أن الصحافة الجزائرية حتى وإن كانت تجربتها حديثة، غير أنها إيجابية مقارنة بالعديد من الدول حتى تلك التي سبقتنا إلى الديمقراطية والحرية، وذلك بفضل تمتّعها بحرية التعبير، خاصة في ال 25 سنة الأخيرة، التي تم خلالها فتح قطاع الإعلام للخواص، مما سمح بإنشاء عدد هائل من الجرائد اليومية وحتى القنوات التلفزيونية التي بدأت ترى النور في السنتين الأخيرتين. غير أن جل المتخصصين في القطاع يرون أن حرية الإعلام في الجزائر وإن كانت جيدة مقارنة بالبلدان المجاورة والعربية، إلا أن المعايير المهنية في العديد من المرات، أصبحت لا تُحترم، مع تراجع أخلاقيات المهنة في بعض العناوين الإعلامية، التي تحولت إلى أبواق لجهات معيّنة؛ لأسباب سياسية أو مادية. ويرى هؤلاء أن كثرة العناوين ليست بالضرورة ظاهرة صحية للقطاع، مرجعين ذلك إلى نقص التنظيم، الذي أدى إلى الفوضى السائدة، خصوصا في القطاع الخاص، والذي يتطلب تكوين الإعلاميين والصحافيين؛ نظرا للعديد من النقائص المسجلة في الصحافة الوطنية، التي كانت وراء نقص تكوين بعض الصحفيين، إضافة إلى غياب مصادر الخبر التي تُعد تضييقا على حرية الصحافة، ومساسا بحق المواطن في الإعلام؛ فغالبا ما يكون نقص في الأداء، ويُترك المجال مفتوحا أمام الإشاعات. أخلاقيات المهنة ضرورة للحفاظ على مكاسب الصحافة وفي تقييمه للتجربة الإعلامية في الجزائر، يرى الصحفي عبد الوهاب جاكون مدير نشر يومية "لانوفال ريبوبليك" الناطقة باللغة الفرنسية، أن اليوم الوطني للصحافة الذي يُعد مكسبا للصحافة الجزائرية بالإضافة إلى اليوم العالمي لحرية التعبير المصادف للثالث ماي الذي تتقاسمه مع كل البلدان، هو محطة تستوقفنا لتقييم أدائنا ومعرفة ما تم إنجازه في الحقل الإعلامي، لاستدراك النقائص التي لازالت تحول دون تحقيق النتائج المرجوة أو دون الاستجابة لتطلعات المواطن، الذي بات يطالب بحقه الذي يكفله له الدستور، ألا وهو الحق في الإعلام. وأشاد السيد جاكون بحرية التعبير والصحافة التي قطعت أشواطا معتبرة ببلادنا في ظرف قصير، مثمّنا الإجراءات والإصلاحات التي استفاد منها القطاع في السنوات الأخيرة من مراجعة قانون الإعلام، وإلغاء عقوبة الحبس عن الصحفي الذي كان يُسجن بسبب كتاباته. وأضاف محدثنا أن الجزائر تُعد من الدول القليلة التي يوجد بها أكثر من 130 جريدة يومية، بفضل مرونة قانون الإعلام، الذي سمح بإنشاء صحف خاصة، والذي سمح مؤخرا بفتح قنوات تلفزيونية أيضا. غير أنه ألح على ضرورة حسن استغلال هذه الحرية للحفاظ على الاحترافية، وذلك بالتقيد بالنوعية والضمير المهني، والتحلي بأخلاقيات المهنة حتى لا تتجاوز هذه الحرية الأخلاقيات، ويبتعد الإعلام عن دوره في تنوير الرأي العام بالتدخل في الأمور الشخصية للغير وعدم احترام الحريات الفردية والشخصية أو المساس بأمن الدولة وأسرارها؛ حيث تصبح أهدافه تجارية محضة بالبحث عن الإثارة وجلب القراء بتضخيم الأمور أو قذف الناس عوض تقديم الخدمة العمومية. وحسب السيد جاكون فإن الحفاظ على المكاسب التي حققها الإعلام الجزائري ومرافقة الإصلاحات التي استفاد منها مؤخرا، يستدعي فرض ضوابط تحكم القطاع وتسيّره؛ لأن ضمان حرية التعبير في ظل عدم احترام أخلاقيات المهنة وتكوين الصحفيين، يجعل هذه الحرية لا معنى لها، مقترحا أنه لتجسيد الاحترافية وتقديم إعلام نوعي موضوعي نزيه يجب قبل كل شيء، إعادة إنشاء مجلس أخلاقيات المهنة، المجلس الأعلى للإعلام، وسلطتي ضبط الصحافة المكتوبة والسمعي البصري لتنظيم كل الجوانب المتعلقة بالممارسة الإعلامية والقطاع؛ من نشر، طبع، توزيع وإشهار، لتطهير القطاع، كما قال، من الدخلاء، والذين يبقى هدفهم الوحيد الربح السريع وجلب أكبر قدر ممكن من صفحات الإشهار على حساب الرسالة الإعلامية، مما يُعد مساسا بحق يكفله الدستور، وهو حرمان المواطن من حقه في الإعلام، وتحويل الصحف إلى أبواق لتمرير رسائل الجهات المموّلة التي تمنح الإشهار؛ من شركات اقتصادية وتجارية ورجال أعمال وجماعات مصالح. الصحافة مطالَبة بتقييم إنجازاتها لمعالجة النقائص وهو الطرح الذي ذهبت إليه السيدة نعمة عباس مديرة نشر جريدة "المجاهد"، التي دعت إلى استغلال اليوم الوطني للصحافة للجلوس إلى طاولة الحوار، والاستماع إلى آراء كل المهنيين لتقييم مسار الصحافة الجزائرية منذ عهد التعددية، لمعرفة ما إذا كانت قد حققت النتائج التي جاءت من أجلها، ولمحاولة إيجاد حلول لما وصفته ب "التجاوزات" المسجلة. واعترفت السيدة عباس بأن الصحافة الوطنية بالرغم من الظروف الصعبة التي ظهرت فيها خاصة بعد التعددية ومعاناة العشرية السوداء، فإنها تمكنت من فرض وجودها، ونجحت في علاج العديد من الظواهر والأزمات؛ بإيصال صوت الشعب للسلطة، وقرارات السلطة للشعب؛ كونها حلقة وصل بين الطرفين، والمرآة العاكسة لانشغالاتهما. كما تمكنت من صنع الرأي العام، وتوحيد اللحمة الوطنية في الكثير من المناسبات والظروف الصعبة التي عاشتها البلاد. ولترقية دور الصحافة والاستجابة لتطلعات مواطن اليوم الذي يُعرف عنه أنه ذواق ويميل للنوعية في زمن المنافسة والتكنولوجيات الحديثة وغزو الصحف الإلكترونية والقنوات التلفزيونية الأجنبية، بات من الضروري تضيف محدثتنا التفكير في تقديم إعلام نوعي وموضوعي، موضحة أن هذا الإعلام يستدعي التكوين المستمر للصحفيين، وتأهيلهم وتأطيرهم حتى يكونوا على أتم الاستعداد؛ لمواكبة هذه التحولات التكنولوجية، التي تتطلب المزيد من الاحترافية والسرعة والدقة. وما التدابير التي أقرتها الدولة مؤخرا لتنظيم القطاع وتطويره، سوى مؤشر إيجابي تعوّل عليه الأسرة الإعلامية لتحقيق الاحترافية وتطهير القطاع، بعد منح بطاقة الصحفي المحترف وتنصيب سلطة الضبط، التي بإمكانها فرض معايير تحكم الممارسة وتضبطها. تعددت وسائل الإعلام والجمهور بحاجة إلى النوعية من جهته، يرى الصحفي جمال معافة مدير القناة التلفزيونية "دزاير نيوز"، أن التجربة الإعلامية الجزائرية تجربة إيجابية؛ حيث تمكّن الإعلام في وقت وجيز، من بلوغ مرتبة يُشهد لها في العالم العربي بفضل تمتّعه بحرية التعبير. غير أنه أضاف أن هذه المرحلة الإيجابية التي بلغها الإعلام الجزائري، تتطلب تدعيم تجربته من طرف المهنيين والسلطات لتكوين الصحفيين، خاصة بعد الخطوة الكبيرة التي قامت بها السلطات لأول مرة بعد الاستقلال، والمتمثلة في فتح المجال للاستثمار في القطاع السمعي البصري للخواص بعدما كان حكرا على الدولة. كما تستدعي مرحلة التدعيم هذه يقول الزميل معافة - تنصيب الهيئات الضبطية التي نص عليها قانون الإعلام الجديد لسنة 2012، ومنح بطاقة الصحفي المحترف لفرض تنظيم المهنة والإبقاء على أهلها؛ لأن القطاع اليوم وأكثر من أي وقت مضى، أصبح بحاجة إلى النوعية والكيفية لخدمة صورة الجزائر وحمايتها، ولم يعد في حاجة إلى الكمية في الوقت الذي يسجَّل فيه عدد كبير من العناوين المكتوبة والمرئية. وحتى تكون للإعلام الجزائري منظومة قوية تجعله في منأى عن كل التجاوزات والانحرافات، لفت محدثنا إلى أهمية الإسراع في إصدار قانوني الإشهار وسبر الآراء؛ لما لهما من أهمية في استقرار المؤسسات الإعلامية والحفاظ على توازنها، وإنجاز التحقيقات الميدانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي يمكن استغلالها لإيجاد حلول للعديد من المشاكل بفضل سبر الآراء ومعرفة رأي الشارع الجزائري. كما أكد مدير قناة "دزاير نيوز"، أن الصحافة اليوم يجب أن تواكب ما يُعرف ب "اقتصاديات الإعلام"؛ للحفاظ على استقرارها وتوازنها المالي؛ مما يسمح لها بالاستمرارية، ويمكّنها من تقديم مواضيع نوعية للقضاء على ما بات يُعرف، للأسف في بعض العناوين، ب "أزمة المضمون"، التي أرجعها إلى نقص الإمكانات المادية في أغلب الحالات؛ مما يحول دون تمكين الصحفي من التنقل لإنجاز روبرتاجات وتحقيقات في المستوى المطلوب؛ الأمر الذي يتطلب إدخال آليات "اقتصاديات الإعلام" في تسيير القطاع، للاستثمار في المضمون والتركيز على الكيفية بدل الكمية. الاحترافية والموضوعية شرطان لمواكبة الإصلاحات أما الصحفي زين العابدين بوعشة مدير الأخبار بالتلفزيون الجزائري، فأثنى على قانون الإعلام الحالي الذي تم تعديله في سنة 2012، والذي عزّز مكانة الصحافة كقانون عضوي أو إطار عام ينظّم المهنة، وتستكمله قوانين خاصة مثل قانون السمعي البصري، قانون سبر الآراء وقانون الإشهار. وأضاف الزميل بوعشة أن هذا القانون أتى بعدة إيجابيات؛ كونه يتكفل بحق المواطن في الإعلام، كما جاء في الدستور، ويكرّس حرية التعبير والصحافة، وينظّم الممارسة المهنية في قطاع الإعلام. كما يرى أن صدور قانون السمعي البصري وتنصيب سلطة السمعي البصري برئاسة ميلود شرفي في انتظار استكمال الترتيبات العملية لهذه الآلية التي تنظّم قطاع السمعي البصري، خطوة تعبّر عن وجود نية لدى السلطات للنهوض بقطاع الإعلام الذي يُعد قطاعا حيويا، وركيزة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها لبناء دولة قوية وتحقيق التنمية وتنفيذ مختلف البرامج السياسية والاقتصادية وغيرها. وفيما يخص الصحافة المكتوبة، فيرى محدثنا أن شروع اللجنة الوطنية في منح البطاقة الصحفية المهنية في عملها وانتخاب الصحفيين لممثليهم في سلطة الصحافة المكتوبة، هو مبادرة تعلّق عليها أسرة الإعلام آمالا كبيرة لتنظيم القطاع وفرض ضوابط تزيد من تعزيز المهنية والاحترافية. ومما لا شك فيه - يستطرد محدثنا - أن هذه الإجراءات من شأنها تحسين إطار عمل الصحفي، وضمان الحصانة له بعدما تم حذف عقوبة الحبس وإقرار سياسة رفع الأجور في القطاع العمومي. وفي سياق حديثه، أشار مدير الأخبار بالتلفزيون الجزائري، إلى أن الأسرة الإعلامية دائما تنظر إلى القوانين على أنها غير كافية، لكن لا بد من توازنات من خلال الآليات الجديدة، المتمثلة في سلطة الضبط بالنسبة للصحافة السمعية البصرية أو المكتوبة. كما أنه لا بد من تحقيق المهنية، التي تبقى من النقائص المسجَّلة في الميدان؛ مما يتطلب إعادة تأهيل الصحفيين ورسكلتهم وتكييفهم مع العهد الإعلامي الجديد، الذي يتميز بالوسائط الإعلامية المتعددة؛ لاستدراك هذا النقص الفادح على حد تعبير محدثنا، الذي اقترح أيضا إعادة تأهيل المؤسسات الإعلامية ومراجعة منهجية تسييرها.