يتأكد من يوم إلى آخر أن مسألة احتفاظ اللواء خليفة حفتر بمنصبه كقائد أعلى للجيش الليبي، كما تريد سلطات طبرق وبين حتمية رحيله، كما تصر على ذلك غريمتها في طرابلس، يبقى بمثابة العقبة الرئيسية أمام توقيع فرقاء الأزمة الليبية على اتفاق السلم والمصالحة الذي ترعاه الأممالمتحدة. وهي حقيقة أكدها عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق المعترف به دوليا الذي أدلى بتصريح لفت الانتباه وأكد من خلاله أنه متمسك باللواء حفتر، كقائد للجيش الليبي واتهم كل من يرفض ذلك بأنه "لا يريد بناء جيش ولا دولة مدنية أو عسكرية" في ليبيا. ودافع صالح عن موقفه بالتأكيد على "أن اللواء حفتر مكلف من قبل مجلس النواب وهو من لملم الجيش الليبي وجعله جيشا نظاميا مثله مثل كل جيوش العالم وأن من يريد العمل في السياسة، عليه خلع البذلة العسكرية وأن يشارك عن طريق صناديق الاقتراع"، وهي رسالة مشفرة باتجاه المؤتمر الوطني العام المنتهية عهدته والمدعوم بمليشيا قوات "فجر ليبيا" التي تصر على إبعاد خليفة حفتر ورفض كل تعاون معه حتى في محاربة الحركات الإرهابية المحسوبة على تنظيمي الدولة الإسلامية و«القاعدة". وتأكدت هذه الحقيقة للعيان بعد أن رفضت سلطات طبرق وطرابلس التوقيع على اتفاق السلم والمصالحة الذي أعدته الأممالمتحدة وتضمن تشكيل حكومة وحدة وفاق وطني وأيضا من منطلق أنهما لم يبديا اعتراضا على تعيين فايز السراج رئيسا لحكومة الوفاق وإنما على بنود أخرى تضمنها الاتفاق لم يتم الخوض فيها ولكن كل المعطيات تشير إلى أن جوهر الخلاف يدور حول بقاء حفتر أو رحيله. والمؤكد أن إبرام أي اتفاق بين السلطة في طبرق وغريمتها في طرابلس لابد أن يمر عبر تسوية هذا الخلاف من تحديد مصير اللواء حفتر الذي يبقى طرفا فاعلا فى الساحة الليبية نظرا للقوة العسكرية التي يمتلكها وجعلت الحكومة في طبرق بقيادة عبد الله الثني تستنجد به لمساعدتها على مواجهة قوات "فجر ليبيا" التي تسيطر على العاصمة طرابلس وضواحيها. والسؤال المطروح، هل يدرك المبعوث الأممي إلى ليبيا، برناردينو ليون حقيقة جوهر الصراع الليبي، وهو الذي كان في كل مرة يبدي تفاؤلا بتوقيع الأطراف الليبية على اتفاق التسوية ثم سرعان ما يصطدم تفاؤله بصخرة الرفض سواء من هذا الطرف أو ذاك. والحقيقة أن اللواء حفتر استطاع أن يحتفظ لنفسه بمكانة في المشهد السياسي والعسكري الليبي بعد أن استغل نواة الجيش النظامي السابق وعتاده وتجهيزاته بما فيها الطائرات تؤهله لقول كلمة الفصل في كل القضايا التي تهم مستقبل ليبيا. وجعل حفتر من محاربة الإرهاب في مدينة بنغازي عاصمة شرق ليبيا من بين أولى أولويات قواته، حيث يقوم بعمليات عسكرية واسعة النطاق للقضاء على من يصفهم ب«الإرهابيين" في هذه المدينة الاستراتجية ويمنح لنفسه مهلة لذلك ولكنه لم يتمكن من "تطهيرها" إلى حد الآن ربما من أجل الإبقاء على ورقة رابحة بين يديه يستخرجها متى استدعت الضرورة ذلك حتى يبقى رقما لا يمكن القفز عليه في أي ترتيبات سياسية وأمنية محتملة. وكان وعيده الأخير باتجاه المليشيات الإرهابية القيام "برد قاس" ضدها بسبب استهدافها للمدنيين خلال مظاهرة سلمية بمدينة بنغازي أول أمس يدخل ضمن هذه المقاربة. وأعلنت سلطات مختلف مدن المنطقة الشرقية الحداد ثلاثة أيام على أرواح المدنيين الإثني عشر الذين قتلوا خلال هذا القصف الذي استهدف مظاهرة في قلب هذه المدينة للتنديد بالاتفاق السياسي المقترح من قبل الأممالمتحدة لاحتواء الأزمة الليبية.